محمد السعيد في يوم خريفي من أيام نوفمبر 1995، وفي منطقة جبلية بين بوقرة والبليدة، قامت الجماعة الإسلامية المسلحة تحت قيادة جمال زيتوني بتصفية محمد السعيد وعبد الرزاق رجام وعدد من مناصريهما، بحجة أنهما يريدان الاستيلاء على قيادة الجماعة. * * *زيتوني اتهم الجزأرة بتنفيذ ثلاث محاولات انقلاب للسيطرة على الجماعة * * تصفية الشيخ محمد السعيد وعبد الرزاق رجام: * حسب علي بن حجر، فإن »محمد سعيد وعبد الرزاق رجام كانا في مهمة في غرب البلاد في ربيع 1995 قصد إقناع الجيش الإسلامي للإنقاذ بالانضمام إلى مبايعة أمير الجماعة الإسلامية المسلحة. مباشرة بعد هذه المهمة، استدُعِيَ كلاهما إلى مركز قيادة الجماعة المسلحة في بوقرة (البليدة): »كان جمال زيتوني يشك في أنهما قد تآمرا ضدّه، وفي طريقهما إلى بوقرة توقفا عندنا في تيمزقيدة من 20 إلى 22 يوليو 1995، ولقد فَعَلتُ (يقول علي بن حجر) كل ما كان بوسعي لأثنيهما على مواصلة الطريق فقد كانت لدينا دلائل حول ما تنوي جماعة جمال زيتوني القيام به، فقد حكموا بالإعدام على »عمور حبشي« أمير الوسط ونفذوا فيه الحكم بعد عودته من غرب البلاد، ولكن »محمد سعيد« رفض الإصغاء لنا وقال بأنه »لا يريد أن يكون حجة للشقاق بين المسلمين«. في الخريف الموالي أعلنت »الإمارة الوطنية للجماعة الإسلامية المسلحة عن استشهاد محمد السعيد، في »اشتباك مع الجيش« عندما كان في طريقه لزيارة أهله، »إننا كنا نعلم أنهم قتلوه، هو وعبد الرزاق رجام، وكذلك الكثير من إخواننا المنتسبين إلى تيار الجزأرة«. * في بادئ الأمر لم تستطع قيادة الجماعة تبنّي مقتل الشيخين إذ أعلنت، كما جاء في نشرة الأنصار الناطقة باسم الجماعة في الخارج: »أنّ محمد السعيد وعبد الرزاق رجام قُتلا تحت راية الجماعة الإسلامية المسلحة في معركة من معارك الإسلام ضد الجاهلية... وأنهما سقطا قبل شهرين تقريبا أي في أكتوبر في مكمن نصبته قوات الأمن. وقدّمت النشرة مبررات لعدم إعلان الجماعة خبر مقتلهما وهو رغبتها في عدم إعطاء نظام الحكم فرصة إظهار الفرحة بنجاحه في قتلهما«. * ويذكر »علي بن حجر« أنّ هناك بعض الأشخاص كانوا يتنقلون بين المراكز ويقولون: إنّ »الجماعة« قالت للشيخ محمد السعيد إنها نظّمت له زيارة لأهله وأعطته سيارة للانتقال إلى هناك، لكنّه قال لهم »إنني لا أريد سيارة فقد استدعاني الأمير وقد جئت من الغرب وعندي شيء أقدمه إليه« فقالوا له: لا، اذهب إلى أهلك، فذهب إليهم في زيارة. لكنهما (محمد السعيد وعبد الرزاق رجام) وقعا في كمين وقتلا في المنطقة بين بوقرة والبليدة في سهل المتيجة. * وهاجمت »نشرة الأنصار« بعنف »الجبهة الإسلامية للإنقاذ« التي كانت أوساطها أوّل من كشف أنّ متشددين في الجماعة هم من يقف وراء قتل الشيخ محمد السعيد وعبد الرزاق رجام. إذ كتبت »إننا على يقين بكذب وافتراء الأصوات الخبيثة التي حاولت استغلال الخبر لنصرة مذهبها الباطل وطريقتها البدعية، وبثّ الإشاعات المغرضة لتفريق الصف وزعزعة الثقة بالجماعة عند أنصارها، وإننا على يقين كذلك أنّ الجماعة لصادقة فيما تقول، فلو وقع ما افترى به المنافقون لما خشيت الجماعة من إظهار الحقيقة، فإنّ حدّ الله وحكم الشرع لا يفرقان بين رجل ورجل... ولقد أقامت الجماعة الحدّ على بعض أفرادها وأعلنت ذلك للملأ ولم تخش في الله لومة لائم...«. * وانطلاقا من هذا النفي الجازم بالنسبة للمشرفين على نشرة الأنصار لم يكونوا يتوقعون أن تُبْلِغهم الجماعة مسؤوليتها عن قتل محمد السعيد وعبد الرزاق رجام، إذ أبلغتهم الجماعة من الجزائر أنها هي حقّا من قتلهما، وأبلغت الجماعة المشرفين على الأنصار أنّ الذين أبلغوها أنّ السعيد ورجام قُتلا في معركة مع قوات الأمن ليسوا هم المسؤولون عن ملف الإعلام فيها ولا يمثلون بالتالي موقفها الرسمي التي تعبّر عنه بيانات الأمير جمال الزيتوني، وأرسلت لهم خلاصة لما أسمته »اعترافات« لأحد مسؤولي الجزأرة وهو المدعو »عبد الوهاب لعمارة« يقرّ فيها بأنّ هذا التيار »الجزأرة« كان يريد تنفيذ انقلاب على الجماعة »واتبعت الجماعة هذا الإقرار ببيان طويل لأميرها جمال زيتوني يشرح فيه تفاصيل صراعه مع الجزأرة وسبب تصفيته قادتها، وحمل البيان عنوان: »الصواعق الحارقة في بيان حكم الجزأرة المارقة« واستهلّه زيتوني بالتحذير من »أهل البدع« وتأكيد »عدم وجود مكان لهؤلاء بين أهل السنة والجماعة« واعتبر أنّ الجزأرة من »الطوائف المبتدعة« واتهمها بأنها »اخترقت« صفوف »الجماعة المسلحة« و»حاولت الوصول إلى قيادتها واحتوائها بعد الوحدة في ماي 1994«. وعدّد زيتوني في هذا الإطار، ما اعتبره محاولات من الجزأرة ل»احتواء الجماعة« فقال: »إنّ المحاولة الأولى تمّت في إمارة عبد الحق العيادة متّهما نائبا من الإنقاذ بأنه المتسبّب في اعتقاله في المغرب«. وأضاف، أنّ المحاولة الثانية وقعت بعد مقتل الأمير السابق الشريف قواسمي في سبتمبر 1994 عندما سعى تيار الجزأرة إلى تثبيت محفوظ طاجين على رأس الجماعة. وقال زيتوني إنّ محاولة الانقلاب الثالثة قادها جعفر »عمور الحبشي« أحد قادة الجماعة في جبال الونشريس. وانتهت تلك المحاولة بمحاكمة الحبشي وقتله. أمّا المحاولة الرابعة فقادها بحسب زيتوني أبو خليل محفوظ »محفوظ طاجين« بدعم من قادة الجزأرة وعلى رأسهم محمد السعيد الذي اتهمه بأنه »دخل الجماعة بنية مبُيَّتة« وأنه »لم يتب من بدعه ومنهاجه وتنظيمه الضال«. وعَدَّدَ بيان زيتوني بعض الأسماء من القياديين الذين حكم عليهم بالقتل وكان من بين هؤلاء: سليمان بوسعدونة، عبد الحميد بوشة، عبد الرزاق رجام، الطيب سمار، بشير تركمان، عز الدين أبو زينب، عبد الوهاب لعمارة ومحفوظ طاجين. * وما زاد الطين بلة في هذه الحوادث هو موقف أبي قتادة الفلسطيني الداعم دائما لسفك الدماء، حيث برّر أفعال القتل هذه بقوله: »للأمير السنّي السلفي أن يقتل المبتدعة إذا حاولوا الوصول إلى قيادة الجماعة لتغيير منهجها لأنّ فعلهم هذا أشدّ من ضلال الداعي إلى بدعته«. ثمّ قدّم معالجة شرعية لموضوع قتل المبتدع فقال: »لا خلاف على أنّ المبتدع بدعة مكفّرة يُستتاب، فإن فعل عصم نفسه وإلاّ فإنّه يقتل« وتابع موضّحا منهجه في هذا الشأن »وأنا أعتقد بكفر من رفع راية الديقراطية في حزب أو تنظيم في وضع مثل وضع الجزائر، فمن دعا إلى العودة إلى الديمقراطية وحلّ الأزمة (كما يسمونها كذبا وزورا) عن طريق العودة إلى البرلمان والتعددية الحزبية وبالتآلف والتحالف الوطني فهو يُقتل ردّة (بعد استتابته إن كان مقدورا عليه، وبدون استتابته إن كان غير مقدور عليه كما في الجزائر) وخاصّة أنّ أمثال هؤلاء دورهم الرئيسي هو القضاء على الجهاد وإعطاء فرصة للدولة الطاغوتية للاطمئنان وترتيب أوراقها للقضاء على الإسلام وأهله«. * ومع العلم أنّ أصحاب هذا التيار يرفضون أصلا وصفهم بأنهم جزأرة أو القول إنّ أفكارهم تخرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد نفى الزعيم السابق لهذا التيار الشيخ محمد السعيد بنفسه الانتقادات التي توجه إلى تياره، إذ سأله بعض أعضاء الجماعات المسلحة بعد إبرام »عقد الوحدة« عام 1994 عن حقيقة ما يقال عنكم أنكم من واجهة ما يسمى جماعة الجزأرة؟ فأجاب: * »هذا في الحقيقة داخل في إطار التنابز بالألقاب. ونحن والحمد لله على عقيدة أهل السنة والجماعة وعلى هدي السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان. ولذا فهذه التسمية هي من صنع أعداء الإسلام الذين يضعون هذه الألقاب من أجل تشويه سمعة المسلمين وسمعة العاملين من أجل إعلاء كلمة الله. ولهذا أنا أقولها اليوم بصراحة: مهما كانت هذه الاتهامات ومهما كانت هذه الإشاعات، فأنا بريء من كلّ فكرة تخالف ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين» (1) * وكتب الشيخ محمد السعيد رحمه الله مقالا في مجلة الجماعة الناطقة باسم الجماعة المسلحة في عددها رقم 4 بتاريخ 29 فيفري 1995 ممّا يبيّن أنّ فكر الشيخ تغيّر كليّا وأصبح مقتنعا بكثير من أفكار الجماعة إذ شدّد في مقاله: »على الوحدة في إطار الجماعة المسلحة وكذلك هاجم الذين يقبلون قانون الرحمة الذي أعلنته السلطة لمن يستسلم من الجماعات المسلحة. واعتبر أيضا أنّ الحكم الجزائري »يعامل الشعب المسلم بالقهر ويحكمه بالكفر... وكلّ من أعانه وانضمّ إليه فهو مرتد من الناحية الشرعية« * * * انشقاق الجماعة: * بعد هذه الأحداث الدامية التي وقعت أعلنت الكثير من الجماعات انشقاقها عن تنظيم الجماعة المسلحة، ولم يقتصر الأمر على المنتمين أو المتعاطفين مع جماعة الجزأرة بل كان منهم الكثير من الجماعات السلفية. وبذلك انقسم المنشقون عن الجماعة المسلحة إلى قسمين أساسيين: * القسم الأوّل: هو انشقاق جماعات سلفية عبر مختلف مناطق الوطن، وكانت جماعة الغرب »جماعة حماة الدعوة السلفية« بقيادة عبد الرحيم بخالد »قادة بن شيحة« من أوائل المنشقين ثم تبعتهم جماعة من الوسط والتي أطلقت على نفسها فيما بعد جماعة الوسط »المهاجرون« وكانت تحت قيادة خالد أبو صهيب »خالد الساحلي« وهو من أعضاء مجلس شورى الجماعة. * وأما القسم الثاني: فهم المنتمون أو المتعاطفون مع جماعة الجزأرة، ويأتي في مقدّم هذا النوع من الجماعات ما يسمّى بالجناح المسلح لتيار الجزأرة والمعروف ب»جماعة الفدا«، »الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح ( Fida )«، وكان نشاطها قائما في العاصمة خاصّة. كذلك هناك جماعة المدية التي يقودها النائب في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من تيار الجزأرة علي بن حجر والذي أطلق على جماعته اسم »الرابطة الإسلامية للدعوة والقتال«. وهناك أيضا جماعة الأربعاء التي كانت تحت قيادة محمد حمزة ومصطفى كرطالي. وقد انضمت هذه الأخيرة إلى تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ، ثم التحقوا كلّهم بالهدنة التي أعلن عنها الجيش الإسلامي للإنقاذ في 1 أكتوبر 1997. * والآن نأتي على ذكر الجماعات التي أعلنت انشقاقها عن تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة ومنها: * * 7) جماعة حماة الدعوة السلفية: * وقد كانت قبل هذا معروفة باسم سرية أو كتيبة الأهوال تأسست في مارس 1994 لما كانت تحت تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة، ثم ما لبثت أن انشقّت عنها وغيّرت اسمها إلى جماعة حماة الدعوة السلفية في يوم الاثنين 8 ديسمبر 1995 ببلدة أولاد الحاج (الشولى تلمسان) كان أميرها قادة بن شيحة المعروف باسم أبو عبد الرحيم السلفي. ثم لمّا قتل في 27 سبتمبر 1996 خلفه أبي جعفر محمد (جريري الطيب) الذي قتل كذلك يوم 12 فبراير1997 ثم خلفه محمد بن سليم المكنى بأبي جعفر محمد السلفي الساكن بمدينة بلعباس والذي كان الضابط الشرعي خلال إمارة قادة بن شيحة وهو أمير جماعة »حماة الدعوة السلفية« حاليا، وكان مقر نشاطها بمنطقة الغرب الجزائري في جبال الرمكة من ولاية غليزان (300 كلم غرب العاصمة) وغيرها من الأماكن. * كانت جماعة حماة الدعوة السلفية (سرية الأهوال سابقا) عند انضمامها إلى الجماعة الإسلامية المسلحة في أيامها الأولى قد حذّرتها من الجماعة القطبية التي كانت تسعى للاستيلاء على الجماعة، لأنه في ربيع الثاني من سنة 1413ه الموافق لأكتوبر 1992 عندما كان أبو عبد الرحيم (قادة بن شيحة) ببلدية براقي (العاصمة) صدر بيان الوحدة الذي ظهر فيه ذكر اسم جماعة القطبيين كمؤسسين للجماعة الإسلامية المسلحة وَكَانُوا قد ادَّعَوْا من قبل تَبُرؤهم من القطبية بحضور الشيخ عبد الناصر علمي، فاستنكر أبو عبد الرحيم هذا الأمر وقتها أمام عبد الحق العيادة محذرا إياه من مآل ذلك. * وفي ربيع الأول 1415ه الموافق ل1994بعدما تمكنت سرية الأهوال من الاستيلاء على كمية معتبرة من السلاح والذخيرة إثر قيامها بعمليتي تلاغ وسبدو، لم يرضَ رؤوس التنظيم القطبي بالغرب الجزائري، أن تقوى شوكة سرية الأهوال، فأشاعوا على أبي عبد الرحيم (قادة بن شيحة) إشاعات كثيرة ومتنوعة، ومن أجل حلّ هذا الإشكال استدعى أبو عبد الرحيم رؤوس التنظيم القطبي للنظر في شكاويهم وعلاجها، فرفضوا ذلك بحجة توقيفهم للسمع والطاعة، فقام أبو عبد الرحيم بإرسال وفد إلى أمير الجماعة الإسلامية المسلحة أبي عبد الله أحمد (شريف قوسمي) على رأسه المدعو »ثابت« الذي التقى به في بساتين بوفاريك، فبيّن له أن هذه الفتنة المفتعلة هي من صنيع التنظيم القطبي الأفغاني الذي يقوده الثلاثي: أسد أبو البراء وغريب أبو عمر وعكاشة عبد اللطيف، وأن الجهاد في خطر، وانتهى هذا الخلاف في تلك الآونة بعقد لقاء بين أبي عبد الرحيم وخصومه بمنطقة الحجوط حضره أمير (الجماعة الإسلامية المسلحة) آنذاك أبي عبد الله أحمد. * وفي ذي القعدة 1415ه الموافق لأبريل 1995 وبعد فترة من وصول أمير المنطقة الأولى عمور الحبشي إلى منطقة الونشريس عقد أبو عبد الرحيم (قادة بن شيحة) معه جلسات حضرها الكثير من الأمراء، واستمع الحاضرون في أول هذه الجلسات إلى كلام الحبشي الذي تحدث مفصلا عن انحراف قيادة (الجماعة الإسلامية المسلحة)، وبعدها تم مناقشة جملة من النقاط، وأول نقطة طُرحت هي مسألة تثبيت الجماعة المُفَجِّرَة للجهاد، والتي كان قد طرحها أبو عبد الرحيم على الحاضرين وألح عليهم بضرورة مناقشتها والفصل فيها، وبعد المناقشة تمكن أبو عبد الرحيم (قادة بن شيحة) من انتزاع الاتفاق منهم بما فيهم رؤوس التنظيم القطبي على »تثبيت الجماعة المفجرة للجهاد وهي جماعة محمد علال (موح ليفي) ونَفْي أن تكون أي جماعة كتنظيم غير جماعة (محمد علال) تَدَّعي تفجير الجهاد، والرد على البيان الأول الذي ثبت فيه أن للقطبيين يد في الجهاد«. * * 1 - هذه النقاط من نص التقرير الذي اتفق عليه بعض أعضاء المجلس الشورى ل(الجماعة الإسلامية المسلحة) يوم الأحد 02 ذي القعدة 1415 ه الموافق ل1 أفريل 1995، وهذا التقرير نُشر في شريط سمعي بعنوان (أحداث الونشريس).