استدعت الرئاسيات الإيرانية اهتمام العالم بأسره، ما بين العرب والغرب، وتمنى الجميع أن يفوز مير حسن موسوي بالانتخابات ليس دعما للمشروع الإصلاحي * * الذي يقوده تيّار الدكتور خاتمي وإنما باعتباره حسبهم أهون الضررين الذي من شأنه أن يدفع بالعلاقة بين الأطراف الثلاثة: الغرب ومنهم إسرائيل، والعرب، وإيران، نحو مسار تهدئة مؤقت تلتقط فيه أمريكا أنفاسها من العراق وأفغانستان، وتتفرغ فيه إسرائيل لحماس وحزب الله، ويتوجه فيه العرب إلى البحث عن عدو بديل يحافظون به على دورهم، بعد أن سوقت بعض دولهم نفسها لأمريكا والغرب على أنها حارس يصدّ امتداد الثورة الإيرانية والدعوة الشيعية ويحول بينهما وبين الانطلاق نحو العالمية. * هذه الانتخابات الإيرانية وما أثارته من جدل وحيوية لفتت انتباه أمريكا نفسها، حيث أكد البيت الأبيض في بيان له أن أمريكا "معجبة مثل بقية العالم" بالجدل المحتدم والحماس الذي ولدته هذه الانتخابات، وخاصة بين الشباب الإيراني، رغم أن النتيجة تعني إبقاء الصراع حول مشروع إيران النووي بالخصوص على حالته، في اتجاه إيران للحصول على التقنية النووية العسكرية، بعد ما كسرت "بيونغ يونغ" بتجاربها النووية المستمرة بعض الطوق المفروض على نظام "آيات الله". * غير أن العرب، والمقصود بعض الدول التي تخوض حربا بالوكالة على إيران، لم تر من هذه الانتخابات إلا الأسود الحالك، حيث ركّزت على النقائص والأخطاء وغلّبت وسائل إعلامها أخبار الاحتجاجات التي أثارتها الانتخابات على أخبار الانتخابات نفسها. * ليس من العيب أن يتحدث المتحدثون عن النقائص أو الأخطاء أو التجاوزات، أو حتى التزوير الذي يطال الانتخابات في إيران، فرهانات الرئاسيات أكبر من أن تُترك في العالم كله، بما فيه أمريكا وأوروبا، إلى مُجرَّد صوت المواطن بعيدا عن أي خلفية، ونحن نرى كيف تمارس مؤسسات الدعاية عملها للتأثير على الناخب وكسب صوته بطرق قانونية وغير قانونية. ولكن من العيب بالنسبة للعرب أن ينتقدوا التجربة الديمقراطية الإيرانية على كثرة أخطائها وتجاوزاتها وهم لا يعرفون في بلدانهم هذه التجربة ولا يقيمون أدنى اعتبار لصوت المواطن ولا يهتمون بمصالح بلدانهم القومية التي تتعارض مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية. * إيران ليست دولة تتبنى الديمقراطية المثالية، وحتى أمريكا نفسها لا تعترف بالديمقراطية المثالية ولا تقيم لها وزنا، ولكنها رغم كل التجاوزات والخروقات تضع مصلحتها القومية فوق كل اعتبار، ولهذا تمضي قُدُمًا في مشاريعها غير آبهة بالضغط العالمي عليها، فهل يعرف العرب شيئا من هذا؟