قضى العربي ليلته الأولى في فندق صغير, أقيم عند نهاية شارع "الموسكي" لم يغمض له جفن, فبداية اللقاء مع مدينة سمع عنها الكثير لم تكن مشجعة, لكن ماذا عساها أن تفعل له إذا كان هذا اختياره?!, وبداية المشوار تتطلب التقتير خشية الحاجة للآخرين, وقد قيل له قبل وصوله: إذا احتجت للمصريين في القاهرة فلن تجدهم, لأن لكل منهم في حياته الخاصة والعامة شيء يعنيه, وحتى إذا وجدتهم شخوصا تسير أمامك, فإنك إذا دنوت منهم ستجدهم كالسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. حين أشرقت شمس القاهرة في اليوم الأول من حياة طالت بعد ذلك لسنوات, سمع أصوات الباعة المتجولين, خرج باحثا عن فندق آخر, أكبر وأنظف لكنه لم يكن يعرف إلى أين يتجه, فقادته رجلاه باتجاه اليسار, تارك اليمين ليعرف بعد سنة أنه لو اتخذ اليمين طريقا لوجد نفسه في كنف مسجد الحسين, ولعرف جامع الأزهر في يومه الأول. ها هو يسير بخطى ناسيا تعب الليلة, ثابتة الأولى .. يقطع خط الترماي, ثم يواصل طريقه إلى أن يجد نفسه في ميدان العتبة وسوقها الشعبي, ويرى فندقا أكبر من الأول بازغا, فيقيم فيه يوما وليلة, وكان أحسن مظهرا وأنظف من الفندق الأول لكنه بدا على الخط المقابل للميدان - ولقربه من المسرح - كأنه نهاية شارع الموسكي .. تلك مسافة قطعت في ليلتين ويوم, فكيف له أن يقطع باقي الأماكن?, وكم يلزمه من الوقت?! نام ليلته الثانية, مطمئنا رغم الخسارة التي مني بها حين اشترى من بائع فواكه على نور مصباح غاز, كيلو غرام من الجوافة, معتقدا أنها إجاص - كمثرى - حتى إذا ما وضع إحدى حباتها بين أسنانه وقضم منها قطعة, بدا له طعمها غريبا, وبقي يكره أكلها طول العمر, وإن كان يفضلها عصيرا. عندما حل صباح اليوم الثاني حمل حقيبته, وذهب باحثا عن فندق آخر, وفي الطريق أبصر نساء موشحات بالسواد, فاعتقد أنهن مسيحيات ليعرف بعد ذلك أن السواد في مصر لا يعني الموت أو الفقر, وقلما يكون مظهرا الجمال أو للفرح, لكنه في الغالب زي يحمي سكان القاهرة, خاصة النساء, من الأتربة والغبار, فالقاهرة تقهر الرجال لكن قهرتها الرمال, وإن كانت قد كستها حلة ما تحتاج معها إلى ألوان فاتحة أبدا, وتلك نعمة الله على الفقراء الذين يشكلون العدد الأكبر. لم تكن النساء الموشحات بالسواد علامة التميز الوحيد بالنسبة ل العربي, فقد رأى ما كان صلة الربط الأولى بمصر عند بداية الوعي, فسور الأزبكية الذي جاء ذكره عابرا في بعض الكتابات, يقف عند مشارفه اليوم, والكتب وأصحابها, والزبائن, تبدو جميعها دلائل عن روح المكان وأهله. وقف ينظر إلى تلك الحركة الدؤوبة وتمنى لو اقترب من إحدى الباعة ليشتري ما يشتهيه العقل, وتسعى إليه الجوارح, لكنه أفاق من صدمة المكان, فسارع الخطى سائلا عن فندق كبير ونظيف, فأبلغ ليس هنا ما تريده, وعليك أن تتجه إلى شارع 26 يوليو, حتى إذا ما حل فيه, ودخل في زقاق ضيق فرعي, حسب وصف أحد المارة, وجد نفسه أمام فندق "لافي", أقام فيه ليلة وفي الصباح تركه بعد مشاجرة كلامية مع أصحابه, حيث عرف أن سواحا إسرائيليين يقيمون في نفس الفندق .. أثار صاحب الفندق, غضب "العربي حين سأله: - ماذا يعينك من إقامة إسرائيليين في الفندق? وجاء جوابه وكأنه يعبر عن موقف سياسي أو ممثل, صريحا لدولة: - أنا ضد السلام مع إسرائيل. - من تكون أنت حتى ترفض أو تقبل? ... هكذا سأله صاحب الفندق. ثلاثة من أهل الكتاب بلغ الغيظ عند "العربي" شدته, ثم تحول إلى حالة عصبية بدا فيها متشنجا, ليس لسؤال صاحب الفندق المستهتر بموقفه, ولكن لأن يهوديا, قصير القامة, أصلع, ذو بطن كبير, امتد أمامه في شكل معقد أو أريكة, ثم وقف بمحاذاته متأملا كلامه , وهي المرة الأولى في حياته التي يرى فيها يهوديا عن الطبيعة. كان في سنواته الجامعية السابقة قد اهتم باليهود واحتلالهم لفلسطين, وقدم في سنته الأخيرة بحثا حصل به على الدرجة النهائية في مادة علم الاجتماع السياسي, ذكر وفيه - رجما بالغيب أو حقا مطلقا - أن "بيبسي كولا", تعني بالفرنسية اختصار الكلمات لحروف أولى, معناها بالعربية: «الشعب اليهودي ضد الجامعة العربية" وأيده أستاذه "صالح" خريج جامعة أكسفورد في كل ما ذهب إليه, دون أن ينهاه عن المبالغة وتضخيم الأعداء. ها هو اليوم يرى "اليهود" حقيقة ماثلة أمامه, وبدل أن يظل في فندق "لآفئ" الذي أعجب بنظافته رغم غلاء سعره, تركه وهو منهار لهول ما رأى, متسائلا: - أهكذا أبدأ حياتي في هذه المدينة المشهورة? كانت الإجابة جاهزة عنده, ليس هذا الشخص ممثلا للشعب المصري, فمن يكون هو حتى أسلم له بما ذهب إليه, لكن عند وصوله إلى الباب الخارجي, وجد صاحب الفندق يناديه, ثم ينزوي به جانبا: - دعني أخبرك بأمر, وليس من أجل الإقامة عندنا, نحن أيضا نكره اليهود مثلك, بل أشد لأني من عائلة قدمت العديد من الشهداء على طول الحروب الماضية, لكن التجارة شطارة .. - لكن لماذا أهنتني أمام اليهودي? - أنا لم أهنك, ولكن أشرت فقط إلى عدم إعلان موقفك, ثم دعك من كل هذا وتعال اسقيك عصير ليمون يروق أعصابك. استجاب العربي لدعوة مدير وجلس في قاعة الاستقبال مستمعا لحديث اليهودي الذي كان زبونا دائما لفندق "لآفئ" ولأول, الفندق مرة يجلس في مكان يجمع بين ثلاث من أهل الكتاب, فقد كان أحد الموظفين مسيحيا عرفه من اسمه حين دعاه المدير مناديا: يا جرجس واستجاب للأمر , لكن لم يجلس للاستماع لأفكار اليهودي الذي كان يدعى موشي. من كلماته المتواصلة بلهجة مصرية بليغة, وهو يتأبط ذرع امرأة يهودية رقيقة العظم, ذات ملامح غربية, بدت محروقة الشعر في أم الرأس, لكنها غارقة في الصمت الرهيب, جاءت الأحكام واضحة عن مجتمع ما كان العربي يعرف عنه شيئا .. قال موشي: - أكره المتدينين اليهود, لأنهم متزمتون, وإن كنت أذهب إلى المعبد احتياطا لما سيحدث في المستقبل. وسأله مدير الفندق: ما الذي تعتقد حدوثه? - رغم أن اليسار قوة لا يستهان بها في المجتمع الإسرائيلي, إلا أن المستقبل سيكون لصالح اليمين المتطرف, الذي سيجعلنا في حرب دائمة مع العرب. - هل هذا يعني أنك غير متفائل بمستقبل السلام? - الأمر لا يتعلق بالتفاؤل, ولكن بالحقائق, فالأرقام, وحركة المجتمع وطبيعة الحكم, جميعها عوامل تكشف عن مستقبل إسرائيل. كان العربي يصغي لما يقوله "موشي", وفي الوقت الذي واصل اليهودي حديثه, أحس العربي أن الأفضل له أن يبحث عن مكان آخر قبل أن ترتفع درجة حرارته, وفضل أن يسكن شقة بدل أن يقيم في فندق, وكان له ما أراه, فقد حصل من سمسار على شقة في شارع المتحف الزراعي بالعجوزة, حيث يلتقي المسجد والكنيسة في منعطف طريق وتقاطع آخر دون خلاف ولا نزاع, وكأن الهلال يعانق الصليب, وهذه المرة الأولى التي يرى في حياته كنيسة عربية, وإن كانت الثانية من ناحية مشاهدة الكنيسة بشكل عام, ففي الواحات الجزائرية أبصر كنائس - كانت على قلتها تمثل إرثا استعماريا بغيضا - مختفية ومستحية من دموية الاستعمار باسم المسيحية. لم تطل به الإقامة كثيرا في شارع المتحف الزراعي, فقد انتقل بعدها إلى شارع الجيزة المتفرع من شارع مراد, حيث سكن لدى عائلة مسيحية, ابنها الأكبر كان مسلما, مستشارا, ولاحظ عن قرب ثنائية الأشياء وتضادها داخل أسرة واحدة, فقد كانت الكراهية ظاهرة من أخوة المستشار "عبدالله" في حين كانت أمه التي بلغت من العمر عتيا أكثر تعلقا به, متغاضية عن خروجه عن ملة الأسرة وإيمانها المتوارث منذ القرون الأولى. تلاميذ بارسونز "و تماشيف من هناك كان يقطع المسافة مشيا على الأقدام إلى جامعة القاهرة, مستمتعا في الصباح بصخب مدينة تلهو بها الدنيا هنيهة, ثم تعود لتجمع شملها بعد شتات قوة البشر في أصوات ترتفع في ميدان الجيزة موصلة المدن بضواحيها ومناطقها النائية, وما كانت تلك الأمواج من البشر لتنقص من أطرافها وأعدادها خصوصا في ساعة الذروة, عندما تتحرك في اتجاهات أربع عند كل شارع رئيسي تقاطع مع آخر أو تزوجا لينجبا شوارع آخر صغيرة ضيقة, تلد أحفادا من الشوارع التي لا يعرفها إلا أهلها, الذين أعيتهم الحياة وأعيوها. هذا شارع يؤدي إلى الدقي, ويمتد إلى غايته زاحفا ومتفرعا ومزعجا إلى غاية المهندسين, وآخر يذهب بعيدا يمتد على الطرف الآخر واصلا إلى غاية الأهرام ومستوليا على إسمها, وثالث اتخذ طريقه نحو المقطم عابرا النيل, راكبا على ظهره حيث الجسور الإسمنتية, الحل السحري لكل مشكلات المواصلات في القاهرة. ميدان الجيزة, يأخذ امتداده إلى غاية النيل في فرعه الآخر, فيصل بك إلى غاية العجازية والبدرشين, فيجد الزائر نفسه والساكن أيضا عند رواية بئر سيدنا يوسف حيث الانتقام الأقوى والعداوة الأولى, فتعاد الكرة مرة أخرى في كراهية لاحظها العربي في عبارات الرفض المتواصل للدنيا مع محاولات التكيف معها, وكم من مرة كادت أن تقضي عليه سيارة سريعة أو أتوبيسا يسعى صاحبه للرزق يفتكه افتكاكا في حرب دائمة, فيهرب من الطريق مسرعا, محتميا بالمسافات المتروكة, لحظتها يجد نفسه على رصيف كلية الزراعة إذا كان قريبا من الجيزة أو رصيف حديقة الحيوان إذا كان قد دنا من جامعة القاهرة, وتقل درجة الخطورة إذا حل المساء لانعدام زحمة السير والسيارات, ومعهما يذهب الصخب, ليستجمع قوته ويعود في اليوم التالي أكبر وأشد. بين عالم الجامعة وما فيها في نشاط وعلاقات إنسانية واسعة وبين عالم الحيوان وما فيه من انتصار للكائنات الأخرى رغم الأقفاص, يمتد شارع واحد رئيسي جعل العربي عندما يقطعه ذاهبا أو عائدا يميز بين ما جاء من أجله وما يسينتهي إليه إن ظل الطريق, وقد انتصر لهدفه أو انتصر له أساتذته في جامعة القاهرة كما كان يقول دائما. لم يشعر العربي بغربة في تلك المدينة التي تغرب أهلها داخلها, فهم القادمون من كل فج .. جاءوا من أرض امتدت تاريخا إلى حيث الصعيد, ونشوء الدولة في بدايتها بالنسبة لهذا العالم المتقدم اليوم, وتكيف بسرعة مع أجواء جامعة القاهرة التي كانت أملا وحلما, فأصبحت حقيقة .. هنا التاريخ يتحرك في إنجازات علمية .. كل شيء فيها أحبه, حتىتلك المدرجات القديمة, والمكتبة التي تآكل أرشيفها بسبب قلة ذات اليد كما يقول المسؤولون عنها, ومع ذلك حافظت على تراث الإنسانية في ذاكرة رجال قاوموا الزمن أمثال "عم صبحي" وعم "سعيد", وفي الإستجابة الفورية من عم "عبد العظيم". لكل طالب أو باحث. أولئك هم الذاكرة لمن لا ذاكرة له, لا يهمهم قول كثير من العرب, عيشوش بده ومنهم: إن المصريين في حلهم وترحالهم يذهبون بحثا عما في يد الآخرين .. لقد ذكرأولئك الثابتين في مواقعهم أن نابليون بونابرت, وغيره من الغزاة جاءوا على مر التاريخ لأن في مصر خيرات, ولأن مصر هي الأمان منذ القدم. ما بخل الأساتذة على "العربي" وما ردوه خائبا, ولولا فروق أوجدتها تقاليد الجامعة وظروف الحياة بين طلبة السنوات الأولى, و طلبة كليات الدراسات العليا الذين انتمى إليهم منذ وصوله. ما أحس بإغتراب بين أجيال متصلة علميا, و منفصلة علائقيا وطبقيا. أهل جامعة القاهرة, أطهر في علاقاتهم من أهل جامعة قسنطينة, هكذا أجاب العربي على سؤال أستاذه الدكتور أحمد ذات يوم حين قال له: - لقد درست مع طلبة جزائريين في بريطانيا, وأعرف جهرههم بالحق, فما الفرق الذي تراه بين جامعة القاهرة وجامعة قسنطينة?. وسأل أستاذه مستفسرا, وكان يساريا. - عن أي طهر تتحدث? - طهر العلاقات بين الطلبة تحديدا. غير أن "العربي" لم يكن يقصد المعنى العام لذلك حيث الجانب القيمي لتفسير العلاقات الإنسانية, ولكن يقصد بذلك النقاء من حيث وجود الأساتذة أيضا .. لم يعلن العربي بما بداخله مكتفيا بالإشارة إلى الطلبة في الوقت الذي كان يقصد الأساتذة أيضا, إذ رغم ديكتاتورية بعضهم, خصوصا المتخرجين في الجامعات الغربية, حيث العزة بالإثم أحيانا فيما يتعلق بآرائهم المتناقضة مع النظريات العلمية, أو تلك الأخرى الغارقة في التنظير أو المعبرة عن حال من العشق المشروع أحيانا, وغير المشروع غالبا, حتى غدا بعضهم حفظة مثل أطفال الكتاتيب, سيدهم "تالكوت بارسونز" و "هريرت سبنسر" و "نيقولا تماشيف" .. الخ, أو سيدهم بحكم الوجود أو الاعتراف بالجميل أساتذة مصريين من موقع القيادة يخشى من منع ترقياتهم أو الحول دون إعاراتهم لدول الخليج أو منعهم من منح التفرغ في الخارج. الأهرام .. والوثنية أساتذة "العربي" خليط من أصناف علمية شتى, ما برحوا مواقعهم لدعوة للتغيير من أساتذة عرفوا كل النظريات وجهلوا التطبيق, فقد خلقوا كما فهمواالحياة - للعلم دون السياسة, فلا نقد للنظام بل تبرير واضح لأخطائه, ولا تفاعل مع الأحداث الكبرى إلا إذا كانت تخدم مصالح مصر العليا - كما يقولون دائما - فهم هنا في القاهرة, ليسوا كأمثالهم هناك في قسنطينة .. يتصرفون على أساس وجودي, فلأنهم موجودون فهم وحدهم العالم, وبعضهم يرى أن على العرب أن يخروا ساجدين إذا بلغ أحد أساتذة المصريين أرضهم فمن خليجهم إلى محيطهم مدينين لمصر .. وبالتالي مدينين لهم. تلك "الحالة المصرية" الخالصة كانت مزعجة للعربي, فاختصار التاريخ والأوطان والمواقف السابقة في مجموعة أفراد أمرا جديدأ بالنسبة له, حيث لم يعد الماضي الذي تسلم عهدته, وقضى على نفسه عهدا لمعرفة حقيقته في تلك الوصية التي جاءت تحذيرا وتقييما من بده عيشوش موجودا إلا على مستوى الذكريات, ثم إن إدراكه لغياب الجانب القومي في تلك الشروح على متون النظريات الاجتماعية الحديثة ذات الأصول الغربية, والتي أخذت طابعا مصريا, يدين للآخرين بالأصول والمرجعيات, ويسعى بوعي لإخراجها من البرج العاجي إلى "بولاق الدكرور أوشبرا", أثر فيه سلبا لأن التناقض بين عروبة يروج لها في الخارج, ومصرية طاغية في الداخل رغم اللسان العربي والنص العربي, والعقل العربي المشين, أوجد فعلا ظل كالمعلقة, فلااكتسب الأصول الفرعونية حيث السحر والعلم والبطش, ولا ألتحق بركب الحضارة العالمية حيث المنطق والديمقراطية والحرية والعدالة ولو بشكل نسبي. طغيان, فوق طغيان, وعبودية لأكثرية الشعب المصري القديم, لا يحق لعاقل الافتخار بها .. كانت هذه العبارات تتويجا لشهورمن الصبر على ذلك الادعاء المتواصل والافتخار بالحجر دون البشر, جاءت في إحدى جلسات "السمنار" بين طلبة الدراسات العليا, أزبد الحاضرون لها وغضبوا, ولولا تقاليد الجامعة لرموا العربي خارج القاعة بعيدا, وداخلهم كان السؤال - كما قالوا للعربي بعد سنوات - النابع من ضرب صخرة القوة ذات الوهم والزيف: - كيف لهذا الجاهل أن يخول لنفسه حق انتقاد الأهرام الدالة علىعظمة حضارة مصر, السفيه الفرعونية? غير أن جلسات "السمنار" كانت تقتضي التزام صور الآداب وأخلاق العلم, لذلك حاولوا نقاشه بالمنطق قائلين: - ألا تعرف أن الأهرام إحدى عجائب الدنيا السبع? - أعرف وقد تكون الأعجوبة ولكن ألم تكن الأحجار في كثير من الحضارات دليل, الوحيدة وثنية. - ما علاقة الأهرام ومع ذلك نعلمك أن الفراعنة أول من دعا إلى, بالوثنية التوحيد. - أنا أعرف الفراعنة, طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد, ورفضوا رسالة السماء, إلا إذا كان فراعنتكم غير الفرعون الذي دعاه سيدنا موسى عليه السلام إلى الإيمان فرفض, فأغرق وبقي جسده ليكون آية للناس. يتدخل الدكتور سعد: - لماذا أنتم منزعجون? فالذي يقوله العربي, بعيدا عن الاعتبارات الدينية حقا, فنحن الآن في مصر, نصنع آلهة جديدة, أو "تابو" يحرم النقاش فيه, ودعكم من الحبال التي تشدنا إلى الماضي, ولنبحث عن مكانتنا في عالم اليوم. - المهم نحن نقود العرب .. هكذا يعلق الطالب سعيد. يبتسم الدكتور سعد, ثم يقول: نحن لا نقود العرب اليوم, فقد كبروا, وتكبروا وجحدوا, ثم على فرض أننا نقودهم فهذا لن يكون فخرا لنا, لأنه لا جدوى من قيادة متخلف لمتخلف مثله. - ماذا يعني يا دكتور? .. يسأل محمد * -يعني باختصارشديد: أن قيادة المتخلفين تنتهي بأصحابها إلى التخلف هذا على فرض أن الدولة القائدة، متحضرة، حيث تجر أحبت أم كرهت إلى أجواء التخلف، فلو دولة مثلاً استعمرت دولة وفي محاولة قيادتها، بالسلم ستنتهي إلى واقع الدولة المتخلفة، وتلك حالنا مع العرب إذا اعتبرنا أنفسنا متقدمين، أما وأننا التخلف يعيش على الأرض، فنهاية القيادة للعرب؟ ستنتهي بنا وبهم إلى مزيد من التخلف. * أنهى هذا التحليل من الدكتور سعد، دفاع المجموعة المصرية عن الباطل لاعتقادها أنه الحق، ولكن المنطق وحده لا يكفي لطلبة يعتبرون أنفسهم خيرة ما في قسم الاجتماع ما داموا قد أصبحوا في الدراسات العليا، جاء ذلك واضحاً في تعليق على تحليل الدكتور. * - ما ذكرتموه يا دكتور حكم عام، فالمصريون ليسوا متخلفين بدليل وجود العلماء، وأنت واحد منهم. * الدكتور سعد، رجل وسيم، حاصل على الدكتوراه من ألمانيا، ومتزوج من ألمانية، هو في جماله ورقته وحتى حركاته أقرب إلى الألمان منه إلى العرب، وإذا كان من يشرب النيل يعود إليه ثانية، فإن الذي يتذوق الجنس الألماني حلالاً لا بد أن يتأثر به حضارة، ما كان ليتحدث عبارات مجاملة حتى لو كانت كلمات حق يراد بها حقاً، فما بالك والمراد منها الباطل، لذلك قال معلقاً: * - لا أحد ينكر وجود علماء في مصر، وأبناؤها في الخارج أكثر حضوراً ومساهمة في الحقل العالمي للثقافة، ولكن المجتمعات المتحضرة لا يطورها الأفراد وإنما المؤسسات، والفرد فيها مهما أوتي من علم يظل وحيداً بلا معين.. توقف لحظة ليسحب نفساً طويلاً من غليونه ثم واصل حديثه: * - وكما تعلمون فإن التطور الاجتماعي يكون عمودياً للأفراد وأفقياً للمجتمعات , ونحن لم نجد بعد من يصعد عمودياً ويلحق به آخرون، فينتقل المجتمع كله إلى التطور الإيجابي، وعلى العكس من ذلك هناك تطور فردي بين حين وآخر، وانزلاق اجتماعي عام نحو التطور السلبي، وبين صعود الأفراد العلماء عموديا ونزول المجتمع أفقياً تقطعت الأوصال المجتمعية،وواجهنا التناقض الحاد، ليس هذا فقط بل إن التغير الاقتصادي بعد عقود من رحيل الإقطاعية كرس برجوازية طفيلية بشعة.. وذاك هو التخلف الذي أعنيه. * أثلج حديث الدكتور سعد، صدر العربي، وتأثر بأفكاره فهو يكره المداحين والمدعين الوطنية أو المقدمين لها دون بحث وتقصي، وتمنى لو أن شهرزاد معه، لتعرف "مصر الفكر" من الداخل، وشغله الشوق إليها عما سواها، ورأى من الضروري أن يكتب إليها واصفا لمصر * * مصر.. الفن والدين معاً * تلك الجلسة العلمية مع الدكتور سعد التي تشعبت آخذةً طريقها في بحر السياسة سرباً، لم تكن هي وحدها مبلغ علم شهرزاد، فقد كان يبلغها بتاريخ الأمكنة في القاهرة، وأصوات التاريخ المتعاقبة، وآثار أهلها وما قدموا، فكانت سلواها في وحدتها بالليل، ودرعها الذي يحميها بالنهار،حين تغدو إلى الجامعة أو تعود منها متذكرةً ذاك الماضي القريب مع أخيها الذي لم تلده أمها * ما كانت شهرزاد مكتفية بما تجود به المكالمات الهاتفية بينهما، بل عملت على أن تكون حاضرة عبر رسائل طويلة، تأتي أسئلتها فيها باحثة عن لذة المعرفة التي يجمع العربي بعض خيوطها، وحين يراكمها، تبدو الأولى منها مثل بيت العنكبوت، ولكي لا تغدو حالاً من الوهن تواصل بناء المعارف لتكون في النهاية بناءً كلياً.. مكتفية باحتكار المعلومات الواردة إليها حيث العين التي تبصر في مكان قصي وتنوب عليها في مدينة امتدت أطرافها حتى لم يعد في الإمكان جمعها، وفي بعضٍ منها يتعايش الموت والحياة ولوجاً غير مؤهل للخروج، كل منهما يتسابق مع الآخر, أجساد تحت الثرى وأخرى فوقها، فلا الأموات انتقلوا مكاناً إلى العالم الآخر، ولا الأحياء بقوا زماناً في عالم الدنيا. * علمت شهرزاد عما في مدينة القاهرة ثقافة وفكراً وعن بعض ما فيها بشراً وعلاقات، وبما أن العربي كان ينقل لها جميع ما يراه فتكتشف من خلال النقل ما يعجز عنه العقل، فقد زين لها طريق الحصول على منحة دراسية للحاق به، وعملت من أجل ذلك بكل جد، دون أن تبلغه بفعلها الهادف..لم تكن مساحة الحب لمصر الآخذة في الزيادة متوقعة عند شهرزاد، بل نقلت بتأثير العربي إلى أصدقائه الذين هيأ لهم وجوده فيها معرفة ما كانت ظاهرة قبل ذلك في عملية متواصلة لكشف الحجب بلسان صدق من ابن قومهم، قبل أن كانت حكرا على رؤى مصرية خالصة نقلها الأساتذة، وكشفت عن بعض أوجهها المسلسلات التلفزيونية الغارقة في المحلية، والتي مثلت "شوفينية" ضيفة للمصريين, وكانت إدانة لصناع القرار في الجزائر، وجاءت علانية في عدد من المناسبات من طرف الفرانكفونيين الذين ظهروا وكأنهم أبناء بده عيشوش , أو كان هو باتخاذه موقفا عدائيا من مصر بشكل نصيحة ممثلهم في القرية العتيقة . * * لم تصبح مصر التي كانت في خيال العربي لغزا مبهما, كتاباً مفتوحاً تسهل قراءته، بل تشعبت إلى طرق متعرجة، وأخرى ضيقه، وثالثة مستوية عند سدرة الدراسة الجامعية، وذاب في صخبها حبا ، لأنه قرر منذ سنوات أن يحبها، وما أصعب أن يتخذ المرء قرار بالحب، لأن العاطفة غير العقل، وإن التقيا عند العربي، منذ النصيحة الأولى. * بدا حب العربي في نظر المصريين ,الذين تعرف إليهم أو تعرفوا إليه, كرهاً ظاهراً لا يحتاج إلى دليل، ذلك لأنه كان كمن لا يريد أن يرى على حبيبته مكياجاً يزينها دون الخلقة والخلق، فكانت مصر في أعين أهلها كاشفة ساقيها في شارع الهرم، دون أن تحسب الحياة لجة من قوارير تخشى الماء أن يطهرها مع أ، أن النيل يجري فيها، وعند العربي كان ذلك فعلاً آثما لفئة ضلت وأضلت وأحلت قومها دار البوار، رغم إعلانها تحقيق أهداف السنن الكونية في النظر للسياحة على أنها سير في الأرض لمعرفة آثار الآخرين وأفعالهم . * عندما كان العربي يعلن بحب فصل ليالي القاهرة عن بعضها، وفصل أزمنة الليالي أيضاً، فليست مآذن القاهرة حين ترتفع بالآذان مثل الصخب المنبعث مع الأضواء، ولا سهر العلماء ليلاً للوصول إلى ما يخدم الناس مثل سهر الحيارى والسكارى، يجد من يرد عليه غاضباً : * - تلك معائش الناس وأرزاقهم , ثم لكلٍ سبيله، في الحياة وملزم بما يفعل . * أو يعلق آخر : * - الحياة مليئة بالمتناقضات، وأمامك النجدين ولغيرك من العرب نجد واحد تركوه، ثم رموا أموالهم وأنفسهم عند قدمي راقصة "نص كم" فلتنصحهم إن استجابوا . * يضيف ثالث: * - مصر الفن والدين معاً، هي الحياة بكل ما فيها، ولا يكن القبول بأفكارك المتطرفة . * سألهم العربي مستغرباً : * أنتم تدافعون عن الفساد، وتلك نظرتهم الخاصة، ومصر تصنع حياتها وتسير دون الحاجة مني إلى النصيحة، ولكن أسألكم : كيف لمصر التي تعيش الحرية والوسطية أن تكون المنبع الأول للإرهاب في المنطقة العربية ؟ * ينبري علي للإجابة مستنداً على قناعته الأيدلوجية ذات الطبيعة اليسارية قائلاً : * - ليست مصر منبع الإرهاب كما تدعي، ولكنه بدأ هناك منذ عقود حين كان شعار الدم, الدم، القتل, القتل هو السائد، حين شرعت وحدة الدولة وقيامها على رابطة النسب، حيث قامت الدولة هناك علىالنتوء السفلي لرجل بدوي. * - بعيدة عن الحاكم الذي من هذه الإيحاءات حفاظاً على شعور زميلتنا "أمل" التي هي مثلنا مغلوبة على أمرها، حملت جواز عائلة نسب المقدس إلى غير المقدس، واحتكرت الدين وحولته إلى ملكية، فإن إرهاب قيام الدولة ظل محصور في الرمال المتحركة، له جذور ضاربة في القدم، منذ أن أجبر "عنترة العبسي" على إحضار النوق الحمر مهراً لعبلة، ولحريته، لكن من مصر امتد إلى كل الوطن العربي. * * حكمة الجرجير * لم يكن الإرهاب الذي يتحدث عنه العربي فعلاً دموياً يرى خارج مصر، وإن كان في مصر قد بدا ظاهراً، في الفعل ورد الفعل خلال الأحداث الدامية للأمن المركزي، وقبله منذ الاغتيالات السياسية، بدءا بالتقراشي باشا، ولم ينته بالزعيم أنور السادات، إنما الإرهاب بالنسبة له هو ذلك الفكر الذي فرضته مصر عن العرب، انطلاقاً من فهم خاص جاء في عبارات أنا الدنيا والدنيا أنا ".."أنا الإسلام والإسلام أنا".. "أنا العرب والعرب " * لا قبول لفكر الآخر إلا إذا جاء طائعاً أو مكرها لحاجة في نفسه يقضيها ثم يعود ساخطاً، نافراً كافراً بالعروبة وبمصر , مبالغاً أحياناً حين يتوقع أو يتصور أن المصريين لقوميتهم سيستقبلونه في مطار القاهرة مهللين مكبرين, زافين لأنفسهم البشرى لحلوله بينهم، وأحياناً أخرى يبلغ الرفض من المصريين ذروته ويتم اعتماد النصب والاحتيال من خلال علاقة وهمية، يتصور المصريون من خلالها أن كل الآخرين سفهاء، وهم فقط الصالحون، وما داموا كذلك فليستووا على ما لدى الآخرين إنقاذ للأموال من الضياع، ومع الأيام عمت الظاهرة ,وحين لا يجدون من يحتالون عليه ، يحتالون على بعضهم البعض ، ثم يحتال الشخص الواحد على نفسه في أساليب متعددة للتكيف مع الحياة كل ذلك تحت شعار " الفهلوة" * في كل الأيام التي قضاها العربي خلال السنة الأولى من دراسته الجامعية العليا محاولا اكتشاف الإنسان والمكان والعلاقة بينهما ما ارتاح لحظة، فالحب يصدقه ويحركه، والواقع يكذبه ويثبطه، والقاهرة منشغلة عنه غير مبالية برحلة بحثه عن قومية كانت شعار أمة سادت ثم بادت, وكأنها أصيبت بزلزال"مسين"الذي جاءها في صباحها.. ما اهتزت صورة حبيبة رسمت في الذاكرة منذ الصدمة الأولى، وإن جاءت مختصرة في قائد اسمه جمال عبد الناصر. * بحث عن آثاره في علاقة الناس فوجدها عند الفقراء حديث شوق لأيام البيض واللحم الرخيص وملابس القطن المصنوعة في المحلة الكبرى حيث مصانع النسيج . وعند الطبقة الوسطى ذكريات لصعود غير متوقع إلى القمة بشراكة مع أبناء الفقراء والمعوزين . وعند الأغنياء ، سنوات عمر ضاعت كرهاً لكل شيء فيها مقطوع وممنوع ، هكذا كانت المواقف الطبقية واضحة . أما عند المثقفين فالخلافات لا نهاية لها . * فالذين كانوا في زمن الزعيم يتقدمون الصفوف ويعتلون المنابر,هم اليوم أيضاً يتقدمون الصفوف ، واًو كذلك كانوا في زمن الانفتاح المفاجئ .. هكذا علق له الأستاذ "عبد العظيم" الذي تحمل الدفاع عن قومية عفا عليها الزمن ، ورحل عنها معظم أهلها بعضهم أدبر قبل بدء المعركة والحروب وأكثرهم لم يدن من الساحة, فلم يدبر لأنه لم يقبل ، وفريق ثالث قليل بقي ماسك عليها مثل الماسك على جمرة مع أن النيران تأتي حوله على كل شيء، لا تبقي ولا تذر، لواحة للأغنياء بمزيد من الاشتعال تشفي غليلهم ، وللفقراء بالحرق لتنهي وجودهم, وسلطة تساهم في لهيب النار حتى إذا ما كادت أن تقضي على البلاد والعباد سكبت الحكومة قليلاً من الماء فيطفئ ظاهرها ويبقى الجمر مستعراً تحت رماد الكراهية فتنفث فيه روح الشر فتشتعل من جديد ، يطالب الفقراء بتبديل جلودهم ليتلاءموا مع المرحلة الجديدة. * كيف لأهل هذه المدينة الذين يخفون الألم تحت الابتسامة مثل الإنسان عند خروج الروح أن لا يلهو عنه، ما دامت تلهو بهم الحياة وتسخر وتلهيهم الحكومة والظروف, فما تغني عنهم كثرتهم إذا تحركت كأمواج البحر المتلاطمة لأنها بلا تنظيم ولا قيادة؟ * كيف لهم أن ينشغلوا برحلة العربي غير المشغول بهموم الدنيا فهو يعود إلى شقته كل مساء ليجد "أم شريف" قد أعدت له وجبتي الغداء والعشاء ,والمكوجي جاء ببدلته جاهزة لليوم الموالي ، وبائع الجرائد قد أحضر له كل الجرائد والمجلات التي يريدها . * يتساءل العربي كل يوم : أي منهما يحق له أن يسأل الآخر عن عروبته وهويته ، أنا أم "عم وحيد البواب" القادم من الصعيد وقد اشتعل رأسه شيباً، واحدودب ظهره واقترب من الأرض حتى لا يكاد يرى؟! * ومن منا عليه أن يحذر الآخر من مغبة علاقة زور وبهتان بين أبناء الأمة الواحدة؟ * و كيف لزميلي "وهدان" الذي هو في الجيش الآن أن يحضر الماجستير مثله وهو يعاني من أجل إيجاد مأوى يلجأ أليه حين يحل الظلام؟ ، أيكفي إقامته عندي ، ومقاسمتي السرير معه عندما يكون عندي ضيوف ؟ * وماذا عن قصة حب تكبر أمام عينيه في جامعة القاهرة, يفترق بطلاها "عصام وحنان" ابنا طنطا كل مساء , كل في طريقه في انتظار يوم جديد ,هو إلى شقة مفروشة مع عدد من أصدقائه، وهي إلى المدينة الجامعية، والطهر يعتريهما ولا يجدان أحياناً ما يفعلا على طول اليوم؟ ، أليس ذلك حلما وحبا عربياً طاغياً؟ * أسئلة العربي المتواصلة، الباحثة عن إجابة معدومة لكثرة معاناة الناس, لا تبدو كذلك حين يرى ابنته عميد الكلية وقد جاءت في سيارة مرسيدس بسائق ولا ابنة رئيس الجامعة التي لا تنزل لمستوى زملائها لتسلم عليهم ، بعض الطلبة يرى هذا أمرا عاديا بالنسبة له، ففي كل المجتمعات يقسم الناس على أساس طبقي، وأبناء الطبقة الثانية،لا يروعهم كثيراً ما يحدث في المجتمعات من هزات. * القاهرة في كفاح أهلها آية بالنسبة للعربي وكذلك أهلها، فهم ليسوا خير جند الأرض في ساعات الوغى ولكنهم كذلك حين يعودون إلى الجهاد الأكبر بعد حروب أجبروا عليها وأخرى اختاروها من أجل الكرامة لا تخصهم وحدهم، والصبر والتفاؤل والأمل، صفات ملازمة للذين اختاروا تغيير حياتهم، فكنسوا البيوت والشوارع ومسحوا الأحذية، وطأطأوا رؤوسهم، ليكون أبناءهم رافعي الرؤوس غير مذعنين, فالعزة في العمل مهما كان نوعه . * عروبتهم التي يبحث العربي عنها، اختصروها في كلمةٍ واحدة "النبي عربي"، وهم أكثر الناس صلاة عليه، في مساجدهم حنان ودفء, وفي ترتيل كتاب الله أو تجويده من حناجر كان غذاؤها الغالب "الفول والزيتون والجبنة القريش" والجبنه القديمة" ، * من تلك الحناجر يستمع العرب لنغمات علويه , يحسن لحظتها أن المصريين خلقوا لهذا فقط، ويتساءل : _ كيف إذن أن يعتقد القاطنون بعيداً عنها في الدول العربية مثل بده عيشوش إنهم يحاولون الحصول على خيرات الآخرين، وقد اكتفوا أكثرهم بالقليل، محاولاً تغيير الحياة، وموجهين للرغبات الجنسية التي تتحرك ولا يوقفها إلا التنفيذ، بأصوات ترفعها النساء في أسواق الخضراوات "لو تعرف ما في جرجير تحطه تحت السرير". * لم يعد العربي مشغولاً بهم البحث عن المصريين، فها هو بينهم, وفي اختلافهم رحمة ,وفخرهم عزة، وتقييمهم للعرب منصف أحياناً وظالماً أحيانا أخرى، لكن هذا الظلم بالنسبة للعربي نابع مما عاشوه, فمن إن تأتيهم فرص التغيير أو الفعل حتى يعبروا عنه بظلم أشد، وهم ذوقربى للعرب والعرب لهم أقرباء، والظلم بينهما أشد مرارة. * الحلقة المقبلة * * مصر الفرعونية.. ذكريات يمنية وحكم أردني