لم يعد يفصلنا إلا بضعة أيام عن الإعلان عن أسماء الناجحين في شهادة البكالوريا، في الوقت الذي بدأ الإعلان عن أسماء الناجحين في مختلف الإمتحانات الجامعية.. * * في عملية إكرام المرء أو إهانته بعد الإمتحان، وإذا كانت بعض الإمتحانات العلمية في بعض الجامعات مازالت تحتفظ بقدسيتها، فإن غالبية الشعب الجامعية صارت مجرد محطات يتوقف فيها الطلبة في طابور زمني يتسلمون في نهايته شهاداتهم "الورقية" التي ترسلهم نحو البطالة، أو نحو البحث عن مهن أخرى لا علاقة لها بالإختصاص الذي زاولوا فيه دراستهم الجامعية، وهناك من الطلبة من افتقد حلاوة إنتظار نتيجة الإمتحان نهائيا، مادام النجاح مضمونا، ولجأت بعض الكليات وفي جامعات كبيرة إلى إنجاح كل الطلبة من دون استثناء، ففقد الطالب الوازع الإجتهادي مادام النجاح لكل الطلبة الذين يدخلون الإمتحان، ويعترف الكثير من الأساتذة ومديري الكليات أن نسبة النجاح بلغت المائة بالمائة في كلياتهم، وهو ما جعل بعض الطلبة يختارون بعض الشعب لاختصار السنوات وأيضا لتحويل سنواتهم الجامعية إلى مرحلة للإستجمام وقضاء ربيع العمر في التسكع وممارسة الهوايات وقتل الوقت أو العمر.. وعندما يصبح النجاح للجميع من دون استثناء ويتساوى ساهر الليل بالذي لا يفتح كراسه طوال السنة وربما لا يمتلكه أصلا، وعندما يصبح وجود الأستاذ أشبه بعدمه، وتصبح الإدارة مؤسسة لطبع شهادات النجاح، فإننا نتساءل عن معنى الحصاد من دون زرع ولا درس. * إن الإستخفاف ببعض الشعب في جامعاتنا جعل خيار الطلبة يبقى محصورا على الطب والهندسة واللغات الأجنبية وبعض الشعب العلمية، رغم أننا حاليا من أكبر دول المعمورة جامعيا بأزيد عن مليون طالب وأزيد عن ستين جامعة، ولكننا لم نحرك هذا الساكن العلمي، مع إجماع على الانهيار المريع للمستوى، وتواصل نزيف الإطارات الكفؤة التي لا تطلب غير توفير ظروف العطاء، ووضع رجال العلم المناسبين في أماكنهم المناسبة. * صحيح أن شهادة البكالوريا في الجزائر مازالت محافظة على مكانتها لدى الجميع، ومازال الحصاد فيها حسب الجهد طوال العام، لكن كل هذا سيتبخر، عندما يصل الطالب إلى الجامعة، حيث تسقط المعادلة التي عوّد نفسه عليها في الطور الثانوي الأخير.. وهو ما جعل الحصول على البكالوريا بمعدلات تعجيزية يتبخر بمجرد أن تطأ أقدام الطالب المتفوق "الحرم" الجامعي، وهو ما جعل أيضا الأوائل في الجامعات يتيهون بمجرد مغادرتهم مقاعد الدراسة. * كلنا نشيد بالقوانين الصارمة التي تكبح منح شهادة السياقة من دون أن يبذل الممتحن الجهد لأجل الحصول عليها ونتمنى أن لا تمنح لمن لا يستحقها حتى لا يعيث موتا في الأبرياء، لكن الأخطر أن نمنح الشهادات العلمية لمن لا يستحقها، حيث يصبح الموت شاملا إجتماعيا وعلميا واقتصاديا.. وخاصة معنويا.