تصوير بشير زمري تعطلت المساعدات الجزائرية الموجهة للغزاويين في أول محطاتها بالحدود المصرية، حيث "سجنت" بها أطنان من الإعانات المادية والملايين من أكياس الدم كان أمل المتبرعين بها أن تجد معبرا إنسانيا يقفز فوق الحدود السياسية ويجتاز الأسباب الأمنية التي تختبئ وراءها الدولة المصرية. * * عشرات الأطباء الذين أرسلتهم وزارة التضامن صاروا بحاجة إلى التضامن معهم في حجزهم بالعريش، والدم الجزائري فقد صلاحيته لنقص وسائل المحافظة عليه، إنها الخسارة الثانية التي تلت خسارة العرب بتخاذلهم عن نصرة القضية الفلسطينية.. ليجد الجزائريون أنفسهم مقيدين بواجب التضامن مع فلسطين من جهة ومذبوحين برفض السلطات المصرية لوصول هذه المساعدات من جهة أخرى، ما جعل كثيرين يتساءلون عن مصير هذه الإعانات وكيفية تقديم يد العون بعيدا عن من مصر.. تساؤل حاولنا الإجابة عنه باستضافة رئيس عمادة الأطباء الجزائريين السيد بقات محمد بركاني. * * مصر متهمة بإتلاف الأدوية والأغذية والدماء الموجهة لجرحى العدوان الإسرائيلي * أكد رئيس عمادة الأطباء الجزائريين خلال نزوله ضيفا على منتدى الشروق أمس، أن الدم الذي يتبرع به المواطنون الجزائريون لمساعدة ضحايا العدوان الإسرائيلي تصل منه نسبة ضئيلة جدا إلى قطاع غزة، في حين تبقى الكميات الكبيرة في حجر التخزين بالعريش المصرية حتى تتعفن وتصاب بالتلف، وهي نفس الوضعية التي حدثت أثناء العدوان الأمريكي على العراق، لذلك يجب أن لا نجعل من التبرع بالدم مجرد قضية إنسانية، بل يجب أن تأخذ منحى سياسيا، فما الفائدة من جمع الدم إذا لم يصل إلى مستحقيه؟ * وأضاف ذات المتحدث أن هناك مشكلا مطروحا بحدة على مستوى مشتقات الدم "الصفائح الدموية، البلازما، الكريات الحمراء والبيضاء" التي تتعرض للتلف بفعل نقص وسائل التخزين في المناطق الحدودية الفلسطينية المصرية، فالشاحنات التي تنقل الدم لا يسمح لها بالدخول نظرا لقرار مصر الصارم بعدم تجاوز المساعدات لمعبر رفح، حيث تقوم بتفريغ حمولتها وتعود بغض النظر عن جنسيتها أو هدفها. كما أضاف الدكتور بقات بركاني أن ضمان وصول الدم الجزائري إلى الإخوان في غزة يجب أن يتم من خلال تدخل السلطات الجزائرية العليا للضغط على السلطات المصرية لتسمح للمساعدات الجزائرية بالوصول إلى أهلها، لأن القرار في نهاية الأمر قرار سياسي. * للإشارة، فإن ألاف المواطنين الجزائريين يتوافدون يوميا على شاحنات حقن الدم المنتشرة عبر كل أرجاء التراب الوطني ليمنحوا بعض دمائهم لإخوانهم في غزة بعد سلسلة الإعلانات الموجهة لهم من قبل عديد من الهيئات التي تبنت شعارات إغاثة غزة. ورغم عدم وصول الدم المتبرع به إلى مستحقيه يبقى هذا العمل الإنساني واجبا يجب ألا يتوقف ولو لتموين بنوك الدم الجزائرية الخاوية. * * المغرب كان أسبق منا في جلب الجرحى فماذا ننتظر؟ * كشف الدكتور بقات بركاني محمد أن اتحاد الأطباء العرب اجتمع قبل أسبوع في مدينة العريش المصرية لتدارس الوضعية الإنسانية الكارثية التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة العدوان الإسرائيلي الظالم على غزة، وأكد أن عمادات الأطباء العربية المشاركة قامت بإعداد تقرير مفصل عن تطورات الأحداث منذ اليوم الأول للعدوان. * وأضاف ضيف المنتدى أن اتحاد الأطباء العرب اتخذ قرارات طارئة منها: توجيه نداء إلى السلطات المصرية للسماح بمرور الأطباء والأدوية والأجهزة الطبية وسيارات الإسعاف لتدعيم مستشفيات غزة بسرعة، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار، وبسبب هذا النداء تم السماح ل 40 طبيبا عربيا بالدخول، لكن للأسف ليس هناك أي جزائري بينهم. * وأكد ذات المتحدث أن عمادة الأطباء الجزائريين اقترحت إرسال ترسانة من الأطباء المتخصصين في الجراحة وممرضين من القطاعين العام والخاص ومعدات طبية مختلفة. كما كشف عن طلب وجه إلى السلطات العليا في الجزائر لتسهل تنقل هذه الترسانة من خلال التنسيق بين مختلف القطاعات التي لها علاقة بهذه العملية. * من جهة أخرى، تحدث عن استقبال مكتب العمادة لتقارير يومية مرسلة من اتحاد الأطباء العرب، فيها أدق التفاصيل عن تطورات الوضع الإنساني في غزة، وتساءل الدكتور بركاني عن أسباب تأخر جلب جرحى المجزرة للعلاج في الجزائر، بالرغم من حدوث ذلك لدى المغرب قبل ثلاثة أيام. * * غياب التنسيق يفسد الحملات التضامنية * مثل كل المحطات التضامنية السابقة التي تستوجب تحركا سريعا وفعّالا، استجابت كل القوى الفاعلة في المجتمع الجزائري إلى نداء واجب الوقوف إلى جانب إخواننا المقاومين وإخواننا المضطهدين في غزة، فهبت الجموع ملبية نداء الواجب، كل حسب إمكاناته وموقعه. لكن الفخ الذي نقع فيه في كل مرة هو العمل العشوائي الخالي من التنظيم، والذي يجعل جهودا كبيرا تذهب سدى. * فعندما نعرف أن الدم الجزائري المتبرع به يوميا لا يصل إلى مستحقيه، نصاب بإحباط وقلق، رغم أن هذا العمل الإنساني في حد ذاته لن يتوقف لدى الجزائريين مادامت غايته نبيلة. وعندما لا نفهم أين تذهب كل المساعدات التي تجمع هنا وهناك لأجل فلسطين، نصاب بنوع من الريبة، وإن كنا لا نشكك في نزاهة أحد. * ربما كارثة كل هذه المناسبات التضامنية هي تبديد المجهود في ظل غياب عدم جمع الكلمة الواحدة على عمل منظم واحد يجتمع فيه السياسي بالأمني بالمدني بالإعلامي في تشكيلة واحدة حتى تضمن نتائج هذا العمل على أن ترعى من أعلى السلطات في الدولة. ولأن الوقت مازال غير متأخر، ماذا لو اجتمعت كل القوى المحبة لغزة ولأهل غزة في كتلة واحدة، ألا يمكن أن يصل دم الجزائريين المتبرع به إلى أهله؟ * * * أطباء أوروبيون يذرفون الدموع على ما يحدث بغزة * تحدث الدكتور بركاني عن المساهمة الفعلية للاتحاد الاورومتوسطي في التضامن مع غزة، وقال أنه تلقى العديد من الرسائل الالكترونية وفاكسات ورسائل قصيرة تدعو إلى ضرورة تحرك جميع الأطباء في العالم، وحتى الصليب الأحمر لما تلزمهم به أخلاقيات المهنة، وإبداء رفضهم الفعلي بما يحدث حاليا في غزة من إبادة وحرق أمام الرأي العام العالمي ليأخذ بعين الاعتبار معاناة هؤلاء وحقهم المشروع والإنساني في العلاج. * وأضاف الدكتور بقات أنه تلقى مؤخرا مكالمة هاتفية من "فرناندو قوماش" رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء البرتغاليين، ولم يستطع هذا الأخير امتلاك نفسه، وراح يذرف الدموع خزنا وتعاطفا مع شعب غزة كدليل على اعتراف الشعوب الأوروبية بجرائم إسرائيل إزاء المذابح اليومية التي توقعها أيادي الغدر الصهيونية وتمارسها على مدنيين عزّل. * * * تعطل وصول الإعانات الطبية إلى غزة سيزيد من تأزّم الوضع الصحي بغزة * أكّد الدكتور "بقات بركاني محمد" رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين أن تعطل وصول الإعانات الطبية الجزائرية والعربية بصفة عامة سيزيد في تأزم الوضع الاستشفائي في غزة، داعيا السلطات الجزائرية للضغط على الحكومة المصرية من أجل إيصال المعونات الطبية إلى غزة، وطالب أيضا السلطات بمساعدتهم كعمادة أطباء للالتحاق بركب الأطباء الذين توجهوا لتقديم مساعداتهم لغزة، مصرحا بأن الكل يجهل مصير الأطباء الجزائريين الذين أرسلتهم وزارة التضامن، ويبدو أنهم مازالوا في العريش. * ومن جانب آخر ثمّن الدكتور بركاني مبادرة الدولة الجزائرية في تخصيص 200 سرير في القطاع العمومي لاستقبال الجرحى، مصرّا على انضمام العيادات الخاصة التي أبدت نيتها في تقديم المساعدات الضرورية للتكفل بالجرحى. * وقال بقات أن إصرار الحكومة المصرية على منع دخول كل المساعدات الطبية إلى غزة سيزيد من تأزّم الوضع الصحي للغزاويين، موجها نداء يتمثل في توفير طائرات عسكرية خاصة مجهزة بكل الوسائل الطبية ومستعدة في الوقت اللازم لنقل الجرحى وإسعافهم دون أن يتأذى أي شخص منهم، وهذا يتطلب فريقا طبيا متخصصا وإجراءات صارمة. * ويرى الدكتور بركاني أن إرسال الأطباء لوحدهم إلى غزة غير كاف حتى أن الأدوية يمكن أن تتأثر من جراء انقطاع التيار الكهربائي، وأمام نقص الأغذية والغازات الطبية والأسرة التي تعد ضرورية لراحة المريض وشفائه. * وأكد بقات بركاني على ضرورة إدخال أدوية الجراحة والأدوية المتعلقة بالعظم، وأدوية المضادات الحيوية بسرعة، لأن توفيرها وفي الوقت الحالي ضروري جدا كاستعجالات أولية لا بد منها. * * إسرائيل تمنع المساعدات بحجة مرورها إلى المقاومة * فسّر الدكتور بقات بركاني، رفض الحكومة المصرية تمرير كافة الإعانات والمساعدات عن طريق معبر رفح إلى غزة بالإجراءات الأمنية، وقال أن مصر ليست مسؤولة عن أمن الأطباء والأشخاص عند مغادرتهم الحدود المصرية وانتقالهم إلى المقاطعة الأخرى في رفح والتي تخضع للسلطة الإسرائيلية. * وعن إصرار الجانب الإسرائيلي لمنع عبور جميع المساعدات الطبية، قال الدكتور بقات إن إسرائيل تخشى من أن تكون هذه المساعدات موجهة إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، وهو سبب اتخذته كعذر تتستر به لتفسير إبادتها وقهرها لهذا الشعب وتجويعه بطريقة صهيونية ذكية. * * دعوة لإنشاء خلية أزمة تساهم فيها جميع الوزارات بالجزائر * دعا الدكتور بقات بركاني، جميع الوزارات بالجزائر بما فيهم وزارة الصحة، العمل، وزارة الخارجية، وزارة الداخلية وحتى وزارة الدفاع من أجل الإسراع في تشكيل خلية أزمة مجهّزة بكل الوسائل الطبية اللازمة وأخصائيين دكاترة، وركز الدكتور بركاني على أن يكون نظام هذه الخلية متحركا، وله سلطة التأثير على الحكومات الأخرى، خاصة الأوروبية منها، فيما يتعلق بمسألة نقل المرضى الفلسطينيين من الجزائر إلى البلدان الأوروبية الأخرى في حالة تطلّب مرضهم نقلهم الاستعجالي والفوري لهذه المستشفيات. * وأضاف بأن عمادة الأطباء الجزائريين فضلت أن تجتمع الحكومة الجزائرية مع أشخاص لهم علاقة بالطب لإعطاء حلول مستعجلة، قاصدا بذلك اجتماع جنان الميثاق الذي قامت به وزارة الخارجية مع المجتمع المدني الجزائري. تصوير: بشير زمري