يعيش الديوان الجزائري المهني للحبوب على وقع سلسلة من الفضائح الثقيلة والخطيرة، حيث تمكنت "الشروق اليومي" من الحصول على عدد من الوثائق الهامة التي تدين مباشرة مسؤولين في أعلى مستوى بالشركة المذكورة وكذا مديري فروعها بولايات أخرى، فضلا عن نقابيين عاملين بالشركة التي تعتبر بشكل من الأشكال »سلة غذاء« الجزائريين ومطمورهم الرئيسي الذي يحتفظون فيه بما يسدون به رمقهم، وسيكتشف القارئ عبر السطور التالية مدى الفساد الذي أضحى ينخر هذه الشركة، مثلما ينخر "السوس" الآن مخازنها مسببا خسائر بالجملة. في الحقيقة، إن ملف فضيحة الديوان الجزائري المهني للحبوب الذي توجد وثائقه المفصلة بحوزة الشروق اليومي، هو في الأصل ثلاث فضائح كبرى، كل فضيحة أفظع من أختها، إذا جاز التعبير، ومن الأجدى أن نبدأ بأحطها أخلاقا، بالنظر إلى خيانة أصحابها للأمانة التي كانوا مكلفين بآدائها وكذا انعدام الضمير وطغيان الأنانية. القضية تعود إلى أحداث ماي 2003 المتعلقة بزلزال بومرداس الذي خلف آلاف الضحايا والمنكوبين من الأرامل واليتامى والمعطوبين، ومعلوم أن الدولة خصصت في أعقاب هذه المأساة المروعة رقم حساب بنكي لكل من يريد أن يساهم بإعانات مادية تصب لصالح المتضررين من الزلزال، وهو شكل من أشكال التضامن الذي يزيد في تماسك أسس المجتمع ويرسخ فيه القيم الإنسانية العليا، ولكن..النقابة الوطنية للديوان الجزائري المهني للحبوب بادر مكتبها، الذي يضم 11 فردا،3 من العاصمة 4 من الشرق و4 من الغرب، بمراسلة فروع التعاونيات، وذلك بأن يتبرعوا بيوم عمل لصالح المنكوبين، غير أن الأموال المجمعة صبت في رقم حساب بنكي آخر خاص بالنقابة المذكورة تابع لبدر ومقره في الحراش، وكانت الحجة وراء هذه الخطة الجهنمية إعداد صك موحد يدفع باسم الديوان الجزائري المهني للحبوب كلفتة تضامن من عماله مع ضحايا الزلزال. وقد بلغت حصيلة هذه الحملة ما بين 700 مليون ومليار سنتيم تبرع بها قرابة 14 ألف عامل، وفي الوقت الذي كان الجميع يعتقد أن إعاناتهم وصلت إلى أهدافها المرجوة، كان نقابيو العاصمة الثلاثة قد اعتبروا أنفسهم من »المنكوبين« وأفتوا بجواز الإستيلاء على المبلغ المجمع وتحويله لحسابهم الخاص، حيث، كما هو واضح، تحول الى غنيمة لدى هؤلاء وحرموا أصحابها منها، رغم أحقيتهم وحاجتهم الماسة إليها.. الجدير بالذكر، أن هذه الجريمة الأخلاقية الخطيرة كان المدير العام للديوان الجزائري المهني للحبوب على علم بتفاصيلها الدقيقة، بيد أنه التزم الصمت لأسباب غامضة، انفك غموضها فيما بعد، حيث شرع هذا المسؤول في توجيه النقابة الوجهة التي يريد، ومن ثمة ترويض أعضائها لصالحه، طبعا إلى غاية تهديد النقابة بالدخول في إضراب عن العمل، وعندها أخرج السيد المدير العام ملف النقابيين الثلاثة وأصدر في حقهم قرارا بالطرد يتضمن بديهيا التهم الثقيلة ضدهم، في مقدمتها اختلاس أموال التضامن لصالح منكوبي زلزال بومرداس، والغريب في الأمر أن السيد المدير العام أصدر قرار الطرد في حق النقابيين الثلاثة الذي تملك الشروق اليومي ثلاث نسخ من هذا القرار، وهو مؤشر وموقع عليه رسميا بتاريخ 21 سبتمبر 2005! فإذا كان السيد المدير العام عادلا وحازما في هذا القرار، لماذا انتظر مدة عامين للقيام بهذه الخطوة الواجبة التنفيذ منذ وقوعها، أم أن وراء ذلك مساومات أو تهديدات أو شيء من هذا القبيل؟ علما أن النقابيين المطرودين وأسماؤهم على التوالي (م.م) (ل.ك) (غ.ك) يعملون اليوم، جاهدين للعودة إلى منصب عملهم، رغم كل ما فعلوه، وليس هذا فقط، حيث تملك الشروق اليومي محاضر اجتماع أعضاء النقابة ال 11 ( أحد المتهمين عضو فدرالي!) والطريف أنه عقب كل اجتماع ( تنفذه النقابة إياها مثل المؤرخ في 23 جوان 2002) يتحصلون على مبلغ لكل عضو منهم يقدر ب 5000دج (الرئيس يتحصل على 6000 دج) وقد صرفت هذه المبالغ أو الهبات الأخيرة عن طريق صك بريدي يحمل رقمي (0573803) و(0573802) كما تثبت ذلك الوثائق البنكية التي بحوزة الشروق. والذي ينبغي الإشارة إليه ضمن هذا السياق أن نقابة الديوان الجزائري المهني للحبوب انتهت عهدتها منذ 5 سنوات، وهي أصلا تابعة للإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، ورغم مراسلة النقابة الوطنية لتجديد المكتب، إلا أنه إلى غاية الآن لم يحصل أي تغيير يذكر؟؟!! ( 50 ألف قنطار تحولت من البذور إلى الإستهلاك!!) الفضيحة الثانية المدوية التي قام بها مسؤولون نافذون بالديوان الجزائري المهني للحبوب هي أنهم أصدروا أمرا تحت رقم 37 مؤرخ 2004 ينص على تحويل كمية هائلة من البذور تقدر كميتها ب 50 ألف قنطار إلى منتوج استهلاكي (قمح لين فرينة) والأمر صادر من المدير الجهوي بقسنطينة (طريق الغابات chemins forestiers) إلى مدير تعاونية قسنطينة بالخروب يأمره استنادا إلى أمر من المديرية العامة بالعاصمة، وقد تسبب هذا القرار الجائر في تسجيل خسارة ب 700دج للقنطار الواحد، على اعتبار أن القنطار العادي سعره 1300 دج في المطاحن، في حين أن القنطار من البذور سعره 2100دج والسبب في ذلك طبعا يعود إلى تكلفة عمليات التكييف والتحاليل المخبرية التي تحول الحبة العادية من القمح اللين إلى بذرة، يبدأ استغلالها في الغرس وهي في مرحلة ( G.O) إلى غاية (G.4) وبعد عمليات الغرس والبذر المتواصلة لمدة 8 سنوات تصبح البذرة تحمل رمز (R3)، بمعنى أن البذرة شاخت وصارت محدودة المردود. يجدر التذكير أن بلادنا تستورد البذور من نوعي R2 وR3 مثل التي استوردتها من اسبانيا عام 2004 الخاصة بالخرطال، حيث يستحيل أن تصدر الدول المصدرة للبذور من نوع R1 وما قبلها كونها تستغلها لمنتوجها الداخلي فقط... وموطن الجرم في مثل هذا النوع من التسيير يكمن في تحويل كل هذه الكميات الهائلة من البذور التي نحن في أمس الحاجة إليها، رغم الزعم بأن الجزائر مكتفية ذاتيا من ناحية إنتاج البذور، حسب المصادر الرسمية طبعا، وذلك للإستهلاك الذاتي، مع التأكيد بالأحمر على أن هذه الكمية المقدرة ب 50 ألف قنطار من بذور القمح اللين (الفرينة) تعتبر مختفية طالما أنها لم تسجل وقرار التحويل تملك نسخة منه الشروق اليومي.... "السوس" ينخر مخازن الحبوب بسبب غياب النظافة الفضيحة الثالثة التي تعتبر الأخطر من الفضيحتين السابقتين، وقد تركناها كآخر محطة لهذا التحقيق، كونها تمس بالأمن الغذائي للبلاد، وهي بالتالي في حاجة إلى تدقيق وتفصيل أكبر بالإستناد طبعا، إلى وثائق رسمية تؤكد بالقطع وبما لا يدع مجالا لذرة من الشك، كل كلمة نقولها، وعليه لنبدأ من البداية. تذكر التصريحات الرسمية أن الإستهلاك السنوي من الحبوب بالجزائر يصل إلى 70 مليون قنطار، وكان وزير الفلاحة في زيارته إلى قسنطينة شهر سبتمبر من هذا العام، قد صرح للصحافة الوطنية على أن الجزائر أنتجت لموسم حصاد 2007 كمية كبيرة من الحبوب وصلت إلى 43 مليون قنطار. من جهة أخرى، صرح الأمين العام لوزارة الدكتور بركات أن الإنتاج الوطني من الحبوب لعام 2007 يقدر ب 20 مليون قنطار، وتستورد الجزائر 50 مليون قنطار لتلبية الإحتياجات الوطنية من هذه المادة الغذائية الرئيسية، السؤال الذي حير ويحير الخبراء في هذا المجال ولم يعثروا له على جواب يكمن فيما يلي: إذا كانت مخازن الدولة بعموم ولايات الوطن تمتلئ نهائيا وكليا عند استقبالها 7 ملايين قنطار (قسنطينة مثلا تملك مخازن قدرة استيعابها ب 700 ألف قنطار وهي ولاية نموذجية في إنتاج الحبوب) وإذا افترضنا أن الفلاحين يخزنون 20٪ من منتوجهم للإستهلاك الشخصي على أقصى تقدير، فأين تم تخزين الكميات الضخمة الأخرى التي تزيد عن 30 مليون قنطار؟ علما أن الجزائر ستستورد ما لا يقل عن 63 مليون قنطار من الحبوب لسد احتياجات السوق الوطنية، وبالتالي لو كان تصريح السيد وزير الفلاحة بأن الجزائر أنتجت 43 مليون قنطار، فإنه من المفروض أن تستورد فقط 27 مليون قنطار، فأين هي الحقيقة يا ترى ضمن هذه الغابة من الأرقام المتشابكة والمتضاربة؟ الشيء الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق هو اكتشاف كل أنواع السوس الثلاثة (الطائرة والزاحفة والطفيلية!) بمخازن الحبوب لقسنطينة، وذلك جراء الغياب التام للنظافة، ما عرّض كميات المحاصيل المخزنة إلى التعفن والتلف، ومن ثمة ينجر عن ذلك كوارث حقيقية يصعب تداركها. والغريب في الأمر أن مديري المخازن المعنية بهذه القضية الفضيحة كانوا قد راسلوا المديرية العامة بالعاصمة لإعلامها أن الوضع العام للحبوب المخزنة جيد وسليم، غير أن مراسلة من المديرية العامة مؤرخة في أكتوبر 2007 تحصلت الشروق اليومي على نسخة منها (في صفحتين) موجهة إلى مديري المخازن تكشف أن هذه الأخيرة في وضعية كارثية بسبب انتشار السوس بشكل كلي بها، نظرا لغياب النظافة التي يجب أن تتم على نحو دوري ومكثف داخل المخازن والمطامر وجميع أماكن التخزين الخاصة بالحبوب، وكانت مراسلة سابقة من ذات المديرية إلى مديري المخازن عبر الشرق (قسنطينة) تكشف بأن حالة هذه المخازن مريعة وتهدد بفساد جميع المحصول المخزن، وقد تم ذلك بناء على تقرير أصدرته لجنة التنسيق بين مناطق الشرق التي أجرت مسحا ميدانيا على مدى شهري جويلية وأوت، حيث كذب بالقطع ما جاء في تقارير مديري مخازن قسنطينة المتفائلة جدا، بل التي لا تعكس الواقع الحقيقي لها وتخفي جرائم لا تغتفر، وتقرير اللجنة المذكورة بحوزة الشروق اليومي وهو مؤرخ في يوم 29 سبتمبر 2007 تحت رقم 851 (صفحة واحدة) ومع كل هذه الكوارث المضرة بالأمن الغذائي للبلاد، فإن المديرية العامة بالعاصمة لم تحرك إلى غاية كتابة هذه السطور ساكنا، ولم تعاقب المتسببين فيه وكأن شيئا لم يحصل، وكل ما في الأمر أن مسؤولي المخازن بقسنطينة، يعملون على قدم وساق على تطهير الحبوب من السوس عن طريق رشها بواسطة مواد كيمياوية مبيدة والتي تضر بالصحة العامة، سيما أن الحبوب المطهرة بها تخرج إلى السوق قبل انتهاء المدة اللازمة لزوال المادة الكيماوية، الأمر الذي يعتبر خطرا على المستهلك الذي مع مرور الوقت تتراكم بجسمه هذه الجزيئات الكيماوية الخطرة وتسبب له أمراضا عضال مثل السرطان وغيره. الكميات المختلسة من قناطير القمح حسب الولايات ولاية خنشلة / قايس: 1000 قنطار ولاية أم البواقي / عين البيضاء: 10 آلاف قنطار عين مليلة / أم البواقي: 4300 قنطار ولاية عين تيموشنت / عين طولبا: 8193 قنطار ولاية تبسة / لعوينات: 25 ألف قنطار ولاية برج بوعريريج: 8000 قنطار تحقيق: رشيد فيلالي