"أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجل استقرار المنتخب الوطني لكرة القدم".. هذه رسالة من بين عشرات الآلاف من رسائل التضامن التي تهاطلت على مختلف العناوين الإعلامية والالكترونية الجزائرية، فيها الكثير من الصرامة والحزم والحدّة التي تحتاج فعلا للدراسة، لأن كرة القدم وما حققه منتخبنا الكروي صار الآن ظاهرة اجتماعية قوية، فنحن جميعا متفقون أن ما يحدث حول منتخب الكرة قمة الوطنية، وفي ذات الوقت جميعا نعجز عن معرفة لماذا لا نجد هذه الهبّة في الفلاحة التي حوّلت أراضينا التي كانت تبيع الفراولة لأوروبا تعجز عن زرع وجني العدس، وفي الصناعة التي حوّلت أسواقنا إلى أكبر مستورد من سم الخياط إلى الجمل وما حمل، وفي الثقافة حيث نعجز عن إنجاز لحن موسيقي أو لوحة زيتية، ونعجز عن إيجاد من يستمع لهذا اللحن إن وجد ويتفرج على هاته اللوحة إن رسمت. * * الذين ظنوا أن أفراح الفوز إنتهت مع صافرة نهاية مباراة الكرة وتحقق حلم سفرية جنوب إفريقيا وإخراج الناس بكل أطيافهم وأعمارهم ومستوياتهم لزفرات وشهقات بقيت حبيسة منذ أن اكتوى الوطن بنار الفتنة، الذين سكنتهم هذه الظنون تيقنوا الآن أنهم خاطئون، فالناس يشعرون بأبوتهم لهذا الفتى الذي سيحمل قميص وطنهم في أنغولا، وفي غيرها من الأوطان، وإذا اشتكى وهو في أقصى الجنوب القاري تداعى له الجسد كاملا بالسهر والحمى في هبّة وطنية نتمنى أن تنتقل لبقية المجالات، بل دعونا نقزّم أطماعنا وننقلها فقط إلى بقية الرياضات. ونحن نعلم أن منتخب كرة اليد مثلا سيلعب أمم إفريقيا في القاهرة وهو المنتخب الجريح الذي توّج باللقب القاري خمس مرات وشارك في المونديال عشر مرات ويحتاج بالتأكيد إلى بعض الاهتمام. ورياضات منحتنا ما حرمتنا منه الكرة مثل ألعاب القوى والملاكمة، وخاصة المصارعة التي لولاها لما وجدنا إسمنا في آخر أولمبياد جرى في الصين الذي دعانا ديننا أن نطلب العلم ولو منها، فصرنا نطلب ما لذّ وطاب فقط. * جميل أن نعلم الآن أن منتخب الكرة الذي هو واجهة البلاد له قانون داخلي وسلم منح وتحفيزات وقواعد إحترافية، و"الجميل" أن يصبح له أشقاء كثيرون ليس في عالم الرياضة وإنما في المعارف والعلوم، فمتى يسمع بروفيسور في الطب أو أستاذ جامعي أو باحث في المخبر أن منحة ترصدها أكاديمية عليا إذا تمكن من بلوغ إنجاز علمي آخر يخرجنا من ظلام اليأس إلى نور الأمل، ومتى تمد السلطة والشعب معا أيديهما لكل المبدعين في مختلف المجالات حتى تصبح الوطنية "حياة كاملة" تسير في أسواقنا وجامعاتنا وحقولنا ومصانعنا وحتى في شوارعنا، حيث عشر السكان من البطالين. * أجمل ما في حكاية الكرة لحد الآن أن الإعلام العالمي الذي كان لا يذكر إسم الجزائر إلا وذكر الموت والنار، صار الآن يذكر نصرها وفرحتها,ولكن علينا أن لا نبقى حبيسي قنوات الرياضة في مواسم الدورات الكروية فقط، وأن يستعمر إسم الجزائر بقية الفضائيات الثقافية والاقتصادية، ولنعتبر ما حققته لنا الكرة من إلتحام ووحدة ووازع وطني خطوة في رحلة الألف ميل نحو الخروج من مأزق التخلف.