بطل برتبة راعي غنم .في الجزائر لا غرابة !! ميداليات عالمية وبطولة الجزائر ل 11 سنة.. كلها تغرق في بحر النسيان "يقشعر بدني لما أشاهد انتصارات الفريق الوطني" مفارقات غريبة في الوقت الذي بلغ فيه عشق الجمهور الجزائري للرياضة ذروته نجد بطلا من أبطالها الذي شرف الجزائر في عدة مناسبات وأهدى لها ميداليات وأوسمة يقبع هناك بأعالي جبال إحدى المناطق النائية بولاية البويرة، ليتحول إلى راعي غنم يخرج مع بزوغ أولى خيوط الفجر رفقة ماشيته حاملا فوق كتفيه كيسا من القماش، يحوي على وجبة إفطاره، ليعود مع حلول الظلام حيث يسامر عائلته ويروي لهم قصص بطولاته عندما كان "رومبو زمانه". * إنه بطل المصارعة الحرة والإغريقية الرومانية "مجري سليمان" 57 سنة، لأب ل 6 أبناء والذي لا يمكن الحديث عنه دون الرجوع إلى مشواره الرياضي الزاخر بالإنجازات والألقاب والتتويجات والتشريفات والاعترافات، لأنه ببساطة ترك بصماته أينما حل، سواء كمصارع أو سفير للمصارعة الحرة والإغريقية الرومانية.. * * هكذا كانت البداية..! * * عقارب الساعة كانت تشير إلى التاسعة صباحا عندما وصلنا إلى المنطقة المسماة "صحاريج" الواقعة بأعالي دائرة "أمشدالله" شرق ولاية البويرة، الوصول إلى بيت بطلنا لم يكن صعبا، فبمجرد أن وطئت أقدامنا المنطقة وسؤالنا عن بيته رد علينا أحدهم بسرعة "من لا يعرف "الروشي" سليمان بطل المصارعة الذي دار عليه الزمن ليصبح مجرد "راعي غنم" مع أنه إنسان يمكن أن يقدم الكثير للرياضة الجزائرية. * * وصلنا إلى بيت عمي سليمان وقرعنا على بابه ليخرج شخص يبدو من بنيته الضخمة وقوامه الطويل أنه الشخص الذي نبحث عنه، وبعد أن كشفنا له عن هويتنا قال لنا "أنا هو سليمان، فإذا كان حديثكم معي من باب التشهير أو الشفقة فلا أريد التصريح بأي شيء، وإذا كان من أجل الرياضة فمرحبا بالشروق الجريدة التي طالما كانت الأنيس الوحيد في عزلتي هذه...". * * استقبلنا في بيته المتواضع، والشيء الأول الذي شد انتباهنا في قاعة الضيوف هو الكم الهائل للميداليات والشهادات التي علقت بالجدران والكؤوس التي وضعت فوق الطاولة في إحدى زوايا القاعة... * * ولم نمكث طويلا حتى بدأ عمي سليمان يروي تفاصيل مشواره الرياضي كمصارع.. قائلا "كان عمري لا يتعدى 18 سنة، ومع هذا أعطاني الله قوة في بدني توصف عند البعض بالمعجزة الإلاهية، حقيقة كنت أعشق المصارعة إلى حد الجنون، لكن كوني أسكن في منطقة نائية لم أجد من يساعدني ويدفع بي خطوات إلى الأمام... ولم أكن أعلم بأنني سأصبح بعد 5 سنوات تقريبا بطلا للمصارعة...". * * يخرج عمي سليمان زفرة قوية ويواصل حديثه "في أحد الأيام اطلعت في إحدى صفحات إحدى الجرائد اليومية آنذاك على إعلان لمن يريد الالتحاق بالمدرسة العسكرية للتربية البدنية والرياضية ببني مسوس بالعاصمة، وكانت فرصة من ذهب لتحقيق طموحاتي وآمالي، فالتحقت فعلا بالمدرسة كمتطوع وتدربت لمدة سنة كاملة في كل أنواع الرياضات، ولم أكن أنتظر الأثر الكبير الذي تركته فنياتي في نفوس مدربي ومسيري المدرسة، ومع هذا كان لي إمكانيات وقدرات عالية في رياضة المصارعة الحرة والإغريقية الرومانية، حيث حققت نجاحا كبيرا فيها." * * يتنهد عمي سليمان مرة أخرى وينظر إلينا بنظرة تخفي وراءها الكثير من الأمور ويقول "واصلت التدريبات، ولم أمكث كثيرا في القائمة الطويلة للمصارعين التواقين لتقمص الألوان الوطنية، حيث مثلت الرياضة العسكرية في عدة مناسبات وتحصلت على المرتبة الأولى في البطولة الجزائرية وأصبحت في الفريق الوطني الجزائري العسكري والمدني ثم انتدبت إلى الفريق الوطني المدني الجزائري، حيث قمت بعدة تربصات خارج الوطن "ألمانيا الديمقراطية، روسيا، روسياالبيضاء، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا... وغيرها من الدول، حيث تم تكويني على يد أحسن المدربين في رياضة المصارعة الحرة والإغريقية الرومانية، وفعلا اكتسبت تجربة وخبرة كبيرة في الميدان، قبل أن تأتي النقلة الكبيرة التي جعلتني بطلا للجزائر في المصارعة الحرة في الوزن المتوسط الثقيل (82 كلغ) لمدة 11 سنة على التوالي؛ أي ما بين 1975 إلى غاية 1986، حيث تحصلت على الميدالية الفضية في الألعاب الإفريقية الثالثة والميدالية البرونزية في البطولة العالمية في بغداد، وفي سنة 1979 تحصلت على المرتبة الرابعة في البطولة العالمية العسكرية، وفي سنة 1982 تحصلت على الميدالية الذهبية في بطولة المغرب العربي للمصارعة، وواصلت المسيرة إلى غاية 1986 حيث وجدت وضعيتي المادية في الهاوية إذ لم تجد عائلتي التي أهملتها وأنا أحقق النجاحات وأشرف الجزائر بدون أي ضمانات أو مساعدات قوت يومها، ولهذا قررت باسم زملائي في الفريق الوطني للمصارعة التحدث إلى وزير الشباب والرياضة آنذاك بشأن تقديمه لنا يد المساعدة وإنشاء قانون أساسي يحمي الفريق ويضمن له حقوقه الكاملة ووعدنا بذلك، لكن مع مرور الأيام اكتشفنا أن وعوده كانت مجرد شعارات جوفاء خالية من الصحة، وبالتالي كان السبب المباشر في تشتيت الفريق الوطني للمصارعة بنوعيها الحرة والإغريقية الرومانية حيث اختار كل واحد منا سبيله بحثا عن قوته وقوت عائلته..." * * ومع هذا فإن عمي سليمان لم يستسلم بل واصل الدرب، حيث أصبح مدربا للمصارعة الحرة ببلدية امشدالله، وقام بفتح عدة فروع "منها فرع شرفة، توريريت، صحاريج..." ثم تم انتخابه كرئيس للرابطة الولائية للمصارعة الحرة والإغريقية الرومانية، ونظم عدة مناسبات في أعلى مستويات بين مختلف الفروع، وتخرج على يديه الكثير من العناصر الممتازة التي تمثل الجزائر اليوم قبل أن يتعرض للتهميش والإهمال على جميع المستويات، ليصبح مجرد راعي غنم، مع أنه يستطيع أن يقدم لرياضة المصارعة الكثير والكثير، ويمكن أن يصنع فريقا من ذهب يشرف ألوان العلم الوطني في كل أصقاع العالم.. فهل ستتذكره وزارة الشباب والرياضة الحالية أم ستسلك نهج سابقاتها...؟ * * * يقشعر بدني لما أشاهد انتصارات الفريق الوطني * * أما فيما يخص الفريق الوطني، يقول عمي سليمان "إنني أعشقه، وكلما حقق فوزا يقشعر بدني وتعود بي الذاكرة إلى ما عشته من لحظات الفرح مع المنتخب الوطني للمصارعة في سنوات العز.. وإنشاء الله سنتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا بعد غياب عنه أكثر من 24 سنة، وأقول لأشقائنا المصريين إن ظروف موقعة 14 نوفمبر القادم مختلفة تماما عن ظروف المباريات التي يتشدقون بها، إذ يتوجب على الفراعنة التسجيل أكثر من هدفين، وهي مهمة تبدو مستحيلة في ظل قوة أشبال سعدان الذين بمقدورهم الوصول إلى شباك عصام الخضري، وإن شاء الله سنكون في الموعد، ونطلب من الشعب الجزائري أينما كان وحينما وجد أن يدعو لفريقنا بالتتويج". * * * وقفات * * يقول البطل مجري سليمان باختصار: * * "رابح ماجر كان أحسن صديق ورفيق منذ التحاقي بالمدرسة العسكرية للتربية البدنية والرياضية ببني مسوس". * * "أتذكر لحظات استقبالي من طرف الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله سنة 1978 إثر تشريفنا للجزائر، حيث تحصلت على المرتبة الثانية في الألعاب الإفريقية الثالثة". * * "الكولونيل مترف محمد أوبلعيد كان السند والمدد الذي طالما شجعني للوصول إلى القمة". * * المدرب ريكالوف وسيركياف الروسيان قاما بتدريبي بطريقة جد قاسية، ولكن كلما أنتهي من التدريب يقولان لي "لا يوجد شيء يأتي بسهولة، يجب عليك أن تتعب وتصبر لتنال". * * "موالك، حشايشي، عثمان سعيد، عاشور غربي، سنوسي... وغيرهم رفاقي في الدرب، تمنيت لو أعرف مصيرهم. * * الرياضة تسري في دمي و"الشروق" تؤنس وحدتي. * * * قالوا عنه: * * المدرب السوفياتي يوري جوكوفسكي للمصارعة الحرة: "سليمان مجري جوهرة أزلية وإنجازاته فريدة من نوعها، شكل عند المصارعين والمدربين والجمهور رمزية كبيرة تمنح عادة للمصارع الأكثر تأثيرا على زملائه فوق الميدان" عن جريدة الشعب الخميس 7 جانفي 1982. * * الرئيس الراحل هواري بومدين خلال تكريمه للفريق الوطني للمصارعة إثر عودته من الألعاب الإفريقية الثالثة: "شكرا لك يا سلميان فأنت فخر للجزائر ويجب الاعتناء بك فنحن بحاجة إلى أمثالك". * * رابح ماجر: "سليمان مجري مصارع ذو قدرات عالية، كما أنه يتمتع بشخصية فولاذية وموهبة لا متناهية، فهو يحسن مداعبة جسم الخصم ويلمسه بطريقة تمتزج فيها اللمسة القوية والفعالية المتناهية".