قررت السلطة طي ملفات الفساد المكدسة منذ سنوات، نهائيا، بعد أن تم الشروع وبطريقة توحي برغبة في غلق هذه الملفات دفعة واحدة وبشكل نهائي، رغم المستجدات التي تحملها تصريحات المتهمين في القضايا بذكر رؤوس كبيرة يبدو من المعطيات أنها رأس الفساد. باشرت العدالة منذ بداية الشهر المنصرم النظر في عدة قضايا تسببت في "سلب" الخزينة العمومية مليارات الدولارات التي تبددت بسبب عمولات ورشاوى، في إطار الحصول على صفقات مشاريع كبيرة تمس البنية التحتية والنظام المالي للبلاد. ومن ذلك قضية خليفة، الطريق السيار شرق- غرب، قضية سوناطراك التي تدور معطيات بأنها بلغت الملف ال 13 "سوناطراك 13"، قضية المؤسسة الوطنية للنقل البحري، وقضية النفايات الحديدية المرتقب فتحها غدا إلى جانب قضايا أخرى فتحت في الفترة ذاتها وستغلق نهائيا خلال هذه الدورة الجنائية - حسبما أفادت به مصادر قضائية تحدثت إليها "الشروق"-. ويعتقد الأستاذ مصطفى بوشاشي، النائب السابق عن "الأفافاس"، أن النظام السياسي القائم في الجزائر ليست لديه النية الصادقة لمحاربة الفساد، ويتضح ذلك من خلال كل الظواهر التي تعيشها الجزائر- بحسبه- والتي تحملها التقارير الداخلية عن الوضع السائد في البلاد والفساد المستشري على كافة المستويات. واعتبر أنه ورغم فتح جميع القضايا ومحاولة الفصل النهائي فيها، غير أن الأمر لا يعدو أن يكون "محاولة لذر الرماد في العيون وإعطاء مظهر أن السلطة تحارب الفساد"، كون القضايا التي عادة ما تطرح يكون "الحوت الصغير" هو كبش الفداء، وتتم متابعته فقط من أجل التمويه والتغطية على "الحوت الكبير"- حسبه-. وأشار الأستاذ في تصريح ل "الشروق" أنه وفي قضايا الفساد تكون السلطة القضائية هي المسؤولة عن المتابعات حقيقة "غير أنه وفي تاريخ القضاء الجزائري كل المتابعات ضد الشخصيات النافذة تحتاج إلى قرار سياسي أكثر منه قضائيا". وذكر على سبيل المثال قضية خليفة وقرار جلبه من بريطانيا، وعلق بالقول إنه في ظل وجود نظام سياسي "شيمته الفساد" لا يمكن الحديث عن نية في طي الملفات لأن الضحية سيكون الحوت الصغير وليس الكبير. من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، أنه على السلطات الجزائرية الاستفادة من الفضائح المالية وقضايا الفساد التي سجلتها على كافة المستويات، لأنها تفقد المسؤولين مصداقيتهم أمام الرأي العام "فلا يمكن أن تبقى هناك مصداقية مسؤول متورط مباشرة أو بشكل غير مباشر في هذه القضايا، بل إنه يعطي صورة عن الجزائر على المستوى الدولي، حتى وإن كان بريئا"، وطرح الخبير سؤالا عن تخصيص ملايير الدولارات في النفقات العامة بين سنتين 2000 و2014 دون التفكير في إيجاد ميكانزمات لمراقبة وتسيير هذه الأموال، مشيرا إلى أن كل هذه القضايا من شأنها التأثير على ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية، كما أنها تعيق الاستثمار الوطني والدولي، ما يستدعي بحسبه وضع ميكانزمات شفافة في التسيير، واعتماد فعالية اقتصادية وعدالة اجتماعية تثبتها استقلالية القضاء في مختلف المعاملات، واعتبر أن الرشوة حقيقة منتشرة وتوجد في كافة المجتمعات غير أنها فاقت كل التوقعات بالجزائر. وتعود قضية خليفة إلى الواجهة غدا بعد أن قررت السلطات البريطانية ترحيل المتهم الرئيس في الملف عبد المومن خليفة في قضية تعود إلى عام 2007، بعد إفلاس هذا المجمع الذي كان يشغل 20 ألف موظف في الجزائر والخارج، وتسببه في خسارة قدرها ما بين 1.5 و5 مليارات دولار للدولة وزبائن البنك، يحدث هذا بالموازاة مع تسريع وتيرة النظر في قضية الطريق السيار، الذي نهب ملايير الدولارات في عمليات الإنجاز إذ انتقلت تكلفة المشروع من ستة ملايير دولار إلى أكثر من 11 مليارا. كما تم التماس أحكام قاسية في حق المتهمين في قضية المؤسسة الوطنية للنقل البحري، التي تعود إلى عام 2002، على أن تفتح قضية النفايات الحديدية غدا، بالموازاة مع تأجيل النطق بالحكم في قضية سوناطراك التي تم اتهام رئيس مجلس الإدارة بها، محمد مزيان، بتقديم صفقات بقيمة 110 مليار أورو إلى شركة "فانكفورك" الجزائر مقابل التنازل عن أسهم في الشركة لنجليه، واتهامه بمنح الأفضلية للشركة الإيطالية "سايبام" فرع العملاق "إيني" في صفقة بقيمة 586 مليار دولار من أجل إنجاز أنبوب غاز بين الجزائر وإيطاليا. أضف إلى ذلك ملف صفقة تجديد بناء سوناطراك بقيمة 64 مليون أورو، والتي يشتبه في أنها تمت بطريقة غير قانونية، زيادة على قضية "سوناطراك 2" التي يوجد ضمن المتهمين فيها وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل.