ماساة المساجين الجزائريين في ليبيا لم تنته بعد يكشف السيد عثمان خميسي وهو أحد المساجين الذين أفرجت عنهم مؤخرا السلطات الليبية في هذا الحوار للشروق اليومي عن ظروف إقامته بسجن جديدة بطرابلس بتهمة حيازة والمتاجرة بالمخدرات، كما يتحدث عن معاناة باقي السجناء الجزائريين الذين لم يشملهم قرار العفو، ما دفع بهم إلى الإضراب عن الطعام وإخاطة أفواههم، إلى جانب إرغام مئات المساجين الذين تم العفو عنهم على المبيت في العراء لمدة فاقت الشهر قبل ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. * وجبتنا اليومية كتلة من العجين لا رائحة ولا لون لها * * الشروق اليومي: كيف تم القبض عليك في ليبيا، وما هي التهمة التي وجهتها إليك السلطات الليبية؟ * * لقد اتهمت بحيازة المخدرات لغرض التجارة، وتم إدخالي إلى سجن الجديدة الواقع في العاصمة الليبية طرابلس في أفريل 2003، وكنت حينها أستقل سيارة أجرة نقلتني من ولاية وادي سوف وهي المنطقة التي أنتمي إليها متجها إلى ليبيا، لكن قبل ذلك وحينما مررت بولاية عنابة تلقيت اتصالا من أشخاص يدعون أنهم تجار كي أتعامل معهم، وفعلا تحدثت إليهم واتفقت معهم كي نلتقي بمنطقة "معيتقة" وهي مدينة غير بعيدة عن العاصمة طرابلس، لكنني فوجئت عندما وصلت إلى المكان المذكور بإلقاء القبض علي من قبل عناصر مكافحة المخدرات، ووجهت لي تهمة المتاجرة بالمخدرات. * * الشروق اليومي: هل كنت الوحيد الذي تم إلقاء القبض عليك بهذه الطريقة، أم كان معك أشخاص آخرين؟ * * في الواقع تم إلقاء القبض على العديد من الجزائريين الذين يشتبه فيهم بالمتاجرة في المخدرات بهذه الكيفية، لأن هؤلاء التجار الوهميين يجوبون شوارع العديد من مناطق الجنوب الجزائري، من بينها ولايات تقرت والوادي وورقلة وصولا إلى غاية ولاية عنابة، وهم يقدمون أنفسهم على أساس أنهم تجار، وهم يقتربون مع كل ما يشمون فيه رائحة حيازة المخدرات، وحينما كلموني عن طريق الهاتف كان معهم شخص آخر من وادي سوف، وقد وقع هو الآخر ضحية تلك المصيدة. * * الشروق اليومي: كيف كانت الإقامة في سجن جديدة طيلة الست سنوات التي قضيتها هناك، وهل بإمكانك أن ترسم معاناة المساجين الجزائريين هناك؟ * * لقد كانت الإقامة بسجن جديدة لا تطاق بسبب سوء المعاملة التي كنا نتلقاها نحن السجناء الجزائريين من قبل الحراس، وحتى من طرف المساجين الليبيين أنفسهم، فالضرب والسب والشتم كان جزءا هاما من يومياتنا، والأخطر من كل ذلك أننا كنا نقيم في قاعة واحدة مع سجناء ليبيين مصابين بداء الالتهاب الكبدي، وقد انتقلت العدوى إلى مساجين آخرين، من بينهم السجين الجزائري الذي توفي قبيل شهر رمضان وتم دفنه من قبل أفراد عائلته بوادي سوف، في حين أن سجينا آخر وهو المدعو حميد وهو أيضا من الوادي بلغ مرحلة متأخرة من المرض، وقد يلقى نفس مصير زميله السابق. * لا دواء ولا مستشفى وكل ما كنا نعيشه هو الحڤرة، وقد كان الضرب مآل كل من كان يتفوه بكلمة واحدة، إلى درجة أن 20 شرطيا إنهالوا ضربا في إحدى المرات على سجين رفض الطريقة التي كان يعامل بها. * وكل ما كنا نتناوله هو "المقرون" و"الرز يوميا"، وأحيانا كان يقدم لنا الطعام وهو في وضعية جد سيئة، وكان يظهر وكأنه كومة من العجين يصعب التعرف على نوعه أو حتى على شكله، لكننا كنا نأكل ولا نتكلم، وقد أرغمت في مرات عدة على المبيت في المرحاض بسبب عدم توفر مكان يسعني في السجن، وكنت أنتظر حتى يخلد الجميع إلى النوم كي "أستولي" على المكان وأخلد إلى الراحة، ومع ذلك كل ما كان يهمنا نحن السجناء الجزائريين هو أن نعامل كمساجين عاديين، وأن لا نلقى الاحتقار، لأننا جزائريون، خاصة وأن سوء المعاملة كانت تقتصر علينا نحن فقط. * وما كان يؤلمنا كثيرا هو الضرب المبرح من قبل حراس السجن الذين يستعملون الخراطيم، و"التعفاس" الذي عشناه، فأغلبنا كان لا يجد فراشا ينام عليه، فكنا نفترش الأرض. * الشروق اليومي: لقد عايشت الإضراب عن الطعام الذي شنه السجناء الجزائريون المحكوم عليهم بالمؤبد، وكذا إقدامهم على خياطة أفواههم، كيف سارت الأمور وكيف كان رد فعل السلطات الليبية؟ * هؤلاء المساجين محكوم عليهم بالمؤبد بسبب تهم لا تمت بصلة إلى حقيقة ما ارتكبوه في الواقع، وقد قرروا ذات صبيحة الشروع في إضراب عن الطعام لمدة أسبوعين متتاليين من أجل إيصال معاناتهم إلى خارج أسوار السجن، وإلى السلطات الجزائرية، وكذا للمطالبة بتخفيف الأحكام، وكنا نراهم بأم أعيننا ويهم يخيطون أفواههم دون أن يشعروا بأي آلام، لأن الألم الذي كانوا يعيشونه يوميا كان أكبر بكثير، وقد كان لهذه الحادثة وقع كبير داخل ليبيا، فقد سارعت لجنة لحقوق الإنسان لزيارة هؤلاء السجناء والتحدث إليهم، وأخبروهم عن الاتفاقية التي سيتم إبرامها بين الجزائر وليبيا لتبادل السجناء، كما تم نقل الخبر على المباشر عن طريق التلفزيون الليبي، لكن بما أنه لا شيء حدث فهم مايزالون مصرين على الإضراب.