كان منتظرا أن تكون سنة 2008 أكثر نشاطا وحيوية ثقافية من السنة التي سبقتها، خاصة بعد تجربة عاصمة الثقافة العربية التي شهدت عشرات التظاهرات استهلكت ميزانيات ضخمة من مال الشعب، لكن يبدو أن الحلم تبخر، فها هي السنة الجارية توشك على الانتهاء ولم تسجل الجزائر في أجندتها سوى نشاطات عادية أغلبها تحمل بصمة الكرنفالية أو السطحية. * .2008 .. سنة ميتة إبداعيا * لا هزات ارتدادية بعد زلزال عاصمة الثقافة العربية * يبدو أن المشكل تجاوز أزمة نقص الهياكل، فالدولة شيدت منها الكثير في السنوات الأخيرة، إذ لا تخلو بلدية واحدة تقريبا من مؤسسة ثقافية مهما كان نوعها، لكن الإنتاج الثقافي يلاحظ أنه في تراجع مستمر، والموجود منه لا يعكس سياسة ثقافية واضحة المعالم بسبب غياب استراتيجيات قوية وعميقة يمكن أن تعيد لنا هويتنا الضائعة. * إن سؤال الهوية يبقى هاجسا مخيفا أمام هذه الطريقة التي نتعامل بها مع الملف الثقافي الذي يبني الإنسان المحافظ على بلده وثروته ومستقبله. وما دمنا نضع العقل في كيس واحد مع البطاطا ونتعامل معه في يومياتنا على أنه "حاجة زائدة" وصاحبه "قديم" لن نتقدم خطوة إلى الأمام، لأن إقصاء النخبة بهذه الطريقة البشعة من المشهد الاجتماعي يضع الجزائر قاب قوسين من الانهيار الأخلاقي الذي يعتبر عند المجتمعات التي تحترم نفسها سببا مباشرا في التخلف. * يجب أن نعترف أننا في الجزائر أمام وضع ثقافي صعب يجب أن نتداركه عاجلا بمخططات علمية يشارك فيها كل أطياف النخبة، تعتمد على المعنى أكثر من اعتمادها على الشكل، كما يجب أن نخرج من دائرة ثقافة البهرجة إلى ثقافة العمق، وأن تدرك الحكومة أن صناعة المواطن الصالح ليس بإصلاح العدالة ولا بشق الطرقات ولا بتشييد الهياكل ولا بالدولة البوليسية وإنما بتشكيل وعي عام، ولا يمكن لأي قطاع أن يقوم بهذه المهمة إلا قطاع الثقافة، وهو الحال لدى كل الدول المتقدمة والتي تحمل بذور التقدم. * ولكي نشكل الوعي المطلوب لا بد ألا نغتال المثقف نفسيا بتصنيفه في آخر الطبقات الاجتماعية، وقد أشار العديد من علماء الاجتماع في الكثير من الدراسات أن الجزائر تفتقد لرموز الحاضر في شتى المجالات، ومن سنن العالم أن المثقفين والعلماء ورجال السياسة والأعمال الناجحين هم رموز المجتمع وقدوة الشباب الصاعد، ونحن نمتلك كل هذه الطبقات لكننا نعاني من كونها متهمة بانتحال الشخصية. * * أعادت الاعتبار لورثة الأنبياء * ّ"الشروق" تسترجع جزءا مفقودا من هوية الجزائر * كانت بداية تقليد تكريم العلماء الجزائريين بفكرة إعداد بورتريهات عن علماء الجزائر الذين طعنوا في السن وتناساهم الناس، فكانت أول وقفة مع تلميذ الشيخ عبد الحميد ابن باديس الشيخ عمار مطاطلة ثم مع الشيخ لخضر الزاوي والشيخ محمد المختار اسكندر بالمدية، وسرعان ما تطورت الفكرة إلى سن تقليد تكريم العلماء. * ومثل كل مؤسسة إعلامية راقية نفذت "الشروق" هذا التقليد الحضاري الذي لفت انتباه كل الشرائح الاجتماعية، وجعل الجزائريين يكتشفون أنفسهم في رجال عظام نذروا حياتهم لخدمة دينهم ولغتهم. فقد كان شهر رمضان المنصرم موعدا لتكريم أبرز علماء الإسلام في الجزائر الطاعنين في السن الشباب روحا ونشاطا، وكان لهذه المواعيد رجع صدى كبير عكسته تعاليق القراء في الموقع الإلكتروني وكذا الاتصالات الهاتفية والانطباعات التي وصلت الجريدة بشكل أو بآخر. * وبفضل هذه التكريمات التي احتلت قلب الصفحة الأولى ليومية "الشروق" واحتضنها مقرها طيلة شهر رمضان المعظم وبعده بقليل، عاد الشيخ عبد الرحمان الجيلالي صاحب المائة عام إلى الواجهة وتذكره الناس بعد أن نسوه وهو الذي كان نجم ليلة الشك ونجم البرامج الإذاعية والتلفزية الدينية لأكثر من 50 عاما، وصاحب الفتاوى المعتدلة التي تنبع من عمق المجتمع الجزائري، الخالية من التشدد والقريبة من روح الإسلام السمحة. * وبعد الشيخ الجيلالي تم تكريم الشيخ الطاهر آيت علجت صاحب الوجه المشع الذي باع حقل الزيتون لأجل طلب العلم وتعليم طلابه، وخلال وقفة تكريمه اكتشف القراء طينة هذا الرجل الأمازيغي الحر المتواضع الذي تتلمذ على يديه المئات من أبناء الجزائر أثناء الثورة وبعد الاستقلال، الشيخ الطاهر الذي وهب أكثر من سبعين عاما من حياته لحروف القرآن المنيرة، ولعل ما بقي في الذاكرة من تعليقات القراء حوله ما قاله قارئ: "الشيخ الطاهر حمل القرآن في جسده النحيل فأعزته حروفه". * وكرم الشيخ الفاضل محمد شارف الذي تعرفه مساجد العاصمة كما يعرف المسلم القبلة، وهو الذي قضى أكثر من ثمانين عاما متعلما ومعلما لكتاب الله تعالى، والذي تناسته العاصمة وهو الذي منح لأبنائها العلم الغزير فلم تمنحه سوى شقة F2 بالحي الشعبي باب الوادي، ورغم ذلك يدعو من أعماق قلبه بالخير للجميع دون تصنع أو تكلف، وبتواضع العظماء. * كما كرم علامة المذهب الإباضي في الجزائر الشيخ بالحاج شريفي تلميذ الشيخ بيوض صاحب احد تفاسير القرآن الكريم، فاكتشف في هذا الرجل الطيب قداسة المعلم الفاضل الذي لا يتعصب لمذهبه ولا يحمل في ذهنه هما سوى وحدة الجزائر والتحام شعبها، وقد كان لدموعه وقع خاص لدى طاقم "الشروق" وهو يرتدي البرنوس ويتسلم هديته من يدي الأستاذ علي فضيل مدير "الشروق". * ليختتم الجزء الأول من سلسلة تكريمات "الشروق" لعلماء الجزائر بتكريم الأرستقراطي الأنيق حارس القيم الإسلامية في الجزائر سماحة الشيخ عبد الرحمان شيبان رئيس جمعية المسلمين الجزائريين، الذي بلغ الثلاثة والتسعين ورغم ذلك لا يفوت مجلسا للعلم والفكر ولا يتوان لحظة في تلبية أية دعوة تصله وفاء لنهج ابن باديس ولمبادئ الجمعية التاريخية التي كانت حصنا منيعا أمام كل أشكال التغريب. * * من المجلس الوطني للثقافة إلى قانون السينما * 2008 .. عام إخلاف الوعود والمشاريع المؤجلة * عاشت الجزائر ثقافيا طيلة 2008 على مخلفات سنة الجزائر عاصمة الثقافة العربية التي عرفت على إثرها الساحة بعض الحراك الثقافي، حيث بقيت الجزائر تجتر المشاريع التي انطلقت في 2007 و كان من المفروض أن تثمن أو تستمر في 2008 ولكن..؟ * سبق لوزيرة الثقافة خليدة تومي، على هامش توزيع جائزة رئيس الجمهورية للشباب في ماي الفارط، أن أعلنت عن قرب إنشاء "المجلس الوطني للثقافة والفنون"، وأكدت تومي يومها على أن الاقتراح موجود على مستوى الحكومة، ووعدت بتفعيل المشروع قريبا. لكن هذا المجلس لم ير النور إلى يومنا هذا. * في نفس السياق سبق للوزيرة أن رافعت طويلا لصالح قانون الكتاب الذي توسع ليصير "مرصدا وطنيا" والذي كان من المقرر، حسب تصريحات تومي في منتدى "الشروق"، أن يصدر في شكل مرسوم رئاسي، وكان سيتكفل بتسطير سياسة وطنية للكتاب والنشر في الجزائر، لكن دار لقمان ما تزال على حالها. * وفي إطار المشاريع المعدة للنشر كان من المقرر أن تنطلق شهر سبتمر الماضي عملية طبع 1000 عنوان وعنوان، وهي العملية التي دعمها رئيس الجمهورية، امتدادا لبرنامج الكتاب في 2007، وتم إقصاء الناشرين من لجنة القراءة بالوزارة وعوضوا بأساتذة الجامعة وإداريون لكن 2008 تكاد تنقضي والمشروع لم ينطلق بعد. * وفي سياق المشاريع المؤجلة ما يزال قانون السينما، الذي وعدت به الوزيرة، حبيس الأدراج، في المقابل تم التوقيع أخيرا على اتفاق التعاون والإنتاج المشترك بين الجزائر وفرنسا بقصر الثقافة بحضور خبراء البلدين. * ولعل أهم مكسب حققه قطاع الثقافة هذه السنة هو رفع ميزانيته إلى قرابة 15 مليار دينار قصد استكمال الورشات الثقافية الكبرى، ويتعلق الأمر بالمكتبة العربية الأمريكية الجنوبية، والمركز العربي لعلم الآثار، وأوبرا الجزائر، وقاعة العروض الكبرى، وهي رابع مرة يتم فيها رفع ميزانية قطاع الثقافة خلال العشرية الأخيرة. * وفي سياق المشاريع تم ترميم فيلا عبد اللطيف، وإعادة فتح قاعة الأطلس بمبلغ 9 ملايير، فيما يبقى متحف الفنون الحالية ينتظر إعادة الفتح بعدما أغلق لأسباب قيل بأنها تتعلق باستكمال الأشغال. * * الصالون الدولي للكتاب كان عرسا لها * عام الرقابة على العقل * إن المتتبع للمشهد الثقافي الجزائري عن قرب سنة 2008 يلاحظ تراجعا محسوسا لحرية التعبير والفكر، فقد ضيقت الوزارة الوصية الخناق على الكتاب من خلال فرض رقابة صارمة على الكتب الواردة للجزائر خلال الطبعة الثالثة عشرة للمعرض الدولي للكتاب، كما تم تحديد عدد النسخ، مما جعل هذا المعرض المعروف بضخامته يتحول إلى مكتبة كبيرة فقيرة من العناوين، مما جعل الكثير من الناشرين المشاركين يتخذون مواقف بعدم المشاركة في الطبعة القادمة، خاصة وأن وزارة الثقافة تعاملت مع هذا الملف بالصمت. * وحسب مصادر من المسارح الجزائرية فإن النصوص المسرحية الناقدة للوضع يتم تعديلها حتى تمنح تمويل الإنتاج وحتى لا تتعرض للمنع، بل تضاف إليها في بعض الأحيان فقرات تحتوي على شعارات سياسية ترويجية. أما التي يرفض أصحابها ذلك تحذف من أجندة الإنتاج، وأكدت ذات المصادر أن هذه الظاهرة جديدة بعد سنوات طويلة من نسيانها. * أما في المشهد الإعلامي فإنه برغم تنوع العناوين الإعلامية وزيادة عدد الصحف فإن حرية التعبير في تراجع محسوس، حتى أصبحت الكثير من الصحف نسخا متشابهة تخوض في مسائل سطحية، وإن كان العذر زيادة الصعوبة في الحصول على المعلومة. * * إقالته أثارت ضجة كبيرة وأسالت الكثير من الحبر * أمين الزاوي ضحية ل 36 تقريرا رفعت لرئيس الجمهورية * كانت 2008 عاما لتصفية الحسابات، وتراجع الحريات، وتغيير المواقع أيضا، بحيث بلغت "الحرب الشخصية" مداها عندما أقدمت تومي على إقالة مدير المكتبة الوطنية، على اثر الزوبعة التي أحدثتها استضافة أدونيس، ومنح الرقم التسلسلي لكتاب بن شيكو. * ونجحت الوزيرة في استبعاد الزاوي بعد 36 تقريرا رفعته لرئاسة الجمهورية، وإن كانت الأسباب التي استندت إليها الوزيرة في إقالتها لمديرها تتعلق في الظاهر "بسوء التسيير واختلاف الرؤى والانزلاق الفكري الخطير" لكن العارفين بخبايا الساحة الثقافة أرجعوا الأمر إلى خوف الوزيرة على منصبها على اثر الظهور الإعلامي المكثف والنشيط للزاوي، الذي حول المكتبة الوطنية إلى قطب ثقافي حقيقي استضاف العديد من الشخصيات العربية والأجنبية. * وإذا كانت إقالة الزاوي قد أحدثت ردات فعل عربية منددة ومستنكرة للحجر على الرأي، فإن الساحة الداخلية انقسمت ثقافيا بين مؤيد ومعارض، ولم تكن المبادئ الثقافية والوفاء لحرية التعبير هي ما حركها بقدر ما حركتها المصالح الظرفية و عصب والشللية، وسجلت 2008 بذلك تحويل المكتبة من صرح ثقافي كبير إلى مقبرة للكتب. * * في انتظار المهرجان الثقافي الإفريقي * في آفاق 2009 تترقب الجزائر المهرجان الثقافي الإفريقي الذي ستحتضنه لثاني مرة منذ الاستقلال، في جويلية القادم، وقد رصدت الوزارة الوصية ميزانية قدرت ب 5 ملايير دينار للحدث، خصصت 60 بالمائة منها لإنجاز القرية الإفريقية بزرالدة، في انتظار استيلام 15 هيكلا ثقافيا جديدا، وإنجاز مركز لحفظ الأفلام. * * قراء "الشروق" يقيّمون برامج التلفزيون في 2008 * بادرت "الشروق" خلال 2008 إلى تنظيم استفتاءات للرأي العام لمعرفة رأي الجمهور وتوقعاته في مختلف المستجدات الفنية عموما والتلفزيونية خاصة فكان أهمها: * * البرنامج الأكثر مشاهدة في شهر رمضان على التلفزيون الجزائري هو سلسلة الحاج لخضر. * * نعم.. يتحسن أداء التلفزيون بعد رحيل حمراوي. * * الشبكة البرامجية للتلفزيون الجزائري خلال شهر رمضان كانت دون المستوى. *