يعترف السفير البريطاني الجديد في الجزائر انرواو نوبل أن ما كونه عن الجزائر من أفكار مسبقة بناء على معطيات ومصادر مختلفة لم يطابق حقيقة ما وقف عليه. وكشف عن آفاق تعاون أمني واقتصادي جديد ومحادثات مع مسؤولين جزائريين. ويرى ان انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية هي الحل الأمثل لفتح الأبواب امام استثمار واسع. كما تأسف لتورط بريطانيين في تنظيم "الدولة الاسلامية"، وركز في هذا الحوار الحصري مع الشروق على اهمية ترقية وتعليم اللغة الانجليزية في الجزائر عبر المدرسة والجامعة والمؤسسات. كيف وجدتم الجزائر في الواقع مقارنة مع الصورة التي كونتموها من مختلف المصادر قبل تعيينكم خلفا للسفير مارتن روبر؟ وما تقييمكم لمستوى العلاقات الجزائرية البريطانية في مجال السياسة والاقتصاد والأمن؟ بداية يمكن أن أؤكد أن العلاقات الجزائرية البريطانية جيدة وعرفت تطورا ملحوظا منذ زيارة الرئيس بوتفليقة إلى لندن سنة 2006 وللأسف كانت فرصة ثمينة لم تستغل عمليا كما يجب، ثم توطدت أكثر بعد زيارة رئيس وزراء المملكة المتحدة ديفيد كامرون في جانفي 2013 على مختلف المستويات. الجزائر الآن مختلفة كليا عما ظننته قبلا، أو على الأقل مختلفة تماما عن الانطباع أو الصورة التي نكونها عادة عن الدول السائرة في طريق النمو. الآن يمكن أن نفهم أن هذا البلد الجميل والمدهش يخطو خطوات جادة نحو التقدم. اكبر دول إفريقيا وثاني دولة من حيث الكثافة السكانية وجار لأوروبا و50 سنة من التبادل التجاري بين المملكة المتحدةوالجزائر معطيات أخرى كثيرة تؤكد أهمية الجزائر. وتؤكد أهمية الاستثمار في الجزائر في مجال المحروقات وفي مختلف المجالات الصناعية ونحن من خلال الشركات نسعى إلى توسيع حجم الاستثمار البريطاني في الجزائر. "داعش وليبيا سيكونان محور التعاون الأمني مع الجزائر" أؤكد أن العلاقة الآن جيدة جدا ونحن بصدد بذل جهود من الجانبين لتجسيدها على أرض الواقع من خلال اتفاقات شراكة ثقافية وتجارية. الأسبوع الماضي مثلا أمضينا اتفاقا مع وزارة التربية الوطنية حول تدريس اللغة الانجليزية للتلاميذ في مختلف الأطوار الدراسية. اعتبر هذه الخطوة مؤشرا ايجابيا جدا ودليل على أن وزارة التربية تثق في طريقة وآليات المجلس الثقافي البريطاني في تعليم اللغة الانجليزية، وهي أيضا حافز مهم لنا لتوسيع أفق هذا التعاون العلمي.
على ذكر اللغة الانجليزية.. متى سيتم فتح المقر الرسمي للمجلس الثقافي البريطاني في الجزائر؟ هناك مركز للغة الانجليزية في حيدرة، ونتمنى أن تنطلق الدراسة فيه في جانفي 2015. ولكن لن ننتظر انتهاء الأشغال ببناية المقر وعليه قرر المجلس مواصلة العمل والتنسيق مع مختلف شركائه في التكوين. وبداية من الأسبوع القادم أي الأسبوع الأول من الدخول المدرسي ستنطلق الدروس حسب مستجدات اتفاقية التكوين مع وزيرة التربية، وسيتم تكوين الأساتذة والمؤطرين والمفتشين لتمكين التلميذ الجزائري من أهم أسس ومبادئ اللغة الانجليزية. "اتفاقيتنا مع بن غبريط تنفذ بداية من الأسبوع القادم" والاتفاق هو تكملة لمشروع شراكة انطلق العام الماضي وتم تمديده وتجديده هذه السنة. ونتمنى مستقبلا أن يتم التوصل إلى اتفاق أوسع واشمل مع وزارة التربية ووزارات أخرى ومؤسسات جزائرية عمومية وخاصة في إطار تحسين مستوى الإطارات والموظفين. ما هي مشاريعكم لتوسيع حجم الاستثمارات البريطانية في الجزائر في ظل استمرار المادة 49-51؟ بداية سننظم ندوة دولية حول الاستثمار، وستحمل عنوان "الجزائر مفتوحة على البزنس"، وأصر على أن كلمة بزنس لا تعني فقط التبادل التجاري وإنما أجدها كلمة أوسع واشمل. الجزائر بلد غني باحتياطات مهمة واعلم انه تعاون ايجابي متبادل وليس فقط صيغة دبلوماسية. لدينا الكثير من المؤسسات التي قصدت الجزائر واستقرت للاستثمار ونجحت. "موعد المقابلة للحصول على فيزا إلى بريطانيا في5 أيام" صحيح أن المادة 49-51 لا يجب أن تكون عائقا أمام الاستثمار. وكما ذكرت سنشجع دائما المستثمرين البريطانيين على الانضمام إلى سوق الجزائر، لأن شروط الاستثمار في الجزائر تشبه شروط الاستثمار الدولية المتعارف عليها. الأسبوع الماضي سمعنا من وزير التجارة الجزائري عمارة بن يونس أن المفاوضات لانضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية في تقدم ملحوظ، وهذا الأمر هو دافع آخر يحفز على الاستثمار وخطوة مهمة جدا للجزائر.
هل تفكرون في إجراءات جديدة لتحسين آليات طلب الحصول على التأشيرة؟ وكم بلغ عددها منذ مطلع 2014؟ بلغ الطلب على التأشيرات العام الماضي أكثر من 22 ألفا، ولاحظنا أن الطلب في تطور هذه السنة أيضا، حيث لمسنا ارتفاعا محسوسا. الأكيد أن العلاقة بين فرنساوالجزائر تاريخية، والجالية الجزائرية في فرنسا هي الأكبر مقارنة ببريطانيا العظمى وغيرها من الدول الأوروبية. "وجدت الجزائر مختلفة كليا عما ظننته وسمعته سابقا" ورغم ذلك نبحث دائما في هذا الإطار. فمثلا درسنا توجيه الطالب للتأشيرة إلى الأنترنت "تي أل أس"، حيث يقدم الطلب ويحدد موعد المقابلة في غضون خمسة أيام. ما سبب عزوف الطلبة الجزائريين عن مواصلة الدراسات العليا في بريطانيا، وتسجيل نسبة أكبر لطالبي اللجوء السياسي أو العمل؟ هذا يتغير بسرعة، وحاليا خصصنا مائة مقعد لطلبة الماستر في اللغة الإنجليزية لمواصلة دراساتهم العليا "الدكتوراه" في المملكة المتحدة، بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لمدة خمس سنوات في إطار برنامج "لتصبح دكتورا" ابتداء من السنة الحالية. نتفاوض حاليا مع مؤسسات جزائرية من أجل التبادل العلمي بصيغة إرسال دفعات إلى بريطانيا للتكوين. وبعض الشركات تريد مكونين بريطانيين في مؤسساتها لتكوين إطاراتها. "المادة 49-51 لا يجب أن تكون عائقا أمام الاستثمار" وبالنسبة لمنحة كاملة "تشيفنينغ" فهي تخص ثلاثة طلبة جزائريين تفوقوا وأتقنوا اللغة الإنجليزية في مختلف التخصصات لمواصلة دراسة "الماستر" في بريطانيا. والسنة المقبلة سيرتفع عدد الحاصلين على المنحة إلى ثمانية. نهدف إلى تمكين الطلبة المهتمين باللغة الإنجليزية من تحسين مستواهم. إضافة إلى دروس عبر الانترنت من خلال برنامج عالمي يقبل عليه الملايين عبر العالم. ولكن ما يجعلني فخورا حقا هو أن الجزائر كانت ضمن الدول العشر المهتمين بهذا البرنامج. وأعتبر هذا مؤشرا إيجابيا جدا يدل على إرادة قوية وحقيقية عند الجزائريين لتعلم اللغة الإنجليزية. وماهي الإضافة التي سجلتموها من خلال شراكتكم مع جريدة الشروق فيما يتعلق بمسابقة تعلم الإنجليزية عبر صفحاتها؟ أكيد كسبنا مهتمين جددا باللغة الإنجليزية، وأظن أن الاتفاقية ستبقى جارية مع مؤسسة الشروق لتحفيز القراء، تجربة مهمة لنا وللمهتمين باللغة الإنجليزية وأشير إلى أن إقبال الجزائريين على مواقع تعليم اللغة عن بعد، هو أيضا مؤشر إيجابي. على الصعيد الدولي.. ما قراءتكم لنتائج ما يسمى "بالربيع العربي" في ظل ما يجري في ليبيا وسوريا اليوم؟ نتحدث عن ماض قريب لازلنا نعيش ما تمخض عنه من نتائج. تغيرات كثيرة وكبيرة حدثت بسبب "الربيع العربي" ، إذا ركزنا على الجوانب السلبية والفوضى التي وقعت في ليبيا وسورياوالعراق مثلا، لا يمكن أن نقول إن ما حدث ربيعا عربيا. "انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية ضرورة" وكذلك الوضع في غزة هو وضع مقلق جدا، وبصفتي سفيرا في الجزائر أتحدث عن الجهود البريطانية المبذولة من أجل إحلال السلام في المنطقة العربية، وكذلك جهود الجزائر. وبالمناسبة أثمن جهود الجزائر في المفاوضات المالية التي احتضنتها مؤخرا في العاصمة. نحن كحكومة بريطانية سعداء بالنتائج التي حققتها الجزائر ونتمنى أن تتوج المحادثات بسلام دائم في مالي. وكذلك ندعم موقف الجزائر من الأزمة الليبية.
ماهي آليات التعاون الأمني مع الجزائر؟ وألا تظنون أن تدخل الناتو هو ما عفن الوضع في ليبيا اليوم؟ خلال ثورة الشعب الليبي على القذافي، كنا أمام واقع صادم ، ولم يكن لدينا وقتها خيار آخر عدا التدخل العسكري للقضاء على القذافي. ولكننا عملنا كثيرا بعد سقوط القذافي على إقامة نظام ديمقراطي وحر يحترم حقوق الإنسان. أكثر من 22 ألف طلب للتأشيرة البريطانية في 2014 ونتشارك مع الجزائر حلم السلام والاستقرار في ليبيا. وعليه تبادلنا وجهات النظر مع شريكنا الجزائر لمعرفة حقيقة الوضع. ممثل بريطانيا زار ليبيا وحاول الأسبوع الماضي مقابلة كل الأطراف المتصارعة بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة. ومن جهة أخرى تبذل الجزائر من خلال وزير الخارجية رمطان لعمامرة جهودا جبارة في الجامعة العربية للتوصل لحل الأزمة في ليبيا في أقرب وقت. لأن عدم استقرارها يضر بجيرانها أيضا.
بريطانيا متورطة أيضا على غرار بعض الدول الغربية والإسلامية في تعميق الأزمة السورية وتحويلها من ثورة شعب إلى "حرب مصالح" .. ما تعليقكم؟ الوضع معقد جدا في سوريا ويتحمل النظام السوري مسؤولية كبيرة. وعليه أن يخرج الشعب السوري مما يعيشه اليوم لا أن يحاربه. وزاد ظهور "الدولة الإسلامية" أو "داعش" الوضع تعقيدا وصعوبة. ونفس الشيئ بالنسبة للعراق. الشعب السوري تعرض لأبشع أنواع التعذيب النفسي والبدني، فبعد أن هاجر وترك منازله وأصبح لاجئا في دول أخرى، هربا من العنف والحرب الدائرة بين المعارضة والنظام. يواجه اليوم خطرا آخر هو الجماعات الإسلامية المسلحة. الشعب هو من يدفع الثمن ويتعرض اليوم باسم الإسلام للعنف والقتل. الإسلام دين سماح وسلام ودين ضمان حقوق الإنسان. الآن بالكاد يتعرف على حقيقته العالم بسبب هذا التطرف الفظيع لهذه الجماعات. نتفاوض مع مؤسسات جزائرية مهمة لتكوين إطاراتها وهذا الموضوع الذي خلق جحيما جديدا نواجهه جميعا سيكون ضمن محادثات ستجمعنا مع الطرف الجزائري في موضوع التعاون الأمني. لأن "داعش " وضع العراقوسوريا في وضع لا يحتمل. الآن الموضوع أصبح إنسانيا والأمريكيون يرون أنه من الممكن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق الضربات العسكرية. نؤمن بأن الوضع لن يحرك ساكنا وأن هذا التنظيم المسلح سيتمادى إذا لم تنفذ عمليات عسكرية محدودة ضده وهذا بإجماع المجتمع الدولي . الغريب أن هناك من يدعم هذا التنظيم الإرهابي المتطرف وهو ما يجب أن ندينه جميعا سواء بريطانيا العظمى أو الجزائر . لأن خطر "داعش" على كل العالم وليس على منطقة محددة. بماذا تفسرون تورط بريطانيين في تنظيم "داعش" مؤخرا؟ وإعدام صحفي بريطاني على يد مواطنه؟ أؤكد أنها صدمة جماعية في بريطانيا، نحن مصدومون من تورط بريطانيين مع تنظيم "الدولة الإسلامية". الجزائر ضمن 10 دول اهتمت بتعلم الانجليزية عبر الانترنت والحكومة تعمل على إيقاف هذا الانضمام البريطاني لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة. وعليه الحكومة تدرس بدقة ما من شأنه القضاء على تطور الفكر المتطرف. ومنع التحاق شباب أو شابات بهذا التنظيم الخطير في المستقبل.