لا يرى المخرج المخضرم أحمد راشدي أن ثمة فرق بين سينما الثورة في بدايات الاستقلال أو حتى في مرحلة حرب التحرير المضفرة، وتلك المنتجة اليوم، حيث يؤكد صاحب "الأفيون والعصا" أن تمجيد الشخصيات الثورية في أفلامه عمل مقصود ومتعمد ويعتبر ذلك مرحلة ضرورية قبل الخوض في جوانب أخرى لتاريخ الجزائر. في بداية الاستقلال كنا ننتج أفلاما بإمكانيات بسيطة لكنها بقيت راسخة في أذهان الجمهور، واليوم ننتج أفلاما بميزانيات ضخمة لكن بجودة أقل ما قولك؟ -في الحقيقية ليس هناك فرق كبير بين الأفلام التي كانت تنتج بعد الاستقلال وتلك المنتجة مؤخرا، لأن الأفلام التي أنتجت بعد الاستقلال لم تكن كثيرة، لكنها تعكس الإرادة والحرارة التي كانت تميز بلد خرج من الاستعمار حديثا، وكذا الأهمية التي كانت تعطي لها كوسيلة مهمة في الترويج للجزائر والتعريف بثورتها وفضح ممارسات الاستعمار، فرنسا مثلا منعت دراسة السينما على الجزائريين لوعيها بخطورة هذا السلاح. من ناحية الإمكانيات التي خصصت لهذا الجانب في بدايات الاستقلال تكاد تكون أكبر من تلك المتوفرة اليوم تحذوها إرادة التعريف بالجزائر وثورتها للعالم. لكن الأفلام التي أنتجت مؤخرا لا يكاد يذكرها الجمهور بينما أفلام بدايات الاستقلال بقيت راسخة في الذاكرة؟ أفلام اليوم لا تصل إلى الجمهور أولا لعدم ما يكفي من قاعات العرض، ولأن الجمهور لم يعد أصلا يتردد على السينما مثلما كان يحدث في السابق. اليوم ظهرت وسائط أخرى بإمكانها أن تمنح الجمهور ثقافة سينمائية مختلفة وبطريقة سهلة، فالرهان اليوم قبل استرجاع القاعات علينا استعادة الجمهور وكسب ثقته بأفلام جزائرية ترقى إلى مستوى الأفلام الأجنبية التي يستهلكها المتفرج الجزائري. الفرق الوحيد ربما بين أفلام الاستقلال وتلك المنتجة مؤخرا، أن أفلام الثورة في بداية الستينات والسبعينات كانت تنطلق من مبدأ أن الشعب هو البطل الوحيد، فكانت أفلام تلك المرحلة لا تظهر فيها الشخصيات البطلة، رغم أن لكل ثورة رموز وأبطال، فكانت أعمال بدون مراجع يمكنها أن تجعل الجمهور أقرب للحدث التاريخي. وهل تعتقد أن أفلام السير الذاتية بإمكانها أن تقدم الثورة للشعب بشكل أفضل؟ معظم الأفلام العالمية الكبرى التي تؤرخ للثورات تنطلق من قصة شخصيات تاريخية نابليون وازنهاور وغيرها .. عبر فيلم بن بولعيد مثلا نتعرف ليس فقط على البطل الشهيد السي مصطفى، لكن عبره نتعرف على الشخصيات التي أسست للثورة، ويمكن توصيل الثورة بهذه الطريقة لقطاع واسع من الجمهور لأنه يتعاطف مع الشخصيات التي يرن اسمها في ذهنه. تعرضت الأفلام التي قمت بإخراجها حول الشخصيات التاريخية إلى نقد من طرف حتى أقارب الشهداء وبعض المؤرخين؟ السينمائي ليس مؤرخا ومهمته ليست تقديم قراءات تاريخية أو الإجابة عن الأسئلة، الفيلم التاريخي لا يعبر إلا عن زاوية ما بطريقة إبداعية تخص صاحب العمل، وتحمل الكثير من الذاتية، لهذا فمن سيناريو واحد يمكن إخراج عدة أفلام بزوايا مختلفة، وردة الفعل تأتي من نوعية معينة من الناس غالبا من أقارب ورفقاء الشهداء، لأنهم يرغبون دائما في تجسيد الصورة التي رسموها هم لهذه الشخصيات، وهذا بدوره ناتج عن عدم وجود ميكانزمات دقيقة لكتابة التاريخ. لكن الأبطال ليسوا ملائكة، ألا تعتقد أن تمجيد هذه الشخصيات يسىء إليها أكثر مما يفيد؟ بالعكس تمجيد الثورة عبر هذه الشخصيات مرحلة مهمة في توصيل قيم الثورة للجيل الجديد الذي لاحظت شخصيا أنه لا يعرف ما يكفي عنها، المدرسة لم تعد تنقل قيم هذه الثورة المجيدة، وأعتقد أن تمجيد الشخصيات الثورية كمرحلة أولى واجب، لأنها تقدم المحيط والخلفية التاريخية التي صنعت الشخصية والثورة ككل، زرت عدة ولايات بهذه الأفلام وتجاوب معها الجمهور البسيط، وبالنسبة لي عندما يتجاوب مع هذه الأعمال الشعب حتى لو كان شخص واحد هذا بالنسبة لي مؤشر إيجابي. هل يعني هذا أن راشدي لا يهتم بالنقد؟ لا، النقد مهم وعلى الراس والعين، لكني لا أركز على المثقف والمؤرخ، لكن هدفي الشعب أو الجمهور العريض، بطل فيلم بن بولعيد مثلا لم يعد قادرا على السير في الشارع باسمه الحقيقي منذ أن صوّر العمل، صار ينادي أينما حلّ بالسي مصطفى بن بولعيد، قبول الجمهور للعمل يكفي في اعتقادي. برأيك هل نجحت السينما في التعريف بالثورة الجزائرية؟ السينما الجزائرية أوصلت أكثر مما كنا نتوقع منها عن الثورة، وهنا لا أتحدث عن النقد، لكن أتحدث عن الشعب البسيط والجمهور العريض. ما رأيك في من يختصر مشكلات الأفلام الثورية في عدم تكوين مختصين في السيناريو؟ لا يمكن أن تكون أديبا أو كاتبا، تلك موهبة يمكن أن نكون مختصين في تقنيات الكتابة للسينما، لكن حتى هذه تحتاج إلى أن يكون المتعلم يملك مثلا مخيّلة بصرية والقدرة على ترجمة المكتوب إلى صور والترجمة دائما هي خيانة للنص الأصلي مهما كانت، أذكر مثلا مولود معمري بعد اقتباس "العفيون والعصا" قال لي بعد مشاهدة الفيلم، سلبت مني شخصياتي وأعدت خلقها، واحتاج معمري إلى أربع سنوات أخرى ليعترف بأن الفيلم أضاف بُعدا آخر للكتاب وساهم في انتشاره. ما هي الجوانب التي يشعر راشدي أنه مقصر فيها بخصوص أفلام الثورة؟ حتى الآن لم ننتج ولا فيلم عن المرأة في الثورة رغم دورها ومساهمتها الكبيرة في حرب التحرير، لهذا أنا أفكر جديا في هذا الجانب وحاليا لا يمكن أن أعود لأفلام الثورة ما لم تكن حول المرأة؟ وما هي الشخصيات المرشحة في هذا الصدد؟ حاولت ومازلت أحاول مع جميلة بوحيرد وممكن حسبية بن بوعلي أو مريم بوعتورة التي كانت برتبة عقيد في جيش التحرير. وماهي الشخصية التي يحلم راشدي بتجسيدها ولم يفعل حتى الآن؟ شخصية ماسينيسا تسكنني وصارت هاجسا لا يفارقني، وأنا دائم الاطلاع على كل ما يُكتب حولها، شخصية ماسينيسا تستحق التجسيد السينمائي لأنها تحيل إلى جانب مهم في الشخصية الجزائرية فهو الذي أسس الجزائر في حدودها الحالية، وعبر مساره يمكن فهم المقاومة الشرسة للشعب الجزائري في وجه الاستعمار والغزو الأجنبي، فهي ليست وليدة زمن الاحتلال الفرنسي، لكنها تمتد إلى 2000 سنة ناد فيها ماسينيسا بإفريقيا للأفارقة. وشخصية الأمير ألا تستحق التجسيد من طرفك؟ ليس هناك مخرج جزائري لا يحلم بإخراج فيلم الأمير، لكن دعونا أولا نتفق على السيناريو. ألم يتم الاتفاق حول سيناريو بوعلام بالسايح؟ السيناريو الذي كتبه بوعلام بالسايح يمكن أن يشكل الأرضية لهذا العمل، لكن عليكم طرح السؤال على من استقدم الأجانب وتم منح حق الفيتو لمؤسسة الأمير في كل ما يتعلق بالأمور التاريخية، شخصيا ليس لي أي مشكل مع استقدام مخرج أجني وليكن ذلك، لكن أعتقد أن الاستبطان الوجداني للأمير لا يمكن أن يجسده إلا مخرج جزائري، امنحونا الإمكانيات التي تم اقتراحها على المخرجين الأجانب، وإذا لم أنتج لكم فيلما في المستوى أشنقوني في الساحة العامة.