أفنى شبابه مدافعا عن وطنه فسقط شهيدا في ساحة الوغى، ليُكافأ في جزائر الاستقلال بنزع اسمه من نصب تذكاري، كان من المفروض أن يؤرخ لبطولاته؟! إنه الضابط في جيش التحرير آنذاك، إسماعيل عاصمي، الذي قاد معركة وسط تلمسان بالقرب من المشور في أوت 1960، أين روت دماؤه الزكية أرض الزيانيين. كل العبارات تبقى عاجزة عن وصف حالة الحزن والأسى التي تملكت عائلة الشهيد إسماعيل عاصمي، المعروف باسمه الثوري "سي الميلود"، وهي تقف على حقيقة مرة تحمل كل معاني التهميش ونُكران التضحيات، حيث تفاجأت، مؤخرا، بحذف اسم ابنها "البطل" من نصب تذكاري يُخلّد معركة المشور التي سقط شهيدا في ساحتها في أوت 1960. الضابط "سي الميلود"، ينحدر من منطقة برنبو بمسيردة التحاتة في تلمسان، أبصر النور في ثلاثينيات القرن الماضي، نسبه يعود إلى الولي الصالح سيدي بوجنان دفين قرية العشاش الكائنة ببلدية السواني. "سي الميلود" حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم انتقل إلى جامع القرويين بالمملكة المغربية، أين تلقى العلوم الشرعية، لكنه سرعان ما تخلى عن الدراسة، ليلبّي نداء جيش التحرير الوطني للالتحاق بالثورة كغيرة من طلاب الثانويات والمعاهد والجامعات في ذلك الوقت، إذ كان من الضباط الأوائل بمنطقة فلاوسن المجاهدة. وشهد الضابط "سي الميلود" معركة فلاوسن في الخميسنيات، أين سقط شقيقه فتح الله وابن خالته أحمد تيجاني شهيدين، وأصيب هو بجروح، نقل على إثرها إلى مستشفى "موريس روستو" بوجدة المغربية، وبعد ثماثله للشفاء عاود الالتحاق بصفوف الثوار في جبال فلاوسن بتلمسان. في أوت، وتحديدا من 23 إلى 26 من ذات الشهر سنة 1960 قاد "سي الميلود" معركة وسط تلمسان بالقرب من المشور، حيث سقط شهيدا في ساحة الشرف رفقة 14 آخر من رفاقه، ولم تكن سنه تتجاوز آنذاك ثلاثين سنة. الشهيد البطل وبعد الاستقلال أطلق اسمه على ثكنة عسكرية، وحضر مراسم التسمية الرئيس الراحل أحمد بن بلة، رفقة كبار قادة جيش التحرير الوطني، لكن أزيلت الثكنة ومعها تلك اللوحة التي تحمل اسم الشهيد "سي الميلود"، ليشيد في المكان كلية للطب تابعة لجامعة تلمسان، باسم آخر. السيد عبد القادر عاصمي المقيم بوهران، وهو شقيق المجاهد "سي الميلود" روى بمرارة ل"الشروق"، حجم الحزن الذي يعتصر قلبه، وهو يرى أن أخاه الشهيد "يُهان" أمام عينيه؛ فالسلطات المحلية حسبه لم تزل اسمه من الثكنة التي حولتها إلى كلية للطب فحسب، بل أسقطته حتى من النصب التذكاري الذي يخلّد معركة المشور التي مات فيها شهيدا رفقة 14 آخر من رفقاء السلاح. وأمام هذه الوقائع "غير المقبولة"، ناشدت عائلة الشهيد "سي الميلود" وزير المجاهدين الطيب زيتوني، التدخل العاجل لردّ الاعتبار لابنها البطل، الذي قدم حياته فداء للوطن.