قوانين المرور المتتالية لم تنفع في محاربة حوادث الطرق. لكن هل الخطأ في القانون، أم في السائق، أم في صاحب القانون؟ * استقبلت الطرق الجزائرية قانون المرور الجديد بمآسي جديدة. وكان حصاد الطرق من موتى وجرحى خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي لا يختلف عما كنا نسجله في السنوات الماضية. وكان عدد الضحايا باهظا حيث تم تسجيل عشرة موتى في حادثين وقعا في نفس اليوم، وكأن الطريق تريد أن تؤكد أنها ترفض تغيير إحصائياتها مهما فعلت الحكومات المتتالية ومهما ارتفع عدد حواجز المراقبة. * وتتواصل المأساة رغم الإجراءات القمعية الجديدة التي تم إدماجها في قانون المرور. وقد قررت الإدارة رفع العقوبات ضد السائقين الذين يخالفون القانون بصفة ملحوظة، بما فيها تهديد أصحاب السيارات بالسجن قي بعض الحالات. وأكد القائمون على الملف أنهم مستعدون للعمل بصرامة من أجل القضاء على هذه الظاهرة التي جعلت طرق الجزائر من أخطر الطرق في العالم. * لكن هذه الوسائل القمعية لم تنفع في الماضي، ولم تنفع اليوم، ولن تنفع في المستقبل، وهذا ما ترفض الإدارة أن تفهمه. إن التدابير الجديدة للحد من حوادث المرور جاءت بصفة عشوائية، لم يسبقها نقاش حقيقي ولا دراسات مقبولة. إنها إجراءات بيروقراطية اتخذها أناس يعتبرون أن القمع هو الأداة أساسية لتنظيم العلاقات الاجتماعية: إذا أراد طبيب أن يحتج للمطالبة بحقوقه، فلنبعث إليه قوات الأمن، وإذا تسبب صاحب سيارة في حادث مرور فلنسلط عليه أقصى العقوبات. إنها نظرة بدائية لتنظيم المجتمع، نظرة تنكر كل ما توصلت إليه الإنسانية من أبحاث وتفكير في هذا الميدان. * وقد استقالت المؤسسات الوطنية المكلفة بحوادث المرور مثلما استقالت المؤسسات المكلفة بالاقتصاد والعدالة وغيرها. ولم يبق لوزارة النقل في الموضوع إلى شبه وجود تبرر به الميزانية التي يتم تخصيصها للوقاية. وأصبحت مصالح الأمن هي المتدخل الأساسي في الميدان، فاستولت على صلاحيات المؤسسات المختصة في تحليل حوادث المرور، ثم استولت على صلاحيات الوزارة في تحضير القانون، كما استولت في نهاية المطاف على صلاحيات البرلمان في الموافقة على القانون الجديد... * وقد وقع خطأ أول لما تمت المصادقة على القانون القديم الذي أدى إلى الفشل. لكن لا أحد اتخذ العبرة، فعادت نفس الأطراف التي فشلت لتعيد الكرة، وتستعمل نفس الطرق القمعية لتغيير القانون، لتذهب مرة أخرى إلى نفس الفشل. * وكان من الأجدر بالحكومة أن تتساءل: لماذا يحترم المواطن الألماني أو السويدي قانون المرور في بلاده، بينما لا يحترم المواطن الجزائري نفس القانون في الجزائر؟ لماذا يحترم المواطن الجزائري قانون المرور لما يسافر إلى ألمانيا أو السويد ولا يحترمه في بلاده؟ * إن المواطن الألماني يحترم القانون بصفة عامة لأنه مقتنع أن القانون يحميه من ظلم الأقوياء ومن طغيان الأغنياء. إنه يعرف أن القانون يضمن حريته وحقوقه، وأن كل المؤسسات المكلفة بتطبيق القانون تحترم القانون. أما المواطن الجزائري فإنه يعتبر أن القانون أداة بين أيدي الأقوياء لقهر الضعفاء، ولذلك فإنه يعتبر أن القانون لا ينفع، خاصة وأن الناس الذين "نجحوا" في الدنيا وفازوا بالمال والمناصب هم أولائك الذين يعيشون فوق القانون. وحتى المواطن الجزائري الذي يسافر إلى ألمانيا أو السويد، فإنه يعرف أن القانون له معنى في تلك البلدان، وأنه يحميه حتى من ظلم السلطة الحاكمة في ألمانيا أو السويد، مما يدفعه إلى احترام ذاك القانون. * ومن هنا يتضح أن عملية إصلاح قانون المرور تبدأ في الحقيقة بإقناع الجزائريين أن القانون يحميهم ويضمن مصالحهم، وأن عدم احترام القانون لا يشكل دليلا عن القوة، إنما يشكل دليلا على أن من يتصرف بهذه الطرية إنسان غير متحضر وجاهل، حتى ولو كان وزيرا أو مسئولا كبيرا في الدولة... * بقي علي أن أقتنع، أنا، أن ما أكتبه صحيح...