أعاد رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم المنتهية عهدته عبد الحميد حداج مؤخرا طرح قضية خطيرة تنخر جسد كرة القدم الجزائرية، حيث اعترف الرجل في مناسبة نادرة يسلك فيها خطابا صريحا، بأن الرشوة والتسيير المالي الغامض للأندية من أهم السلبيات التي طبعت الفترة التي قضاها على رأس الهيأة الفدرالية الجزائرية، ظاهرتان فشل في التعامل معهما. * ورغم أن حداج لم يأت بالجديد في هذا الشأن، إلا أن ما يستحق التنويه له هو دقه لناقوس الخطر بشكل مريب، في وقت بدا فيه وكأن الجميع، بما في ذلك السلطات العمومية، قد استسلم للأمر الواقع، تفسير منطقي لما آلت إليه الأمور في الكرة الجزائرية منذ عدة سنوات، إلى درجة أن الفوضى قد تحولت إلى عنوان طبيعي للتسيير المالي للأندية الجزائرية، ملف ثقيل يتعين إعادة فتحه قبل فوات الأوان. * والحقيقة أن حداج ليس المسؤول الأول في القطاع الذي أثار الإنتباه إلى هذا الموضوع المعقد والخطير في آن واحد، حيث سبق مثلا للوزير السابق للشباب والرياضة يحيى قيدوم أن حاول الثورة على التقاليد المعمول بها في أندية كرة القدم بخصوص تعاملها المالي مع اللاعبين. * * مشروع قيدوم الذي لم ير النور * * ومادمنا نتحدث عن محاولات الوزير السابق لوضع حد للفوضى في هذا الميدان، فإنه يجدر التذكير بالآلية التي سعى إلى إنشائها من خلال بنك للرياضة يكون وسيلة لمراقبة ملايير السنتيمات التي تصب في خزائن الأندية من طرف الممولين، لكن أمل الرجل خاب في تحقيق هذا الهدف ورحل قيدوم عن مبنى ساحة الوئام من دون أن يرى مشروعه النور.. هو ذات السيناريو أيضا الذي حدث مع الرئيس الأسبق للرابطة الوطنية لكرة القدم، محمد مشرارة، هذا الأخير فكر في إنشاء مديرية مراقبة تسيير الأندية تتكفل، كما يدل عليه إسمها، بمراقبة التسيير المالي للفرق، علما وأن المفارقة التي لاتزال تحير الجميع هي أنه لا الوصاية ولا الإتحادية يملكان الصلاحية لمراقبة التسيير المالي للأندية. * هذا الواقع الغريب لا يزيد إلا في تشجيع سلوك المسيرين للتمادي في استغلال غياب الآليات القانونية في هذا المجال، إلى درجة أن الأمور زادت تعفنا بعد أن أخذت حركة الأموال بين رؤساء الفرق واللاعبين شكلا خطيرا، قد لا يحدث في أي بطولة أخرى، بعد أن أصبحت "الأكياس السوداء" وسيلة للتعامل المالي بين الطرفين، * ولعل المفارقة الأخرى التي تظهر للعيان أيضا، أن السيولة المالية على الساحة الكروية الجزائرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البطولة الجزائرية يقابلها تدن متواصل بمستوى المباريات المحلية. * * سرار ومنادي يغرقان السوق * * وتشير أصابع الإتهام كلها إلى رئيسي فريقي وفاق سطيف واتحاد عنابة اللذان لا يترددان في خوض حرب أسعار مجنونة للظفر بأفضل اللاعبين في السوق الجزائرية، ولا يهم بعد ذلك إن كان عطاء هؤلاء اللاعبين في حجم الإستثمارات الكبيرة التي صرفت من أجلهم، أو ما إذا كانوا ضمن القائمة الأساسية أم في الإحتياط.. وإذا كانت نتائج الوفاق تسمح لإدارة الفريق بالدفاع عن نفسها، فإن الأمر غير ذلك للعنابيين، أو حتى إدارة مولودية الجزائر التي تفيد الأرقام المستقاة منها، بأن مستحقات اللاعبين وحدها بلغت في الصائفة الماضية 14 مليار سنتيم تذهب كلها إلى أرصدة العناصر العاصمية من دون أن يتم انتقاص أي سنتيم لمصلحة الضرائب، وكأن لاعبي كرة القدم في الجزائر تحولوا إلى مواطنين "فوق العادة". * ومهما يكن، فإن استمرار الأمور على هذا الحال من المحال، ولعل "الفرج" سيأتي من الإتحاد الدولي لكرة القدم الذي منح مهلة إلى مختلف الإتحاديات الوطنية لتحضير المرور إلى عالم الإحتراف قبل عام 2011، ما يدعو من الآن في التفكير في ميكانزمات جديدة تسمح بضبط التسيير المالي للأندية وفق القوانين المعمول بها، وحتى تكون كل العمليات المالية بين اللاعبين والرؤساء في النور، ونتخلص نهائيا من سياسة "الشكارة" التي جاءت نتائجها وخيمة على الرياضة الأكثر شعبية في الجزائر.. حينها فقط، قد نطمح لإعادة القاطرة إلى سكتها الصحيحة في انتظار التطلع لنهضة كروية شاملة، ويصبح اللاعبون مواطنون عاديون يدفعون ما عليهم من ضرائب، كما هو معمول به في كافة قطاعات العمل، ونظن بأن المكتب الفدرالي القادم على دراية بما ينتظره في هذا المجال.