ينطلق الرئيس الشادلي بن جديد من فرضية تقول بأن ما كتب عن محاضرته بالطارف ليوم 27 نوفمبر لغاية 3 ديسمبر (ستة أيام) يعطي "الانطباع بأن الخيوط التي تحركها جهات أخرى ليس من مصلحتها أن يتكلم الشادلي بن جديد"وحجته في ذلك ثلاث إشاعات، تقول الأولى: "إن ظهوره خلط الأوراق"، وتقول الثانية إنه "يحاول أن يؤثر على الحراك السياسي"، وتقول الثالثة: "إنه يطرح نفسه كبديل محتمل للخروج مما يسميه البعض أزمة"، ويخيّل له أن هناك جهة وراء "تشويه" ما قاله محاضرا، وبالتالي فضل نشره ككاتب في شكل مقال. والحق يقال انه لأول مرة يتفق المراسلون على مضمون ما قاله الشادلي، وإن اختلف الخط السياسي لكل جريدة. وأن الأخطاء التي أشار إليها في مقدمة ما سماه ب(المقال) لم يصححها لسبب واحد أنه اختار نشر فصل من كتاب له، يبدو أن هناك جهة ضدّ نشره، في الوقت الراهن، وهو بذلك "استخدم تغطية محاضرة" لتمرير رسائل أخرى. والمفارقة الأولى أن الجنرال المتقاعد خالد نزار سارع إلى "اتهام نفسه"، على حد تعبير كاتب آخر، ب"الجوسسة لفرنسا" فراح يشتم الشادلي دون مبرر، ربما لأن "ضباط فرنسا على حد تعبير العقيد الطاهر الزبيري يتقززون من كلمة مجاهد" بالرغم من أن الرئيس الشادلي بن جديد يقول عن العمل في الجيش الفرنسي بالحرف الواحد: "أنا لا أعتبر الانتماء إلى الجيش الفرنسي إهانة أو مساسا بالشرف. وكنت دائما أميّز بين من اضطر لسبب أو آخر، لآداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وبين من عرفوا بالفارين من الجيش الفرنسي الذين التحقوا بالكفاح المسلح في وقت متأخر، وكانوا سببا في خلافات كثيرة أثناء الثورة. فقد كان لديّ الكثير من الأصدقاء ممن خدموا في هذا الجيش". ولعل هذه الصداقة هي التي جعلت الرئيس لا يتبرّأ من كتب التاريخ التي تضعه في "قائمة من عملوا في الجيش الفرنسي«. أما المفارقة الثانية فهي أنه في عهد الرئيس الشادلي بن جديد تمت عملية منع مذكرات لخضر بن طوبال، والاعتراض كان حول الفصل المتعلق بمحاكمة قادة الثورة لعبان رمضان وإصدار حكم الإعدام فيه، وكيفية تنفيذه. وإعدام عبان رمضان في نظر الرئيس تارة "قتيل" وأخرى "اغتيال جبان" وثالثة "شهيد". ولا أعرف لماذا يتجنب المجاهدون الحديث عن "الجنازة التي أقيمت لعبان رمضان في نهاية عام 1957 بتونس حتى لا يستخدم إعدامه لزرع الفتنة بين المجاهدين. ولا أعرف السبب الذي جعل الشادلي بن جديد يتجنب الحديث عن المحكمة التي ترأسها هواري بومدين أثناء محاكمة انقلاب لعموري، ويتحدث عما سما ب"فرض بوصوف لبومدين على رئاسة لجنة العمليات العسكرية في الحدود الغربية" ولا أستطيع أن استوعب المساواة ما بين جيش فرنسا وجيش الجزائر. يقول الشادلي بالحرف الواحد: "وجدنا أنفسنا بين مطرقة جيش الحدود بقيادة علي منجلي وسندان الجيش الفرنسي". وكأني بالشادلي متأثر بلغة "سياسة العصا والجزرة" التي يستخدمها مثلما يستخدم "لعبة التوازنات" في كتاباته. من يكذب: بن بلة أم الشادلي؟ في حوار مطول، سجلته مع الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عندما كان في المعارضة، بسويسرا، ونشر في كتاب، بعد نشره في مجلة "منبر أكتوبر"، ينفي أن يكون قد أعطى الأوامر بإعدام شعباني، بينما الشادلي يؤكد ذلك. فمن هو الرئيس الذي يكذب علينا؟ المؤكد أن شعباني كان أصغر العقداء الذين لهم عزة نفس وثقافة وكبرياء، يكفي أنه كان يسوق سيارة "كادياك حمراء"، كانت تثير اشمئزاز بقية زملائه، ورفضه الخروج من الجزائر مقابل المشي في صف "جماعة تلمسان" يطرح الكثير من التساؤلات. وعندما يقول الشادلي بن جديد "أريد أن أصحح معلومات خاطئة نشرت في شكل شهادات في الصحافة الوطنية تقول إن أحمد بن الشريف وأحمد دراية وأحمد عبد الغني كانوا أعضاء بالمحكمة وهذا غير صحيح". أتساءل: لماذا لم تصحح بعد نشرها بتاريخ 28 أوت 1964 في صحيفتي الشعب والمجاهد. وما رأي الرئيس الشادلي بن جديد في تصريح عبد الرحمان شعباني شقيق العقيد شعباني للصحافة الوطنية بتاريخ 6 ديسمبر الجاري بأن بن جديد "يقع في آخر حلقة من حلقات القضية". لا أظن أنني أذيع سرّا إذا قلت أن ما وقع للرئيس بن بلة، بعد تعيينه العقيد الطاهر الزبيري في مكان العقيد هواري بومدين هو نفسه الذي وقع للشادلي بعد محاولة تعيينه ضابطا مكان خالد نزار، والفرق هو أن من عيّنه الرئيس أحمد بن بلة في مكان بومدين هو الذي أخذه إلى السجن، أما خالد نزار ففضل أن يقوم بالعملية بنفسه بحيث دفع بالشادلي إلى "الهروب" لا ندري لفائدة من؟ أذكر أن افتتاحية لإحدى الجرائد الوطنية اختارت عنوان "إلا أنت" لتتحدث عن أول لقاء للشادلي مع الصحافة بعد "استقالته أو إقالته"، وقالت بأنه من حق كل مواطن أن يتحدث إلا الشادلي لأنه على حد تعبير الجنرال خالد نزار "فلڤ البلاد" وعلى حد تعبير الشعب "هرب ليلة الدخلة". إن من تفتح في عهده "معتقلات ومحتشدات للجزائريين" وثكنات للتعذيب، ويوقع على استقالة لمنح البلاد ل"ضباط فرنسا" عليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة. قصة "القبض على الفاطمة" من أهم النكت التي ذكرتنا بها خرجة الرئيس الشادلي بن جديد، وهي مرتبطة بمسلسلات تلفزيونية، فيها نكتة بطل مسلسل "دلاص" وهو "جيار"، أن الرئيس الجزائري سأل نظيره الأمريكي بعد انتهاء الجزء الأول من مسلسل "دالاص"عن نهاية جيار: هل مات أم ما يزال حيّا. في حين أن مسلسل "ليلة القبض على فاطمة" كان مناسبة لأن يقتبس منه عنوان "ليلة القبض على الشادلي بن جديد". والقصة باختصار، أن العقيد صالح بوبنيدر المشهور بصوت العرب جمعتني به "جلسة حديث مطول"نشرت جزءا منه في "منبر أكتوبر" بعنوان"ليلة القبض على فاطمة"، وفي هذا الحديث الصحفي يروي العقيد صوت العرب قصة تكليف الشادلي بن جديد مع مجموعة لاغتيال قادة الولاية الثانية، والمفاجأة هي أنه تم القبض عليه، وأودع قبوا بالولاية الثانية، وأنه لولا تدخل صالح بوبنيدر لتم إعدامه. وقد نشرت الحوار بصورة الشادلي بن جديد في غلاف المجلة وبالعنوان السابق. وجاءت النكتة كالتالي: أن الجنرال بلخير عندما وضع المجلة بصورة الشادلي على مكتبة سأله الرئيس: هل مازال أحمد بن بلة يعيش قصة ليلة القبضة على فاطمة؟ وكان رد بلخير إنه يتحدث عنك سيدي الرئيس، وكان يفترض أن يتم تكذيب هذه المعلومة أو تأكيدها حتى لا يبقى التاريخ رهن "القال والقيل". أزعم أن الشادلي بن جديد استطاع خلال العام الجاري نشر فصلين من مذكراته، وبالتالي، فإنه يستطيع أن يواصل نشر بقية المذكرات، في شكل مقالات، ويتخلص من "الرقيب" الذي تعتز وزيرة الثقافة به، وهو من بقايا الرئيس الشادلي، في عهد الحزب الواحد.