إعصار غوستاف الذي يضرب السواحل الأمريكية هذه الأيام أسقط نظرية الدولة العظمى مثلما فعل بالأمس القريب إعصار كاترينا، كما جعل الولاياتالمتحدة تظهر وكأنها شقيقة دولة بنغلاديش أو الصومال * حتى أن ولاية نيوأورليانز والتي يحتار البعض من انتمائها أصلا للدولة العظمى بسبب بشرة ساكنيها وعاداتهم، أضحت تناقض في موقعها الجغرافي خطاب الدولة السياسي وكذا مشية رئيسها المتغطرس جورج بوش ومعها رشاقة كونوليزا رايس وهي تأمر الرؤساء والحكومات فلا تسمع إلا كلمتي "عُلم ويُنفّذ"! * ما نريد قوله على هامش الإعصار المدمّر هذه الأيام، أن الولاياتالمتحدة لن تجد أفضل من هذه الحوادث لترصد مدى شعبيتها في العالم، وذلك بدلا من أن تصرف الملايير وتوظف الخبراء في لجان وهيئات يكون دورها تحسين الصورة وقياس شعبية أمريكا، خصوصا إذا ما حصلت في الأخير على نتائج خاطئة ومضللة تجعل مثلا من سفاح عالمي "أكبر المدافعين" عن الديمقراطية والحرية في كل أصقاع الأرض.. فهل من الصدفة أن تكون ردة فعل معظم شعوب العالم على ما يفعله السيد غوستاف بالأمريكيين هذه الأيام، هو القول أنهم يستحقون أكثر من تلك الكارثة، أو يردّد أحد ضحايا الديمقراطية الأمريكية في العراق وأفغانستان من داخل أعماقه بصدق "سبحان المنتقم الجبار"! * الغريب أن مشاعر الكراهية للأمريكيين امتدت حتى إلى الحلفاء حتى أن استطلاعا للرأي أجري قبل أشهر قالت نتائجه أن البريطانيين أنفسهم يكرهون أمريكا ويمقتون سياسة بيتها الأبيض، وقد كان لافتا للانتباه أن بعض الدراويش في العالم العربي والإسلامي يقولون أن "الله انتقم من الأمريكيين واستجاب لدعوة المسلمين عشية حلول شهر رمضان الكريم"!، فهل يدرك الساكنون في البيت الأبيض حجم ما حققوه لدولتهم وشعبهم من كراهية عشية الانتخابات الرئاسية هناك، الأكيد أنهم يدركون. لكنهم كانوا يحسبونها ببراميل البترول لا بالأرواح البريئة من الضحايا! * شيء آخر ينبغي أن يتعلمه الأمريكان من درس الإعصار غوستاف، هو أن الترهيب والتهجير أمران خطيران، يشعر السكان بهما الآن في السواحل الأمريكية لظروف طبيعية، لكن البشر في العراق وأفغانستان وفلسطين، وفي الصومال ودارفور.. وفي كثير من البلدان يعانون الترهيب والتهجير بفعل ظروف بشرية مقيتة صنعها الأمريكان رفقة حلفائهم من حكام العرب والمسلمين أو إعصار غوستاف الذي نعانيه دوما ومنذ عقود!