في إحدى المرات سألت أحد السياسيين المخضرمين في تونس عن أحد الشخصيات الإعلامية.. وبدون تردد، قال لي إن السياسة والتجارة لا يلتقيان، وصاحبنا أراد جمع المتناقضين... * وبعد سنين نلاحظ أن هذه المقولة تتكرر من طرف طبقتنا السياسية بالجزائر، فأصبحت إحدى القواعد المكيافيلية لساستنا.. والاشكالية أن العملية تتم في العلن بدل المستور.. فكم من قائد حزب سياسي باع مواقفه ورصيده من أجل حفنة زائفة أو المنصب بحجة التوغل واكتساب التجربة.. ونسي أنه تم أحتواؤه بالاموال.. معذرة شراؤه بشربة مياه.. وقد تكثر هذه النماذج الفذة أثناء مختلف الاستحقاقات الانتخابية.. فتتكاثر عملية شراء وبيع الذمم والمواقف.. فحتى الأحزاب تمارس هذا الاسلوب التجاري مع مناضليها.. بالترغيب في المناصب.. أو شرائهم بالتوصية، والتسفير.. وما أكثر أحزابنا المندمجة في هذا المسمى مما أدى إلى قتل العمل النضالي المخلص.. فأصبحت الحزبية وأعضاء الاحزاب.. بدلا ما يتم اعتمادهم في وزارة الداخلية كان الأجدر اعتمادهم في وزارة التجارة...!؟ * وإنني قد لا أسوق هذا الكلام من باب التهكم والاحتقار بقدر ما أسوقه على واقع وتجارب السياسيين بالجزائر، ألم نسمع في يوم من الأيام على حكومة المنشقين من مختلف التيارات.. وسبب تواجدهم هو إضعاف الحزب الأم.. ومعارضة خط سياسي معين.. واليوم، أغلب التصحيحيات.. تشم فيها رائحة التجارة بدلا التنافس على البرامج.. يتم التنافس على الأشخاص.. بدلا التنافس على المشاريع.. يتم التنافس على الزعمات.. ونفس الأسلوب -قد يتبع- في مستويات أخرى.. فأكثر الملفات بدلا ما تكون فيها محددات، ثوابت تصونها أو تحدد سقفها وحد التنازلات فيها.. فأغلبهم من الساسة قد لا يدخل بهذه الاستراتيجية.. واحيانا قد ينبطح دون أن يأخذ ادنى شيء.. أو أحيانا قد يبيع أكثر مما يعطى له من قيمة الشيء؟؟؟.. فالاختلال -حسب قناعتي- راجع للعديد من الأسباب أهمها البيئة المهيأة والتي أسهمت في هذه المنطلقات، فأصبحت القناعات دائما في مزاد علني، للمتاجرة والبيع.. فالشفافية وتنقل الاموال، والرقابة، وما هو لخزينة الحزب.. واستقبال الأموال دون معرفة مصدرها أحيانا.. أو مشكوك في بياضها كلها تحتاج إلى وقفات تشريعية وقانونية مع القوانين التي تنظم الحياة العامة والحزبية، فالبيئة السياسية أصبحت عبارة عن مستنقع متحرك.. يفترض فيه الحيطة والحذر.. والعنصر الثاني المؤسس لهذه العقلية وهم الرجال.. أو نزاهة الرجال لمواقفهم.. ومنطلقاتهم الفكرية.. والايديولوجية.. يبدو أن ذلك مفقود فالبرلماني، والمنتخب، وحتى المسؤول قد يعرض نفسه لمن يزايد أو يعطي أكثر.. فأزمة الرجال حقيقية،ولذلك يوميا قد نسمع بحركات وانشقاقات واحتكاكات داخل أغلب الأحزاب.. فالظاهر قد يوحي شيئا.. والباطن قد تشم -ولو من بعيد- رائحة التجارة وتقاسم الريع.. * فالبيئة والرجال، وعدم وجود إرادة سياسية جادة وصادقة، لوضع حد لهذه الممارسات وسوء القوانين أو المراقبة أو الزجر.. ساعد على تكاثر هذه الفطريات بحكم أن الكل مستفيد من هو داخل أو خارج اللعبة..!! * فالتنفيس وتنقية الحياة السياسية والمؤساساتية يحتم علينا وضع حد لهذه الفوضى بين ما هو تجاري وسياسي، ومن البدع الجزائرية، نحن البلد الوحيد الذي يمتلك أحزابا سياسية، قد تمتلك اعتمادا بدون قاعدة وطول العام نائمة ولن تنشط إلا أثناء بعض الاستحقاقات الانتخابية سواء بالريموت كونترول؟؟.. وأحيانا من خلال التجارة المربحة وتخصيص بعض المكافآت.. كل هذه المسببات -حسب قناعتي- أثرت سلبا على الحياة السياسية، مما خلق مؤشرات للامبالاة وعدم الاهتمام بالحياة السياسية والحزبية، مما ينتج عنه كمحصلة عامة ارتفاع نسب الممتنعين والمقاطعة للانتخابات... * فحتى في عقلية الشعبي البسيط بدلا ما المنتخب فلان الفلاني يوصف بموافقة، اقتراحاته، رجولته.. أصبح يوصف بسياراته.. ممتلكاته.. تجارته.. سرقاته المقننة.. وأحيانا قد تسمع حكايات.. ليست من الافلام الهندية بقدر ما هي حقائق مطلقة ويومية، فالقوانين والبيئة قد لا تساعد ان لم يكن هواء وجو مساعد وهي غرس ثقافة النضال بدلا من ثقافة التبزنيس والتجارة.. وأولها العمل الجواري.. والاحتكاك بالمؤسسات بدلا من الأشخاص.. فالقواعد الحزبية حتى الشعبي منها -البسيط- أصبح يتكلم بالملموس ولغة الارقام والفوائد. * فالسياسة والتجارة.. فعلا خطان متلازمان لا يلتقيان فإذا ما التقيا؟؟.. وهو ما حصل بالجزائر سيكون نزاع للمصالح، فيختلط الخيط الابيض مع الأسود.. ويصبح الحزب عبارة عن دشرة أو زاوية والكل يسبح برحمات شيح الزاوية أما القبيلة فينتفي فيها العمل المؤساستي المؤسس والمنافي لهذه القيم الداخلة عن أي نشاط سياسي أو حزبي.. لذلك العديد من الدول الغربية وضعت قواعد انذار مبكر ترصد أي انزلاق حزبي أو سياسي ولو كان رئيسا للدولة!!.. * فنكسون.. وبرلوسكوني وغيرهما من الرؤساء والوزراء، الذين استقالوا من منصبهم لكونهم تجرؤوا على أخذ هدايا قدمت لهم لا تزيد عن مائة دولار!!.. فهل من مستمع أو مجيب..؟؟!!