وصف رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، "الصراع" في هرم السلطة ب"الجنوني"، وقال إنّ التنازع بين المؤسسة الأمنية والرئاسة، لا زال مستمرا بشأن استخلاف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، معتبرا إياه "معركة وجودية"، تحكمها المعادلة الصفرية، ولا يمكن أن تضع أوزارها بمجرد خروج بعض المسؤولين، لأنها تمتد إلى لوبيات مالية وإعلامية وخارجية. وقلّل مقري، لدى نزوله ضيفا على منتدى "الشروق"، من جدوى التعديلات الدستورية التي جاء بها مشروع رئيس الجمهورية، والتي "خيبت آمال الموالاة قبل المعارضة"، ولخّص المتحدث مضمون الوثيقة في تكريس أدوات السلطة، من خلال التوجه لنظام "رئاسي مغلّظ"، جعل من الرئيس ملكا فوق الحساب، فهو يملك كامل السلطات دون أن يخضع للرقابة . وبالتالي، فإن أمد الأزمة في البلاد سيطول، بل يتوقع مقري، أن تكون سنة 2016 عصيبة على النظام، بفعل "جفاف" الريع، آملا أن تكون فرصة الشعب في فرض الانتقال الديمقراطي.
ليس لبوتفليقة القدرة على معرفة كل ما يدور حوله صنّاع القرار في صراع جنوني على السلطة قال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري إن الوضع السياسي العام في البلاد يميزه الصراع الجنوني في أعلى هرم السلطة، موضحا أن خلافات صنّاع القرار قد خرجت إلى العلن، والسبب برأيه، هو عجزهم على حل مشكلة استخلاف بوتفليقة، ومن يكون في بلاط الرئيس، ويعتقد مقري بهذا الخصوص، أنه يوجد طرف ثالث، إضافة إلى ثنائية الأمن والرئاسة، قد دخل حلبة الصراع، هو قوة ونفوذ رجال الأعمال. ولدى نزوله ضيفا على منتدى "الشروق"، صرّح عبد الرزاق مقري، بأن رئيس الجمهورية ليس لديه القدرة على معرفة كل ما يحدث، في حين أن رجال الأعمال، هم الشبكة الجديدة التي تحوم حول الرئيس، وهم من يقودون في الوقت الراهن التحوّل الاقتصادي، أما التحول السياسي فلا يزال بيد الجيش، على حدّ قوله. وأضاف المتحدث في هذا السياق، أن الجزائر بلد ضيع عديد الفرص في ظل غياب الديمقراطية، مؤكدا أن صناعة بلد قوي، لن تكون إلا بالحريات، و"لا يمكن أن تبقى قوة وحدها تسيطر، وتهمين على البلاد، بل الحل الوحيد هو الذهاب إلى الديمقراطية"، وذلك لن يكون – حسب مقري- بكفاح الأحزاب السياسية وحدها،وإنما بالإرادة الجماعية، لكلّ النخب الرسمية، والسياسية والإعلامية والثقافية والفعاليات المجتمعية. أما بخصوص الوضع الاقتصادي، فيري مقري أن "هذا النظام البالي حكم أكثر من 50 سنة بكل أنواع الأنظمة، انطلاقا من الاشتراكية إلى النظام الهجين المافيوي، ضيع على الجزائر فرص النهوض وبناء اقتصاد وطني قوي"، وقد تحول اليوم – من وجهة نظره- إلى نظام ليبرالي متوحش أفقدنا 800 مليار دولار في ظرف 17 سنة، وفي النهاية "أعاد البلاد إلى نقطة الصفر، بسبب الاعتماد الكلي على المحروقات، وتراجع في عدد المؤسسات الاقتصادية، في وقت نحتاج إلى مليونيّ مؤسسة للخروج من هذه الأزمة". وأوضح زعيم حمس، أن النظام الحالي يحمّل الأزمة لبرميل النفط، كأنه انتقم منه ومن البلاد، و"هذا كلام غير منطقي في الحقيقة، فالأزمة لا تتعلق فقط بتراجع سعر البترول بل بتراجع الإنتاج"، وبعد الانهيار انكشف الوهم، واتضح أنه يسيرنا في الوقت الحالي نظام فاشل ليس لديه كفاءة في التسيير، وعليه، سنتجه بطبيعة الحال إلى إفلاس الدولة بفعل الإفلاس السياسي للنظام، يقول ضيف "الشروق".. إننا مقتنعون تماما.
قال إنّ السلطة ستكون ضعيفة بفعل الأزمة المالية 2016 ..فرصة الشعب لفرض الانتقال الديمقراطي يتوقع رئيس حركة مجتمع السلم أن تشكل سنة 2016، على الصعيد الاجتماعي، "بدايةً لسقوط الوهم، حيث يضيق الشعب ذرعا تحت نظام سياسي فاشل"، خاصة وأن الأسعار التي ارتفعت، هي أكثر مما تم الإعلان عنه من طرف الحكومة، على حدّ قوله. وبالتالي، يرى عبد الرزاق مقري، أن الوضع سيكون أسوأ مما يظنون، وأن هذه السنة ستكون صعبة على الجزائريين، لكنها قد تكون فرصة للشعب لكي يضغط على أهل الحكم، "لأن النظام مرتبط بالريع المالي للنفط، ويعيش الآن بفعل تدهور الأسعار العالمية، تحت ضغط رهيب"، وهذا الوضع سوف يسمح للمعارضة بالتدخل والتأثير، لكن مقري يستدرك كلامه بالقول "نحن لا نريد فتنة، بل نأمل أن يجعلها النظام فرصة ذهبية للانتقال التفاوضي، بالعمل مع المعارضة". وأضاف عبد الرزاق مقري، في منتدى "الشروق"، أن النظام السياسي استفاد طيلة المدة التي حكم فيها البلاد من البحبوحة المالية، والتي جعلته يتحكم في الأوضاع السياسية والاقتصادية وكل الأزمات الأمنية التي مرت بها الجزائر، غير أن الوضع الآن قد تغير - حسب مقري- بعد اهتزاز معادلة المال التي لم تعد في صالحه، "فبعد أزمة 89 استطاع نفس النظام الوقوف على رجليه بمجرد ارتفاع الأسعار، وتمكن بعدها من التحكم في الوضع الأمني خلال العشرية السوداء، من خلال تبنيه سياسية محاربة التطرف والإرهاب التي أبقت على وجوده أكثر، وجعلته يكسب ورقة الشعب"، وأوضح المتحدث، أن الأمور "قد تغيرت اليوم، ولم تعد الأزمات والحلول تتشابه، لأنّ الإفلاس المالي هذه المرة جاء متبوعا بالفشل السياسي"، في حين توجد طبقة سياسية واعية، ولديها خبرة، تجعلها لا تمنح النظام الحجة لمعالجة الوضع المتردي، من خلال الوقوع في فخ العنف، مثلما قال مقري. وعليه، يعتقد رئيس حمس، أن الصراع اليوم هو أعقد، "في ظل استمرار اللعبة التي لم تعد متعلقة بالأشخاص، بل بالأجنحة التي تعيش حالة صراع وجودي"، وبهذا الصدد يخاطب مقري هؤلاء بالقول "ارفعوا المستوى واتركوا الصراع للأفكار، لأنّكم تضيعون الفرصة على الجزائر والمغرب العربي، بل على شمال إفريقيا، في أن تحقق النهضة المنشودة".
فيما كرّس أدوات التحكم في السلطة الدستور الجديد حوّل الرئيس إلى "ملك لا يُحاسب" يعتقد رئيس حركة مجتمع السلم، في قراءة لمشروع الدستور المقترح للتعديل، أنه قد ركّز على التحكم في الأدوات الدستورية للسلطة، في حين أعطى "الفتات " للتيارات الحزبية، والثقافية، حتى تبقى السيطرة لدى النظام القائم، وأوضح أن الجزائر سوف تنتقل إلى نظام "رئاسي مغلظ"، من دون أن يتحمل الرئيس المسؤولية، ليضيف في صيغة التهكم "نحن نعزي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، الذي كان ينادي بحكومة الأغلبية، فسقطت أحلامه في الماء". وقال عبد الرزاق مقري، إنّ رئيس الجمهورية في هذا الدستور، قد أبقى وزاد لنفسه صلاحيات، دون خضوعه للمحاسبة، فهو القائد الأوحد للجهاز التنفيذي، وهو الرئيس المسيطر على القضاء، ويعين رئيس المجلس الدستوري ونائبه، وبالتالي "أصبح هذا النظام رئاسيا مغلظا، حيث يحكم الرئيس من دون محاسبة، في وضع أشبه بالملكية المطلقة، وفقا لمبدأ الملك لا يحاسب"، وهذه تعد جريمة، وحدوثها في الجزائر أمر خطير جدا، لا يشبه أي دولة في العالم، حسب مقري. أما بخصوص دسترة الهيئة الوطنية لمراقبة الانتخابات، فيراها مقري لا تستجيب لمطالب المعارضة، وفي مقدمتها حركة حمس، فهي تنادي بلجنة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات بكل مراحلها، أمّا الصيغة الحالية فلا تضيف شيئا من الناحية العملية، بحكم التجارب السابقة، من وجهة نظر المتحدث. وفي ذات السياق، أكد عبد الرزاق مقري على مطلب الحركة، باعتماد نظام برلماني، قبل أن يكشف أنه "من الممكن أن تقدم تنازلات في إطار وطني، للقبول بالنظام شبه الرئاسي، غير أن هذا أيضا لم يتحقق في الجزائر". وعليه، فإنّ "النظام يعيش في أزمة، ويريد ربح الوقت من خلال هذا الدستور، ويتهافت من أجل كسب المعارضة إلى صفه وإدخالها في اللعبة السياسية"، في حين يعاني من مشكلتين: الأولى هي إرضاء الخارج، والثانية هي مواجهة الشعب، "حيث يجتهد في تفادي سخطه، أمّا الشعب فلا يريدوه أن يستفيق أو يثور عليه، لا سيما وأن المعارضة انتقلت إلى مرحلة الوعي، وتوحدت أكثر من أي وقت مضى"، وهذا يشكل هاجسا كبيرا للسلطة، يضيف مقري.
"حربُ" الأمن والرئاسة لم تضع أوزارها قال رئيس حركة مجتمع السلم إن الاعتقاد بنهاية الصراع بين المؤسسة الأمنية، على خلفية التغييرات الجوهرية التي مست الجهاز، هو حكم متسرع وسطحي، إذ يرى الرجل أن المعركة عميقة جدّا بين الطرفين، وهي مرتبطة بجماعات نفوذ، ولوبيات، وشبكات مصالح، ليس من السهل إنهاء وجودها وتأثيرها في مجرى الأحداث، بمجرد عزل مسؤول أو عدد من القيادات، وبالتالي فإن لعبة الصراع – حسب مقري- لا تزال مستمرة، والأزمة لديها امتدادات مالية وإعلامية، وما خفي أعظم، "بالنظر إلى أن الصراع هيكلي، يراد حسمه بكسر العظم"، ليعلق المتحدث على مبررات الصراع بالقول "كلّ إناء بما فيه ينضح، لو كان هؤلاء عباقرة لتغير الحال، ولكانت الأخبار التي تخرج إلى الإعلام، تحمل أفكارا فلسفية لتطوير البلد، بدل أن نسمع عن مظاهر النزاع على الحكم". وأضاف مقري، في رسالة للمعنيين بالصراع "حلّوا مشاكلكم بالديمقراطية، فالجزائر تسع الجميع، وهي رحيمة بكل أولادها، لماذا يتطاحن هؤلاء على تفاحة واحدة بسبب الأنانية، أليس الأولى إنتاج ما يكفي من التفاح لإرضاء الجميع"، وسخر عبد الرزاق من المتصارعين على السلطة، حينما صرح "لذلك نقول لهؤلاء، أفقكم ضيق، وينقصكم الذكاء، لا تنغصوا حياتنا بصراعاتكم، تعالوا نضعُ أيدينا في أيديكم لبناء بلدنا".
الأحزاب وحدها لا تُخرج البلاد من الأزمة دافع عبد الرزاق مقري عن تأثير المعارضة في مواجهة مشاريع السلطة القائمة، وقال إنها تؤدي أدوارها في حدود المتاح، وذلك على خلفية الانتقادات التي تطالها من طرف بعض المراقبين، الذين يتحدثون عن ضعفها وفرقتها، حيث يعتبر رئيس حمس أن جميع الأحزاب في العالم لديها هدفان هما: تحقيق التنمية أو النضال من أجل الحريات، فإذا كان الحزب ينشط في دولة ديمقراطية، فسوف يكون دوره هو المساهمة في التنمية، لأن مشكلة الديمقراطية منتهية، وهو ما يحصل في دول مثل ماليزيا، وتركيا، والبرازيل، إذ يصبح التنافس الحقيقي حول برامج التنمية، لكن حينما توجد التشكيلات السياسية في بيئات تنعدم فيها الديمقراطية، تكون أولويات الأحزاب هي الكفاح من أجل الحريات وتكريس القانون، على حدّ تعبيره. وعليه، يضيف مقري، "ّنحن الآن لا نملك فرصة للتنافس بين الأحزاب على البرامج، فيتقدّم دورنا نحو النضال لتوعية الشعب، وبناء تحالفات سياسية، وهذا ما عملنا لأجله في إطار هيئة التشاور والمتابعة"، قبل أن يتوجه بخطابه للمواطنين "نحن نطلب من الشعب التعاون معنا، لأن الأحزاب السياسية وحدها لا تخرج البلاد من الأزمة".
رجالات حمس أكفأُ من كوادر السلطة يجزم رئيس حركة مجتمع السلم أنّ الذين يتحكمون في الوضع الآن، ليس لديهم الكفاءة ولا الخبرة ولا الذكاء، معتقدا أنهم يضحكون على الشعب، وقال إن الفشل في التنمية يستوجب أن يقدم المسؤول استقالته، قبل أن يخاطب القائمين على شؤون البلاد "أنتم لا كفاءة لكم، ولا علم لكم، نحن أقدر منكم على المسؤولية وتسيير الأزمات". وأضاف زعيم حمس موجها كلامه للسلطة، "عليكم أن تقبلوا بالانتقال الديمقراطي، ويكون هناك حوار حقيقي بين المعارضة والسلطة، وفي حال تحقق ذلك، عبر انتخابات نزيهة ولا غبار عليها، فالمعارضة مستعدة لتقديم تنازلات". أما بشأن أداء الفريق الوزاري الحالي، فيرى مقري، أن حضور الحكومة يعكس الصراع على السلطة، لأن الهدف في النهاية هو من يخلف بوتفليقة في الكرسي، لذلك فالتعيينات والمناصب ليست متعلقة أساسا بالكفاءة، وإنما بسباق الاستخلاف، على حدّ قوله.
فيما رفض قطع العلاقات مع طهران.. مقري: نُدين تدخل إيران في المنطقة العربية أدان رئيس حركة مجتمع السلم ما وصفه ب"التدخل الإيراني في المنطقة العربية"، وذلك على خلفية حادثة إعدام السعودية لمجموعة من مواطنيها، من بينهم المرجع الشيعي نمر النمر، لكن في مقابل ذلك، تحفظ عبد الرزاق مقري على قطع العلاقة مع طهران بسرعة شديدة، لأن هذا "الأمر سوف يعمق الأزمة أكثر مما عليه"، وكان من الواجب، يقول زعيم حمس، أن تحل المشاكل بين الطرفين بالحوار، وضبط النفس، لأنّ الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة لن ينتصر فيها أحد، ولا يمكن أن تغيّر من حقائق التاريخ، ما يستوجب خيار العيش المشترك، موضّحا في هذا السياق، أن المخطط الغربي يستهدف تغيير المنطقة مستقبلا، من خلال استمرار الحرب الطائفية ل100 سنة كما قال كسنيجر. وبشأن تقييم الموقف الجزائري من التوتر الحاصل بين الرياضوطهران، أكد مقري "على العموم هناك توافق كبير بيننا وبين النظام في السياسة الخارجية، لذا فنحن نتفق مع الدعوة إلى التعقل، وعدم الانحياز في الخلاف لأحد الأطراف". وعن "الأزمة الباردة" بين الجزائروالرياض، والتي من أسبابها - برأي مراقبين- تقاربها مع طهران، يعتقد مقري أن الموقف الجزائري بهذا الصدد، تحكمه محددات أساسية من أهمها: التناغم مع الموقف الغربي، والتالي لن تكون توجهاتها صادمة لقرارات الدول الغربية بخصوص الملف الإيراني والسعودي، خاصة في هذا التوقيت، لكن في مقابل ذلك، لن تضع الجزائر نفسها في عزلة عن محيطها العربي المتعاطف مع الرياض، ثمّ أن الأزمة المالية للنظام الجزائري ستكون لها انعكاساتها في توجيه سياسته تجاه الوضع في المنطقة، لا سيما وأن دول الخليج، عكس الإيرانيين، تستعمل المال في علاقاتها الخارجية.