قرار منع القروض الاستهلاكية "حطّم" آمال الأسرة التربوية.. قرار منع القروض الاستهلاكية ينزل كالصاعقة على المعلمين.. و"الماروتي" في خبر كان نزل خبر منع القروض الاستهلاكية كالصاعقة على موظفي التربية والتكوين الذين يعتمدون بشكل أساسي على هذه القروض، في وقت لم تتمكن اللجنة الوطنية للخدمات الاجتماعية من تلبية الطلب الكبير جدا على قروض السيارات. * * ليضاف همّ آخر إلى فئة المعلمين التي تعاني من محدودية المدخول بالشكل الذي جعلها تلجأ إلى مصادر رزق أخرى خارج إطار الوظيفية، وما صاحب ذلك من مظاهر أساءت إلى مربي الأجيال ومخرج الناس من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم. * حاولت "الشروق اليومي" أن ترافق المعلم في رحلة ما بعد أجرته الشهرية وتسلط الضوء على واقعه المر ليس استخفافا بمن صنع أجيالا وأجيالا بقدر ما ينصب هذه الإستطلاع على إعادة صورة المعلم الحقيقية. * كثيرون هم أولئك المعلمين من حتّم عليهم الواقع المرّ لعب أدور أخرى خارج أسوار المدرسة، هي تلك القصص والنكت التي يرمى بها المعلمون في صورة تعكس شخصية يائسة أنهكتها "الشهرية"، وجعلته يلعب دورا آخر خارج أسوار المدرسة بحثا عن قوت عيشه. * من منا لا يذكر سنوات الثمانينيات وسنوات سوق الفلاح والأروقة الجزائرية، أي لما كانت البلاد تعايش أزمة مفتعلة للمواد الغذائية، ويومها كانت فئة من الناس تمدد علاقاتها وحنكتها لتظفر بكوطة من الزيت والقهوة والصابون والزبدة فتعيد بيعها في السوق السوداء، وللأسف حتمت ظروف المعلم القاسية أن يكون واحدا من الذين يقومون بعملية إعادة بيع هذه المواد ليظفر بدنانير معدودة، علها تدر عليه قوت عيشه، وبعد أن زالت هذه العادة مع سنوات القحط والجدب وذهبت معها أسواق الفلاح، ركب المعلم أمواجا جديدة تنبع كلها من عدم كفاية الأجرة الشهرية، وبدا لنا المعلم أفقر خلق الله في الأرض ،ولا يكاد يوفر قوت عياله، فأصبحنا نراه في كل مكان يتماشى ويتعايش مع الواقع. * بعد ذهاب مرحلة سوق الفلاح ابتكر بعض المعلمين طرقا جديدة تتماشى مع تطورات المجتمع، فكانت وجهتهم إلى ظاهرة "الكلانديستان" التي انتشرت بقوة وسط فئة المعلمين حتى قيل بأن أغلبية العاملين في "الكلوندستان" أو "الفرود" الكلمة الشائعة في الشرق، هم من المعلمين، وبلغ الأمر إلى حد إحصاء 6 معلمين من أصل 10 كلانديستان يلقى عليهم القبض متلبسين، بل أن بعض المعلمين تمكنوا من شراء سيارات جديدة بالتقسيط بفضل الخدمات الاجتماعية التابعة لقطاع التربية واستغلوها كمركبات "للكلانديستان"، ويؤكد لنا سائق سيارة أجرة من سطيف انه يعرف معلما اقتنى سيارة بالتقسيط، ولما أخرجها من عند الوكيل المعتمد توجه بها مباشرة إلى محطة "الفرود" عوض أن يتوجه بها إلى بيته لإدخال الفرحة على أولاده، الأخطر ما في الظاهرة أن يقوم المعلم بنقل التلميذ الذي يدرس عنده فتجده يركب معه في سيارته رفقة والده ليوصلهما بسيارته "الفرود" الى الوجهة التي يقصدونها، وهي الحادثة التي وقعت فعلا بسطيف حيث تفاجأ أحد الأولياء لما أخبره ابنه بأن صاحب سيارة "الفرود" التي أوصلتهم هو معلمه الذي يدرسه اللغة العربية. * من المعلمين أيضا من يفضل تدعيم دخله بالدروس الخصوصية، وبغض النظر عن سلبيات وايجابيات هذه الظاهرة فإنها تصب في نهاية المطاف في تلبية حاجة المعلم من الناحية المادية بسبب قلة مدخوله، والغريب أنها هي الأخرى تفاقمت بشكل لافت في السنوات الأخيرة ولم تعد مقتصرة على التلاميذ الضعفاء الذين نشأت من اجلهم، بل امتدت الى النجباء وأصبحت موضة لدى كل المتمدرسين وانقلبت الآية في نظر البعض وأصبحت المدرسة الأساسية هي الملحق والأصل في الدروس الخصوصية، وفي هذا الشأن يحكى أن احد التلاميذ قال لمعلمه انه لم يفهم الدرس. فأجابه المعلم بالقول: ذلك لأنك لا تأخذ دروسا خصوصية عندي. والمسألة أضحت محل تنافس بين المعلمين على مذهب الجزار والخضار، والزبون يبقى دوما هو التلميذ وهو من يدفع الثمن مرتين، وهذا ليس عيبا يتحمله المعلم، بل حاجته المادية التي دفتعه لذلك. * * إذا شاهدت مراكز البريد مكتظة فاعلم أن المعلمين يتلقون أجورهم * بين الكلوندستان والدروس الخصوصية، و"الطرح" في السوق والطراباندو وما شابهها.. كلها أفاعيل لم تعد تزعج المعلم ولا يتصبب منه العرق البارد حينما يمارسها أمام تلاميذه، لأن المعروف الآن وسط الأسرة التربوية هو أن أجرة المعلم غير كافية ولا تغطي متطلبات الشهر، وبالتالي فإن كل شيء بعدها مباح. والشائع عن المعلمين أنهم أكثر الناس حديثا عن الأجرة وغلاء المعيشة، وعلى سبيل المثال هناك حائط بوسط مدينة العلمة أصبح يعرف باسم "حائط المبكى"، ذلك لأن بعض المعلمين اعتادوا الوقوف عنده لا حديث لهم إلا عن الأجرة الشهرية وموعد تحويلها في الرصيد والبكاء على قلة المدخول وعدم القدرة على تلبية متطلبات العائلة. وإذا كان المجتمع عندنا يتفاعل مع العديد من الظواهر بالتنكيت، فإن المعلم لم يشذ عن القاعدة وأصبح محل تنكيت، خاصة فيما يتعلق بإتباعه سياسة التقشف في الميزانية حد اتهام المعلمين ورميهم بالبخل. * يحكى أن أحد المعلمين، أخبر الطبيب بأنه لابد عليه أن يجري عملية جراحية، ولما سأله عن تكلفتها، قال له الطبيب أنها تقدر ب 20 مليونا، وإن لم تجرها ستموت، فأجابه المعلم على الفور إني أفضل الموت على دفع هذا المبلغ. وهناك ثلاثة معلمين اتفقوا ضد زميل لهم فتوجهوا الى بيته وأصروا على شرب القهوة عنده، ولما أدخلهم، طلب من زوجته أن تحضر لهم القهوة فأخبرته هذه الأخيرة بأن السكر غير موجود، فقال لها لا يهم، آتيني بالقهوة وسأتدبر الأمر، ليدخل عليهم فيما بعد بثلاثة فناجين قهوة بدون سكر، ولما وضعها، قال لهم هناك فنجان واحد ليس فيه سكر، ومن كان من نصيبه سيضطر غدا أن يعزمنا على وجبة غداء، فشرع الثلاثة في شرب القهوة و م يشكو أحد من انعدام السكر وكل منهم يردد في كل مرة أن القهوة حلوة للغاية. * ويحكى أن ثلاثة معلمين توجهوا في رحلة الى شاطئ البحر فاقترح عليهم أحدهم فكرة الغطس في الماء، ومن يخرج رأسه أولا يدفع ثمن الغداء للبقية، فغاصوا في الماء ولم يخرجوا إلا بعد أن خرجت أرواحهم وفضلوا الموت على دفع ثمن الغداء. * * صانع الأجيال الذي يفني شبابه في منح العلم لا يكون إلا رسولا * هذه النكت وأخرى ليست تنكيتا على المعلمين أو استخفافا على صانع الأجيال، وإنما واقعه المر وأجوره المتدنية هي التي ألصقت بالمعلمين نكت البخل، لكن في حقيقة الأمر البخيل الذي يقدم علمه ويفني شبابه في عطاء لا ينتهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون بخيلا. * وجب التأكيد ان سرد هذه العينة البسيطة من النكت ليس من باب الإساءة للمعلم ولا للإنقاص من شأنه بقدر ما هي محاولة للفت الانتباه الى ظاهرة سيئة ولدت من رحم الواقع المر، وتؤكد مدى الانحطاط الذي حل بنا، خاصة لما يتعلق الأمر بالعامل الأساسي لصناعة الأجيال. * فإذا كان عقل المعلم يجمع بين الطراباندو و"الفرود" والعضوية في المجالس المنتخبة ومداخيل الدروس الخصوصية، وكل هذا، لأن الإصلاحات شملت كل شيء إلا وضع المعلم. * والملاحظ ان الإصلاحات التي عرفها قطاع التربية في بلادنا أهملت بشكل كبير العامل الأساسي في العملية التربوية والتعليمية وهو المعلم الذي يواجه واقعا مرا في حياته اليومية نتيجة محدودية دخله التي صنفته قهرا ضمن الطبقة الكادحة. وهذا في الوقت الذي يحظى زملاؤه في المهنة بمكانة رفيعة في الدول الغربية. * * نقابات التربية: أوقفوا تنكيتكم بالمعلمين * لم تنف الأسرة النقابية من معلمين وأساتذة ونقابيين وضعية المعلم المزرية التي صنعت من ظروفه القاهرة شخصا ألصقت به الكثير من النكت، في الموضوع اتصلنا بالمكلف بالإعلام لدى الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين "مسعود عمراوي" الذي رد قائلا: * إن درجة الإنحطاط الذي آل إليه المجتمع وأصبح يرى في صانع الأجيال "نكتة"، ومحل تنكيت، وهو مستوى منحط لا يقارن بمستوى الأمم المتحضرة، لأنه لا يعقل بأي حال من الأحوال أن يحكي التلميذ "نكتة عن معلمه الذي أخرجه من ظلمات الجهل"، وقال عمراوي بأنه لا يوجد أي مبرر حتى يكون المعلم محل استخفاف وتنكيت، بل أن الواقع فرض عليه ذلك. * من جهة، قال عدد من ممثلي نقابات قطاع التربية أن صعوبة المعيشة عند المعلم وتحمله لأعباء اجتماعية ثقيلة تجعله يدخل دائرة الإحباط والتشاؤم، وقد تدفع به الى التفكير في الانخراط في قطاعات أخرى حتى وإن كان مع "الفرو" والطراباندو وغيرهما، وهذا ليس عيبه، بل عيب السلطات التي دفعته لذلك، وإهمال مهنته الحقيقية.