كل عبارات الحزن والأسى تبقى عاجزة عن وصف مأساة عائلات الصيادين الأربعة المنحدرين من مدينة أرزيو بوهران، الذين مضى عن اختفائهم شهر كامل، حيث أقلعوا في رحلة صيد على متن قاربهم، وتواروا بعدها عن الأنظار بسبب أمواج البحر العاتية التي ساقتهم إلى وجهة مجهولة، عجزت مصالح حرس السواحل في تحديدها بسبب الاضطرابات المناخية التي أعقبت رحلتهم المشؤومة تلك. * "الشروق اليومي" تنقلت إلى عائلات الصيادين الأربعة المفقودين، الذين أدمت قصتهم قلوب سكان أرزيو، إذ لم يكفوا عن السؤال عن أي خبر جديد يطفئ نار أهاليهم، سألنا عن مكان إقامة الصياد سبيكي فتح الله 34 سنة وهو أعزب، كان يقود قارب الصيد الذي يحمل اسم "نوال" أثناء وقوع الكارثة، فدلتنا إحدى السيدات عن منزله الكائن بعمارة بحي "الشفريي"، وما إن وصلنا حتى أبصرنا شيخا مقعدا على كرسي متحرك قابعا أمام مدخل العمارة، تشفق على حاله من الوضعية النفسية والصحية التي آل إليها، قرأنا على محيّاه علامات الفرح بمجرد أن رآنا، وراح يسرد معاناة العائلة برمّتها بعد رحيل فلذة كبده، إذ بدا متمسكا بأمل العثور عليه حيّا ... "لقد سمعنا بأن ابني وأصدقاءه أنقذتهم باخرة بريطانية صادفتهم في طريقها... آمل أن تكون هذه الأخبار صحيحة... ليت هذه الأخبار تكون كذلك، سأقيم وليمة..."، هكذا صرح والد فتح الله المفجوع في فلذة كبده. * وفي نفس الحي، مأساة أخرى، تعاني فصولها المريرة منذ تاريخ ال 24 نوفمبر الفارط، عائلة مير مصطفى البالغ من العمر 28 سنة وهو أعزب ويعتبر أصغر الصيادين الذين اختفوا، قالت شقيقته بنبرة مليئة بالحزن، بأنه خرج من المنزل في ذلك اليوم على الساعة السابعة والنصف متجها نحو الميناء من أجل الإقلاع في رحلة الصيد رفقة أصدقائه كالمعتاد "لنتفاجأ بأخبار سيئة من الصيادين تفيد باختفاء شقيقي وأصدقاءه"، مضيفة بأن قاربهم أصيب محركه بعطب عندما اندلعت رياح غربية قوية؛ ما دفعهم إلى استخدام المجاديف، التي وهنت على إثرها قواهم؛ بسبب قوة الرياح التي قذفت بهم إلى مكان مجهول. * أما شقيق مصطفى، وهو عون بالحماية المدنية، فلم يكف يوما عن الاتصال بوحدات الحماية المدنية المنتشرة عبر الساحل الغربي، للحصول على أنباء ولو حتى سيئة تنهي كابوس البحث عن شقيقه الذي طرد النوم من أعين جميع أفراد عائلته، خاصة والدته التي تنتظر بلهفة أي جديد عن ابنها، لكن ما حزّ في أنفسنا هي قصة أحصطال كريم 33 سنة، الذي تعذر علينا مقابلة عائلته المنحدرة من بجاية، حيث فضلت التنقل إلى هناك، بعد أن أصيبت بصدمة نفسية، خاصة والديه اللذين لم يعد بمقدورهما الدخول إلى المنزل الذي أضحى موحشا في غياب كريم. * نفس الشيء مع عائلة بن حوا مختار في الثلاثينات من العمر، الذي لا تزال تعيش والدته التي تعمل منظفة بالميناء المجاور لمنزلها، على وقع الصدمة، وكيف لا وهي يوميا تشاهد المكان الذي تصطف فيه قوارب الصيد العائدة من البحر دون أن ترى ولدها من بين هؤلاء الغانمين بصيد وفير؟. * تركنا العائلات الحزينة بأرزيو وفي أفئدتها ألف ذكرى من أولادها، وهي الآن تستصرخ الجهات المعنية مساعدتها في البحث عنهم لإنهاء مأساتها.