أبقت وزارة الصحة على مجانية العلاج لجميع المواطنين على مستوى الهياكل والمؤسسات العمومية للصحة حسب ما ورد في نص المشروع التمهيدي لقانون الصحة الذي سيفتح للنقاش بالبرلمان قريبا، وهو ما يفند الإشاعات التي تم ترويجها مؤخرا حول تخلي الدولة عن مجانية العلاج في إطار سياسة التقشف والتي أثارت ردود أفعال قوية من قبل نقابات الصحة. ويحمل مشروع قانون الصحة -الذي يحوي 473 مادة وردت عبر 88 صفحة- في طياته إصلاحات عميقة وجذرية للمنظومة الصحية في الجزائر، وهذا من خلال مراجعة الخارطة الصحية لأجل ضمان حق العلاج لكل مواطن، وكذا خلق أطر تكامل ما بين المؤسسات الاستشفائية العمومية والخاصة وفقا للقوانين التنظيمية، وبما يخدم مصلحة المواطن في الحصول على العلاج والخدمات الصحية والطبية دون تفرقة، وهو ما تنص عليه المادة 3، وبمقتضاها يتعين على الدولة والسلطات الصحية وهياكل الصحة العمومية والخاصة والمؤسسات والهيئات المعنية، تحقيق الحماية والوقاية مع التأكيد على المساواة بين المواطنين في الحصول على العلاج مع ضمان استمرارية الخدمة العمومية للصحة والأمن الصحي، ولأجل ذلك ترتكز السياسة الوطنية للصحة في تنفيذها على العمل القطاعي المشترك بإسهام الفاعلين في مجال الصحة وتنظيمهم .
مراجعة الخارطة الصحية ومجلس وطني للصحة ويرمي مشروع قانون الصحة إلى إعادة النظر في الخارطة الصحية، من خلال التخطيط الصحي في إطار مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمخطط الوطني لتهيئة الإقليم والتوزيع المتناسق والعادل للموارد البشرية والمادية على أساس الاحتياجات الصحية، وهذا حسب التطور الديموغرافي والأنماط الوبائية، ولأجل ذلك جاءت المادة 10 لترسم إنشاء مجلس وطني للصحة والذي لطالما كان مطلبا أساسيا على مرَ السنوات الأخيرة لمختلف ممارسي الصحة ونقاباتها بغرض التكفل لإعداد خارطة صحية وطنية، ويراعي المجلس في عمله المعطيات العلمية والوبائية والديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية لإعداد عناصر السياسة الوطنية للصحة وتحديد الأولويات الصحية التي يجب أن تستفيد من برنامج الصحة العمومية والإدلاء برأيه وتقديم توصيات لحل المسائل المتعلقة بمجال الصحة، والتي تعرض فيما بعد في شكل تقرير سنوي على وزير الصحة. وفصل مشروع قانون الصحة الذي سيحال على البرلمان للنقاش، في الجدل القائم حول تخلي الدولة عن مجانية العلاج التي تنتهجها منذ سوات، وهذا في إطار سياسة التقشف، حيث أكدت المادة 13 أن الدولة تضمن حصول كل المواطنين على العلاج وتنفذ كل وسائل التشخيص والمعالجة واستشفاء المرضى في الهياكل والمؤسسات العمومية للصحة وكل الأعمال الموجهة لحماية صحتهم وترقيتها وهذا من خلال تقديم خدمات الصحة مجانا للمرضى على مستوى الهياكل والمؤسسات العمومية.
بطاقة إلكترونية للصحة وتكفل طبي في المنازل ويراعي مشروع "قانون الصحة الجديد" التطورات الحاصلة في مجال الصحة العالمية، وهذا ليستفيد المواطن من خدمات صحية متطورة وبسهولة وفقا للوسائل التكنولوجية الحديثة، والتي ستتجسد من خلال استحداث "بطاقة الكترونية للصحة" والتي تنص عليها المادة 25، وبموجبها سيتمكن المريض والطبيب من الاطلاع على الملف الطبي، وتحيين معلوماته، وهذه البطاقة سيتم تسليمها وفقا لشروط حسب التنظيم الذي سيحدد لهذا الغرض، وستجنب المرضى مشاكل ضياع الملف الطبي وغيرها من المعوقات التقليدية، مع إعادة الاعتبار للطب المنزلي. وجاء نص القانون ليحارب ظاهرة العنف في المؤسسات الصحية والتي استفحلت بشكل ملفت للانتباه في السنوات الأخيرة، حيث تم التشديد على هذه الظاهرة بشكل خاص في مواد تهدف للحفاظ على أمن وسلامة مهنيي الصحة ليتمكنوا من أداء واجبهم على أكمل وجه، كما يحدد حقوق المريض وفقا للقوانين المعمول بها دون الإخلال بالنظام العام أو اللجوء للعنف، مع التشديد على الحفاظ على سرية الفحص الطبي وخاصة في الأمراض المتنقلة عن طريق الجنس وغيرها من الحالات، ويكرس نص القانون مبدأ الحماية والوقاية في الصحة في جميع القطاعات، وخاصة في الوسط المهني من خلال مواد تنظم وتسير طب العمل والوقاية من الحوادث والأوبئة، وكذا الوقاية من الأمراض المتنقلة ومكافحتها من خلال رصد ميزانية وبرامج ضخمة للكشف المبكر والتصدي لهذه الأوبئة على اختلافها ونوعيتها، مع ضمان السرية التامة في التشخيص والمجانية.
مكافحة التدخين وإدمان الكحول والمخدرات وشدد القانون على مكافحة الإدمان على التبغ من خلال إلزام المنتجين على توحيد معايير علبة السجائر ووضع الرسم والإنذار العام الصادر عن السلطة الصحية في جنبي العلبة، مع منع كل أشكال الترويج والرعاية والإشهار لفائدة مواد التبغ، وكذا سن مادة تمنع التدخين في الأماكن العمومية وكل مكان مخصص للاستعمال الجماعي، والتأكيد على مساهمة المنظومة الصحية في محاربة الإدمان على الكحول والمخدرات، كما أولت الدولة اهتماما لترقية التغذية الصحية في "نص القانون" وترقية ممارسة التربية البدنية والرياضية.
سلطة تقديرية للطبيب في عمليات "الإجهاض" ويمنح القانون السلطة التقديرية للطبيب لاتخاذ قرار منع الحمل "الإجهاض" في حالة اكتشاف تشوه خلقي للجنين أو مرض خطير قد يعر ض حياة الأم للخطر، وهذا بعد ما يثبت عن طريق التشخيص ما قبل الولادة بأن المضغة أو الجنين مصابان بتشوه، فيتوجب على الطبيب المتخصص إعلام الزوجين واتخاذ الإجراءات اللازمة العلاجية، حيث تنص المادة 81 على "أنه إذا كانت حياة الأم في خطر يمكن للأطباء المتخصصين اتخاذ قرار إيقاف الحمل"، ويؤكد القانون على أهمية الحفاظ على صحة الأم والطفل واتخاذ كافة التدابير اللازمة من خلال منح عناية واهتمام للأم الحامل وتوفير كافة الظروف النفسية والطبية لرعايتها وفقا للقوانين وتوصيات منظمة الصحة العالمية. وفي سياق متصل، حدد "مشروع القانون" عمل المؤسسات الاستشفائية الخاصة وفقا للقوانين، وبما يستجيب لحاجيات المواطنين والخارطة الصحية والأولويات المحددة، ويخضع نشاطها لترخيص من قبل الوزير وقد يسحب في حالة مخالفة القوانين، ويجب أن تعلم المرضى بالأسعار، هذا ويلزم نص القانون كل من مؤسسات الصحة العمومية والخاصة والصيدليات بضمان خدمة المناوبة، وهذا طبقا للكيفيات المحددة في التنظيم المعمول به.