هل تتوقف الوطنية التي اندلعت في قلوب الجزائريين عند كرة القدم فقط؟ وهل تبقى التكريمات والتشريفات والملايير مخصصة للمبدعين في عالم كرة القدم فقط؟ وهل سننسى التحديات الاقتصادية والثقافية والعلمية ونبقى حبيسي البحث عن التفوق الكروي فقط؟ * * أسئلة كثيرة حان الوقت للإجابة عنها وسط هذا الواقع الجديد الذي وجدنا أنفسنا فيه ونحن نعيش سنة هجرية جديدة وعلى مشارف السنة الميلادية الجديدة، ما حدث مؤخرا من استعادة الجزائر لأبنائها الذين تجنّس بعضهم بالجنسية الفرنسية ولعبوا لمنتخب البلد الذي استعمرنا هو انتصار للجزائر لو يكتمل باستعادة بقية الأبناء الفاعلين في مختلف المؤسسات العالمية حتى ولو صرفنا عليهم أزيد عن المبلغ "الخرافي" الذي تحصل عليه لاعبو الكرة نظير تأهلهم إلى كأس العالم وليس الفوز بكأس العالم.. نتفق جميعا أن مشكلتنا ليست في الكرة التي نعترف أنها منحتنا الفرحة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة, وإنما أيضا في أمور كثيرة وجب الآن التفكير في فك شفراتها, والدولة التي قررت الآن البحث عن نجوم الكرة الجزائريين الذين تربّوا في فرنسا وتعلموا أبجديات اللعبة في باريس وفي غيرها من أمصار العالم ونجحت في استرجاع الكثير منهم عليها أن تفكر بذات الإرادة في استرجاع عباقرة الجزائر في مختلف العلوم والمعارف, ومعظمهم تتلمذ في الجزائرالتي صرفت عليهم وأوصلتهم إلى القمة العلمية التي يتربعون عليها الآن ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر البروفيسور إلياس زرهوني، أحد أعمدة الطب في أمريكا , والعالم كمال صنهاجي، أحد الباحثين المعترف بهم في باريس في مكافحة داء السيدا , والمهندس محمد بنات، الذي تعتبره اليابان من ثرواتها القومية .. * الجدل الذي أحدثه قدوم أو عدم قدوم اللاعب الجزائري المحترف في إسبانيا "لحسن" في الأيام الأخيرة أكد أن الدولة تبذل فعلا جهدا معنويا وماديا لأجل الاستفادة من أبنائها حتى وإن كان بعضهم اختار في زمن سابق جنسية وطن آخر, مدعمة في ذلك بشغف المواطنين بالكرة .. الجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة عليها الآن أن تبذل هي أيضا جهدا مماثلا بنفس الدعم المادي والمعنوي من الدولة لأجل استرجاع الكثير من الأمخاخ الذين يحلّون مشاكل المجتمعات الغربية, لأنه من غير المنطقي أن ترسل الدولة مريضا جزائريا إلى إيرلندا ليداويه طبيب جزائري وتصرف هي أو أهل المريض بالعملة الصعبة على الطبيب وعلى الممرضات الأجنبيات وحتى على منظفة غرفة العمليات, ومن غير المنطقي أن تفتح الجزائر استثمارا في أراضيها يتضّح أن القائم عليه مهندس جزائري يحضر معه عمالة أجنبية لنا أمثالها بمئات الآلاف من البطّالين.. ما لا يعلمه الكثيرون أن تجربة تطعيم منتخب الكرة مثلا بلاعبين محترفين في الخارج ستعطي دفعا للموجودين في الجزائر لأجل البروز ورفع التحدي, وتطعيم الجامعات الجزائرية والعيادات بإطارات وأساتذة وأطباء يعيشون في الخارج سينعش الحياة العلمية والطبية في الداخل. وإذا كنا جميعا لا نقدّر الفرحة التي عشناها خلال نوفمبر الماضي بثمن، ولا يهمنا ما أنفقته الدولة على اللاعبين الذين استرجعتهم من أوربا فإننا لن نقدّر أيضا الفرحة بثروات الدنيا لو حققنا الاكتفاء الغذائي الذاتي والبحبوحة الصحية والاقتصادية والانتعاش الثقافي والاجتماعي , وقضينا على مشاكلنا المتشعبة لأن أمثال اللاعب لحسن التائه في " سانتندار " كثيرون وفي في كل دول العالم وفي جميع مجالات الحياة .