الشيخ محمد العوضي الناس يحتاجون إلى الشعور بالعدل لكي يتفاعلوا إيجابيا مع حكوماتهم أوضح الدكتور محمد العوضي في هذا الحوار أهمية التركيز على معالجة الأزمات التي يعرفها العالم الإسلامي، والشباب خاصة، من جذورها، بعيدا عن سياسة التجريم والإقصاء والتهميش، وبعيدا عن سياسة الحلول الاجتزائية التي تعالج جزئية على حساب الكل * وقال الداعية الكويتي إن معالجة مشاكل الشباب، يحتاج إلى أكبر من الوعظ والكلام، وأن معالجة التطرف تحتاج إلى إصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي. * * بحكم تجربتكم الطويلة في الدعوة لدى أوساط الشباب، ما هي مجمل المشاكل التي يواجهونها اليوم، فيما لمستموه من الاحتكاك المباشر معهم؟ * كثر الكلام عن مشكلات الشباب، ونقرأ في الصحف وتكثر الندوات وتتداعى المؤتمرات واللافتات العريضة التي يُكتب عليها "مشكلات الشباب"، ثم يُسهب في البحوث والكلام وما يحضّر من جهة المختصين. قبل أن نتكلم على مشكلات الشباب، يجب أن نقرر حقيقة تربوية اجتماعية، فمن هم أولئك الشباب الذين نتحدث عنهم؟ أليسوا أنا وأنت في فترة زمنية مضت، وهو وهي كما يعيشون الآن، وهؤلاء وأولئك الذين مضوا عن هذه الحياة، فهل الشباب سوى جزء من هذا المجتمع القائم؟. مشكلات الشباب ما هي إلا عرض لمشكلات المجتمع بأسره، فهو إفراز لكل متشابك ومتداخل، لأنهم لا يعيشون في كوكب آخر، ولا يعيشون منعزلين عن بيت فيه أب وأم وإخوة، وعن مدينة فيها مطعم وملعب ومسجد وربما ملهى، وما سوى ذلك، فهم جزء من النسيج الاجتماعي، وأنا أقول: لكي نفهم مشكلات الشباب، يجب أن نفهم مشكلة أكبر وهي مشكلة المجتمع. ميزة الشباب عن غيرهم هي أنهم لا يمتلكون الخبرة والتجربة للتعامل مع الظواهر كما يتعامل معها المسنون وذوو الخبرة، وكذا أن فيهم من الخصائص والغرائز التربوية التي ندرسها ما يجعلهم يتميزون عن كبار السجن والناضجين. من هنا، يكون موضوعهم حساسا أكثر من غيرهم. ثم إن لدينا مشكلة أكبر، فالمجتمعات العربية، والجزائر من بينها، هي مجتمعات شبابية، وعندما نقرأ كتاب "موت الغرب" لبات بوكانون، وكان المرشح الثالث في الرئاسيات الأمريكية أيام آل غور وبوش، يُخبرنا أن المجتمعات الغربية تموت بسبب موت الأسرة فيها لانحسار الحرص على المواليد وانتقال الأسرة الريفية إلى أسرة صناعية رأسمالية، ثم إلى أسرة حداثية، ونحن نزيد عليه ونقول إنهم انتقلوا إلى نمط الأسرة ما بعد بعد الحداثة، حيث الشذوذ وإباحة الزواج متحدي الجنس، وهو ما يخلق نماذج أسرية لا وجود لها في التاريخ الإنساني بأسره كما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه "العلمانية الشاملة"، وهذا الجو غير موجود عندنا لأننا مجتمعات تراحمية تقوم على اعتبار البعد الاجتماعي الأسري والتربوي، وأنا وأنت لا تزال تخاف علينا أمهاتنا ونحن في سن الأربعين أو الخمسين، وكما يقول أنيس منصور: " الأولاد عندنا أعمال شاقة مؤبدة". * * وما هي إذن مشكلات المجتمع العربي الإسلامي، ما دام أنها هي منبع مشكلات الشباب وأصلها؟ * علينا أن نفهم المراحل السياسية والتاريخية التي مررنا بها قبل سقوط الدولة العثمانية وبعدها إلى اليوم؛ فالدول العربية تعرضت لاستعمار مباشر، ثم تخلصت منه ووقعت في الاستعمار غير المباشر، وهي مجتمعات مستهلكة ومستوردة، وعليها شئنا أو أبينا إملاءات وضغوطات قد لا تكون بتوافق مع السلطة ولكن بسبب الضعف يملي علينا الأقوياء شروطهم، ثم نحن كذلك مجتمعات تتلقى الثقافة الغربية والاستعمار الفرنسي مثلا في الجزائر حارب الهوية لغة ودينا وأعطى البديل الغربي لمدة تزيد عن 130 سنة، فعندما تريد هذه المجتمعات النهوض فإنها تجر خلفها ثقلا كبيرا خاصة وأن الدول الغربية وضعت في بلداننا وكلاء وسفراء لها يتكلمون بألستنا لكن هواهم أوروبي وأمريكي. هذه المجتمعات تعاني من قضية الفقر والجوع، كما تعاني من الجهل، وتعاني من شيء خطير وهو الخلط بين التقاليد والأعراف من جهة والأحكام الشرعية من جهة أخرى، ففي كثير من الأحيان تتقدم التقاليد والأعراف والموروثات غير الشرعية، وتحل محل الحكم الشرعي والعدالة الإلهية، مما يخلق خللا في مجتمعاتنا. * * وما هي أبرز الأزمات التي تؤثر على استقرار المجتمعات الإسلامية؟ * الشباب اليوم يعاني أزمة شهوات، وأزمة شبهات، فالغريزة تغرق في عالم الشهوات في حين أن مجتمعاتنا تعاني أزمة زواج وفقر وتعقيدات الزواج، بسبب الموروث والتقاليد التي حلّت محل الدين، أو بسبب تعقيدات الوضع الاقتصادي، مع ما ينتجه فتح الفضائيات على مصراعيها لتغرق عقول الشباب بالأفكار الغريزية المنحرفة وتخدير المشاعر وبيع الأحلام، مع وجود حملة لتشكيكهم في أصول دينهم وحقائقها. علينا أن نقول لحكوماتنا العربية إن الشاب العربي يعيش في أكبر مشكلة، وهي الازدواجية، فهو يرى وزارة التربية والتعليم تقول كلاما ينقضه الإعلام ووزارة الإعلام، ويتلقى في البيت تعليمات تنقضها مشاهداته في السوق والشارع والشاطئ، وما يُبديه خطيب المنبر يتنافى مع ما تسوقه المدارس الخاصة التي تسوّق قيما وأخلاقيات غربية، فما النتيجة الحتمية لهذه الازدواجية والتنافر في مصادر التلقي؟ النتيجة هي أن الشاب سيكفر بالجميع ويستقل بنفسه ليعيش حياة خاصة لا تنطلق من مفاهيم وأفكار وإنما من إشباع رغبات ونزوات فقط وذلك لتحقيق مصلحته الخاصة بغض النظر عن مصلحة المجتمع ككل. * * وكيف سيستمع الشباب، برأيكم، إلى مرجعياتهم العلمية والدعوية إذا حذّروهم من الفكر المتطرف الذي يؤدي إلى إزهاق الأرواح وإشاعة الفوضى والاضطراب؟ * لقد أجرينا في الكويت دراسة لا مثيل لها في العالم الإسلامي، وجاءت لتبحث عن أسباب التطرف والتكفير والتفجير، خاصة بعد 11 سبتمبر، وسألت الشباب في السجون ومحامييهم وبعض وزراء الداخلية في الأنظمة العربية والباحثين النفسانيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمفكرين وغير ذلك، فالتأملات العامة لا تكفي بل لابد من دراسات دقيقة، وقد اعتمدت الدراسة تحليل الأفلام والتمثيليات التي تتحدث عن الإرهاب. فالمسألة لا تحتاج إلى موعظة فقط.. جزء من المشكلة شرعي، وليس هو كل المشكلة، وجزء منها أمني، والحل ليس أمنيا فقط، وجزء منها سياسي، وجزء منها عوامل داخلية، وجزء منها يرجع إلى الإحباطات الداخلية التي يعيش فيها العالم الإسلامي، فالدم الذي نراه يُزهق على مدار الساعة في فلسطين وغزة وأفغانستان وفي العراق وتسلط العدو، فهذا التعقيد يحتاج إلى تحليل ودراسة كبيرة وليس مجرد كلام. علينا أن نُدرك التكفير من جهة، والإباحية من جهة، هما ردتا فعل غير سويتين على الواقع. فالتفجير والتخريب والتكفير، بصرف النظر عن النوايا لأننا نناقش الأفعال، تطرف، والشباب اليوم ما بين الإفراط والتفريط، ومعالجة هذا الأمر لا تتم بنصيحة من هنا أو موعظة من هناك، ثم تتبخر في الهواء أمام قصف متواصل على مدار الساعة بالتقنيات المعاصرة والغزو الثقافي. الحل الفعلي لا نصل إليه إلا في وجود نظام سياسي يقتنع بالإسلام ويعيش له وبه، وينزل أحكام الإسلام المدروسة على المؤسسات التربوية والأمنية والصحية والإعلامية، بحيث نكون تحت مظلة شاملة تأخذ منهجا متكاملا، وهذا لا يتم ما لم تكن هناك إرادة صادقة من القائمين على هذه المناهج والمؤسسات، والإسلام لا يعطي العلاج فقط، وإنما الوقاية، ثم تأتي العقوبة، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. * إن الأمر يحتاج إلى جهود متخصصين في كل المجالات، إضافة إلى الإرادة الصادقة، أما التغيير عبر "القوة الناعمة" من هوليوود فهذا ما ينبغي تجنّبه. الناس سيلتزمون بالقانون إذا أحسوا بالعدالة.. وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يُقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة"، وكما قالوا: "يبقى العدل والكفر ولا يبقى الظلم والإيمان". فنظرة المواطن للأنظمة ما دام فيها إحساس بالظلم فلن يكون هناك تفاعل إيجابي مع الوطن.. طبعا نحن نقول له: عليك أن تؤدي واجبك وأن تفعل الصواب بغض النظر عن نيلك لحقوقك، ولكن الناس هذه هي نظرتهم، فالعدالة هي من أهم مقومات الإصلاح.