تواجه المشاورات التي تجريها السلطة مع مكونات الطبقة السياسية والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني حول مراجعة الدستور، شبح تمييع القانون الأول في البلاد، الذي يفترض فيه ضبط الاكتفاء بمحاور كبرى تحدد هوية الدولة ونمط تسييرها، وترك الجزئيات للهيئات التشريعية المخولة. فبعد خمسة أيام من المشاورات التي شرع فيها الأحد الماضي، برزت في تصريحات الشخصيات التي مرت على طاولة مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى المكلف بإدارة التشاور حول الدستور، مطالب تعتبر من قبيل جزئيات لا ترقى إلى مستوى دسترتها. فقد طالب الشيخ بوعمران بدسترة المجلس الإسلامي الأعلى الهيئة التي يتولى رئاستها، وتواجه تداخلا في الصلاحيات بينها وبين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وطالب محمد الصغير باباس هو الآخر بدسترة المجلس الاقتصادي والاجتماعي(الكناس)، ودعا رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني إلى دسترة "تكليف الجيش بحماية الدستور" ودسترة "الأمن الغذائي للجزائر" ودسترة "استقلالية القضاء" والعودة لمسمى "رئيس الحكومة بدل الوزير الأول". كما وردت دعوات لدسترة "تجريم الرشوة والفساد" مع العلم أن هذه الظاهرة مجرمة في كل القوانين الجزائرية وفي القانون الدولي، فضلا عن مقترح دسترة "المصالحة الوطنية" الذي نصت عليه مسودة تعديل الدستور، وتضمنت أيضا "ترقية المجتمع المدني" بيد أن ترقية وتطوير المجتمع المدني يصبح أمرا حتميا بمجرد التنصيص على مبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير. واقترح حزب تجمع أمل الجزائر الذي يرأسه وزير النقل عمر غول دسترة "إعطاء مكانة أكبر للشباب والقدرات الوطنية داخل الوطن أو خارجه، والسماح للجالية الجزائرية في المهجر بالمساهمة في بناء الوطن"، وكأنه من الممكن والمسموح به للدولة أن تستغني عن فئة الشباب، والمواطنين المقيمين في الخارج. وتلقى أويحيى مقترحات كالتي تقدم بها رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي وتنص على دسترة إنشاء "مجلس أعلى لترقية اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية، ومجلس أعلى لترقية حقوق الإنسان، ومجلس أعلى للشباب، ومجلس أعلى للإعلام". وستتلقى هيئة إدارة المشاورات في قادم الأيام مزيدا من المقترحات التي تعد من قبيل الجزئيات المعبر عنها بدافع النظرة القاصرة لمفهوم الدستور، الذي يتأسس في كل بلدان العالم على مبدأ الاختصار والشمولية، لا التعميم والتمييع، الذي تسقط فيه الأحزاب والشخصيات المدعوة للتشاور، على خلفية فقدان الثقة بالهيئات التشريعية للدولة، والخوف من التفسير المطاطي للقوانين التي عادة ما تسن على مقاس السلطة الحاكمة.