حملت أمطار أول أمس كارثة أخرى لسكان حي باب الوادي الشعبي في العاصمة، وحملت لنا أيضا سيلا طوفانيا من علامات التعجب والاستفهام.. * فكم يجب أن نقدم نحن الجزائريين من الضحايا على مذبح التقلبات الجوية، ومن ذلة وهوان على مذبح التقلبات الاقتصادية والسياسية، حتى نتوقف لحظة لنراجع الكثير من الأكاذيب كنا نعتبرها إلى وقت قريب ثوابت كالرواسي لا تحركها الرياح العاتية. * عندما تبخل علينا السماء بغيثها نخشى نحن الجزائريين من الموت جوعا وعطشا، وعندما تتكرم علينا نفس السماء بقليل من عطاياها نخشى من الموت تحت أنقاض مساكننا ومن الغرق في الفيضانات والسيول الجارفة.. فما خوفنا إذا من الجفاف والرمادة؟ وما الفائدة من تسابقنا كل سنة إلى البطحاء نصلي صلاة الاستسقاء عسى يمن الله علينا بنعمة المطر؟ * وما الفائدة من تسخير كل إمكانات الدولة المادية والبشرية من أجل معاينة سلامة مساكننا ومبانينا، وتعليم المهددة منها باللون الأحمر، إذا كان سكان تلك المنازل و لبنايات لا يعوضون ولا يرحلون، ويبقون تحت سقوفها حتى تسقط على رؤوسهم، فيموتون ويجرحون وييتمون ويثكلون؟ * وما الفائدة من لوك شعار "العزة والكرامة" في كل زاوية من زوايا الطريق، وترديده كتابة وصوتا وصورة، في الليل والنهار، وفي السر والجهار، إذا كانت الآلاف من العائلات الجزائرية تبقى مضطرة إلى الاستنجاد بمساكن يمكن توصيفها بكل النعوت إلا بنعتي "العزة و الكرامة"؟ * وما خوفنا من انخفاض سعر البترول، إذا كان ارتفاعه وبلوغه أعلى المستويات لم يبدل في يومياتنا قيد أنملة، فالفقر هو الفقر، والبؤس هو البؤس، ولا متغير إلا حجم المبالغ المنهوبة من بنوك الدولة الجزائرية التي يمولها الجزائريون "الزوالية" نهاية كل شهر بأجورهم الزهيدة والنحيفة. * وما الخوف من التهام الأزمة المالية العالمية لمدخراتنا في الخزينة الأمريكية، إذا كانت تلك الملايير لم تقنا إلى اليوم من برد، ولم تحمنا من جوع، ولم تقلص فينا دائرة الشقاء. * جاءت كارثة باب الوادي، وقبلها كوارث غرداية وأم البواقي وعين تموشنت، لتذكرنا نحن الجزائريين بأن الموت والبؤس هما الثابت الوحيد في يومياتنا، وما دونه متغيرات.. حجم الأموال المنهوبة، ومساحة الكرامة المسلوبة، وعدد العائلات المكروبة والمنكوبة.