استغنت الأغلبية الساحقة من العائلات الجزائرية التي تعتمد في مدخولها على الراتب الشهري في آخر لحظة عن شراء "كبش العيد" بسبب غلاء سعره بعد أن تبين أن أسعار الأضاحي لم تنخفض خلال الأيام الأخيرة قبيل العيد بل ارتفعت أكثر، ولجأت معظم العائلات إلى شراء معزة أو تيس بسعر أرخص. * * رأي الشرع: الإشتراك جائز لكن الثواب لواحد فقط * * وفي كثير من الأحياء بقلب العاصمة اشتركت ثلاث أو أربع عائلات في شراء تيس واحد، أو معزة واحدة، في حين اكتفت بعض العائلات بشراء الديك الرومي أو "الداند" لذبحه بدلا من كبش العيد، أما العائلات المعدومة فقد اكتفت بشراء دجاجة، خاصة في العائلات الضعيفة الدخل، وفي ظل غلاء أسعار "أضحية العيد، اشترى عدد هائل من العائلات الجزائرية خرفانا صغيرة، لا تتوفر فيها شروط الأضحية المنصوص عليها في الشرع، في حين لجأت الأغلبية الساحقة من العائلات المقيمة في الأحياء الشعبية بالمدن الكبرى وخارج المدن إلى كباب الوادي، وبن جراح وبراقي، وفي الأحياء الشعبية بوهران، وقسنطينة وعنابة، إلى الإشتراك في كبش واحد، ففي حي ديار المحصول الشعبي ببلدية المدنية اشتركت خمس عائلات تقطن عمارة واحدة في كبش واحد. * * خمس عائلات في عمارة اشتركوا في كبش واحد * * عشرات آلاف من العائلات لم تتمكن إلى غاية صباح اليوم من شراء أضحية العيد بسبب غلاء أسعارها، رغم أن رب البيت موظف، ويملك مدخولا شهريا، حيث أن أرخص "كبش" في السوق لا يقل سعره عن 18 ألف دينار للكبش، في حين أن آلاف الموظفين البسطاء يتقاضون أجورا تتراوح بين 12 ألف دينار و18 ألف دينار، وهو مبلغ لا يكفي لشراء كبش العيد، وسد حاجيات الأسرة، في نفس الوقت، ما دفع معظم العائلات إلى شراء خرفان صغيرة لا تتوفر فيها أدنى شروط الأضحية المنصوص عليها شرعا، حيث يلاحظ المتجول في الأحياء الشعبية بالعاصمة خرفانا صغيرة عند العمارات وكباشا، يحيط بها أطفال العائلات التي اشتركت في شرائها جماعة، رغم أنها لا تشترك في النفقة ورغم أن كل عائلة لها دخلها الخاص ومصروفها الخاص، إلا أنه الحل الوحيد أمامها والمهم بالنسبة لها هو "فرحة الأطفال بكبش العيد"، حتى وإن كلفها ذلك "التضحية بثواب الأضحية"، وهي الظاهرة التي كانت في السابق مقتصرة على الإخوة الأشقاء المتزوجين، غير أنها انتشرت مؤخرا بشكل واسع حيث أن عددا العائلات التي لا تربطها أي علاقة قرابة سوى أنها متجاورة في العمارة أو الحي غير أنهم يشتركون في أضحية واحدة، بسبب غلاء أسعار الكباش التي وصل ثمنها إلى مستويات قياسية. * وعن حكم الإشتراك في أضحية العيد قال الشيخ أبو عبد السلام إن ذلك جائز غير أن الثواب يعود إلى شخص واحد فقط، ويشترط أن يكون عمر الأضحية من سنة فما أكثر، وهو ما أجمع عليه المفتون، أما الدجاج والداند فلا يعتبر أضحية في الشرع رغم أن العائلات الجزائرية الفقيرة تكتفي به يوم العيد. * وفي هذا قال الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس مفتي التيار السلفي في الجزائر إن الإشتراك في شاة العيد بين العائلات جائزٌ، ويمكن للمضحي أن يجزئ الشاة بينه وبين أهل بيته غير أن المضحِّيَ هو الذي يحصل على الثواب أصالةً. * وقال الشيخ فركوس إن سنّ الأضحية المجزأة من الإبل ما له خمسُ سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما له سنتان ودخل في الثالثة ومن الضأن ما له سنة ودخل في الثانية، ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية، مضيفا "لا يجزئ في الأضحية دون هذا السنِّ فيهم جميعًا، باستثناء ما إذا تعسَّر الثَّنِيُّ من الضَّأْنِ، فإنه يجزئ الجَذَعُ، وهو ما له ستة أشهر، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: "لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً؛ إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" فظاهرُ الحديثِ يقضي بعدم إجزاء الجَذَعِ من الضَّأْنِ إلاَّ عند العَجْزِ عن المُسِنَّةِ. * * شباب بطّال يعرضون خدماتهم في الذبح بغرب البلاد * فتوى تحرّم نحر الشاة مقابل المال يوم العيد * * تلجأ كثير من العائلات خلال يوم العيد إلى استئجار ذبّاحين من أجل إتمام عملية نحر الشاة وسلخها، وهو الأمر الذي تحوّل في ولايات غرب البلاد مثلا إلى موضة، ذلك أن كثيرا من أرباب العائلات يمتنعون عن القيام بعملية النحر، خصوصا الجيل الجديد منهم، عكس الآباء والأجداد الذين حافظوا على تأدية السنة بأيديهم، مثلما قال لنا بعضهم في استطلاع قامت به "الشروق" في ولايات وهران وبلعباس وتلمسان خلال اليومين الماضيين. * وتتزايد ظاهرة الذبح بالأجرة لدى سكان العمارات وأيضا لدى العائلات الثرية التي تستعين بذباح متخصص من المذابح العمومية أو بجزار من أجل القيام بالعملية بشكل سليم وصحي، وذلك مقابل مبلغ مالي قد يصل إلى 1000 دينار أو أكثر، وذكر لنا أحد المتعودين على الاستفادة من عمليات الذبح مقابل الأجر أن الطريقة تتم في كثير من الأحيان بحجز الذباحين خوفا من تأخرهم عن الموعد، أي بعد صلاة العيد مباشرة، وهناك أيضا ذباحون يعرضون خدماتهم أيام العيد وفي الساعات الأولى التي تلي الصلاة مباشرة، ومعظمهم من الشباب البطالين الذين يبحثون عن استغلال أية فرصة للربح المادي. * ويأتي ذلك في الوقت الذي أصدر فيه مفتي مصر (علي جمعة) عشية عيد الأضحى المبارك فتوى تمنع أخذ المال أو أي مقابل مادي نظير ذبح الأضحية لشخص آخر، وقال جمعة أن العيد جعل في الإسلام ليكون موعدا للتكافل ولمّ الشمل وليس وسيلة لاستغلال المسلمين بعضهم لبعض، لذلك فإن أخذ أجرة نظير عملية النحر هو عمل باطل ومحرم. * من جانب آخر، علمت "الشروق اليومي" أن كثيرا من العائلات التي يعاني أربابها تأخرا في دفع أجورهم لن يكون في وسعهم هذه السنة إحياء سنة نحر الأضحية، مثلما هو الأمر بالنسبة لثلاثة آلاف عامل احتجوا أمس أمام مديرية التشغيل بولاية عين تموشنت، وأيضا عمال ديوان الترقية والتسيير العقاري لولاية البيض. * * حينما تصبح الأعياد فرصة للتزاحم * الفوضى والاكتظاظ يسيطران على كلّ الأماكن عشية العيد * * قبل يوم عن العيد، الاكتظاظ سيّد المواقف أينما توجّهت فثمة طوابير المنتظرين، في مراكز البريد، مواقف المحلات، محلات بيع الألبسة، سوق الخضر، وحتى داخل مخادع الهواتف العمومية، مشهد أزلي في الجزائر يصنعه الحريصون على الحصول على كل شيء في آخر لحظة وتدفع ثمنه حركية الحياة لتسير ببطء يمكن أن تنجم عنه أكثر من كارثة. * تعطلت مسيرة الحياة منذ مطلع هذا الأسبوع وحتى الساعات الأخيرة لعشية العيد وساد الاكتظاظ معظم المصالح الإدارية والمؤسسات الخدماتية، بسبب تزاحم العديد من المواطنين عليها لتحصيل الخدمات الممكنة قبل أن تغلق احتفالا بعيد الأضحى المبارك. * وأوّل المصالح التي تعتبر قبلة يقف بها المواطنون أكثر من وقوفهم بعرفة ويجلّونها أيّما إجلال إنها مصالح البريد والمواصلات، حيث يعرف مكتب البريد بشارع حسيبة بالعاصمة ازدحما منذ مطلع الأسبوع الفارط إلى غاية الأمس في طوابير يقف مداها عند عتبة باب المكتب، الكل ينتظر متى يقدم خطوة أو بالكاد نصف خطوة، ليوحي إلى نفسه أنه اقترب من عون البريد لسحب رصيده، وجوه مكفهرة من طول الانتظار وأخرى حائرة فيما إذا كان الكشف عن الراتب سيكون إيجابيا أم سلبيا، وثلة تحترس من دخول سارق قد يخطف كل الأحلام ويسافر بها بعيدا عن تحقيق أماني العيد. * ولا تتوقف خيبة الآمال عند هذا الحد بل تتجاوز المعقول في أغلب مكاتب الولايات الداخلية، حيث يعلن العون أن النقود نفدت من المكتب ولا يمكن أن يبقى به إلا من يريد الكشف عن راتبه، ليجرّ الجميع ذيول الهزيمة، وهو أمر عاناه المواطنون بمكتب بريد عين طاية، أمس، أين غادروا جميعا في وقت مبكر للبحث عن أقرب مكتب يمكن أن يوفر لهم أوراقا نقدية لتغطية مصاريف العيد. * وعلى الرغم من أن المديرية العامة للبريد والمواصلات توفّر خدمة إضافية بفتح أبواب مكاتبها يوم الجمعة لتوفير الخدمات، إلاّ أن ذلك لا يقضي على الفوضى ولا ينقص من طول الطوابير في كل الحالات، لأن الخلل في ذهنية اللجوء إليها في آخر لحظة. * وغير بعيد عن »البوسطة«، كما يسمّيها الشيوخ والعجائز، تجد الأسواق وقد امتلأت عن آخرها، تصل أصوات الباعة منها قبل الدخول إليها، وتتلاصق الأجساد أمام الطاولات بحثا عن اللباس المناسب، ففي سوق »زوج عيون« بالقصبة، عمّت الفوضى الخميس الفارط، وتعالت صرخات النساء معلنة الندم على دخوله، لضيق مساحة التحرك الممكنة في ظل القصد الجماعي له، باعتباره سوقا توفّر سلعة جيدة وبأسعار زهيدة. * وصارت ساحة الشهداء سوادا عظيما لتجمع الناس حول الباعة الفوضويين وكذا دخول الأروقة الضيقة لأخذ حظهم من لباس العيد، مهيبة العرائس وغيرها من المستلزمات. * ولم تسلم المحلات أيضا من هذه الزحمة، حيث يصعب عليك التبضّع في محل من محلات الرويبة أو غيرها، ولن تجد لنفسك مكانا إن أردت أن تجرب مقاس الحذاء أو اللباس على مقاسك من فرط تزاحم الزبائن والأكثر من ذلك اصطحابهم للأطفال الصغار الذين لا يفوّتون فرصة اللعب داخل المحلات والأسواق، ولا ينبري مرافقوهم لنهرهم، والبحث عنهم في كل مكان، ولكم أن تتصوّروا المشهد. * ولأن العودة إلى المنزل ضرورية جدا بعد الحصول على مرادك، فستواجه من فورك مشكل الازدحام في مواقف السيارات والحافلات وهي أصعب مرحلة يمكن أن تواجه الفرد بعد يوم شاق مليئ بالتجول في الأسواق ومرهق من طول الوقوف بمراكز البريد، لتقابله صورة محطة تافورة مثلا وهي تعجّ بالراكبين من كل اتجاه، في غياب الحافلات، وهنا يبدأ السباق نحو الوصول إلى أول حافلة تدخل المحطة في الاتجاه الذي تريده، ليتحوّل المشهد إلى مصارعة حقيقية بدل من محطة محترمة يصعد الراكبون فيها إلى مقاعدهم بهدوء، والسبب مناسبة العيد. * وقد فعلت نفس المناسبة أكثر من ذلك بالمواطنين عشية الخميس الفارط بساحة الشهداء، حيث مكثوا من الخامسة إلى السابعة والنصف مساءً، ولم تدخل أية حافلة فارغة. * كما ظلّت طوابير سيارات الأجرة لأكثر من ساعة على محور المرادية الأبيار وساحة أول ماي تنتظر وصول سيارة للوصول إلى المنزل، وتأخر السيارات والحافلات يعني بالضرورة الازدحام وانغلاق الطريق عن آخرها، مما يجعل الفرد يصل ساعة بعد موعد وصوله المألوف. * والأمر كذلك بالنسبة إلى محطة نقل المسافرين ما بين الولايات »الخروبة« التي يبدأ حجز المقاعد فيها أيّاما قبل السفر. * ولعل من شدّة التزاحم لقضاء المصالح، تجد الاكتظاظ عمّ حتى في محلات تعبئة البطاقات والرصيد، لأنه تحوّل إلى ضرورة لتبادل التهاني أيام العيد، ناهيك عن ازدحام المرشات، الحمامات النسوية والحلاقات، لتصبح المناسبات الدينية في عاداتنا موعدا للتزاحم بدلا من التراحم.