حالة التّردد والارتباك المسجلة في ملف التعاقد تكشف أن الحكومة ضيعت البوصلة في التّعامل مع تداعيات أزمة نفاد المدخّرات المالية، وإلاّ ما معنى أن تتّخذ قرارا ارتجاليا في اجتماع يسمّى تعسفا "ثلاثية"، بينما هو في الواقع ثنائية مكونة من الحكومة و"الباترونا" في ظل غياب جهة ذات مصداقية تمثّل العمال. ويبدو أن زعيم المركزية النقابية الذي اتّهم بالتّخلى عن العمّال في اجتماع الثلاثية حاول ترقيع الأمر بالنّزول إلى الميدان وإطلاق تطمينات للعمال بأنّ دراسة ملفات التقاعد متواصلة طيلة العام الجاري ولا إلغاء للتعاقد النسبي والمسبق قبل عام 2017، وهذا في الواقع لا يغير شيئا مادام سيدي السعيد قد وافق على إلغاء الصيغتين في اجتماع الثلاثية. وفيما نشرت الصّحافة الوطنية تعليمة رسمية موقّعة من قبل كل من وزير العمل والمدير العام للوظيفة العمومية، تشير إلى تجميد دراسة الملفات، صرح صندوق التعاقد بأنه لم يتلق أي تعليمة بهذا الشأن، ليبقى مسلسل الغموض والتردد سائدا في هذا الملف الذي قد يفجر الجبهة الاجتماعية مع الدخول الاجتماعي المقبل. وقد بدأت بالفعل إرهاصات ذلك من خلال تكتل 13 نقابة مستقلة ضد قرار الثلاثية، ودخلت في سلسلة اجتماعات دورية قد تتوّج بحركة احتجاجية موحدة، وهو ما ينذر بدخول اجتماعي ساخن، خاصة إذا واصلت الحكومة إجراءات التقشف التي تستهدف جيب المواطن البسيط كالزيادة في أسعار الوقود والكهرباء. كان يمكن للحكومة أن تبدأ بالطّبقة الميسورة لتفرض سياستها الحازمة، بدل استهداف الطبقات الهشة بحرمانها من المكاسب التي تحصلت عليها وعلى رأسها الحق في التقاعد النسبي والمسبق، وكان عليها أن تبدأ بتقاعد الإطارات السامية في الدولة التي تحظى بامتيازات خيالية وتكلف الدولة أموالا طائلة أثناء الخدمة وبعد التقاعد، بدل غلق باب الأمل أمام العمال البسطاء الذين يتلقون راتبا رمزيا لا يكفي لسداد فاتورة الهاتف بالنسبة للبعض. سيبقى المسؤولون يبحثون عن حلول لإخفاقهم في جيب المواطن البسيط، ولن يتورعوا في الإجراءات التّقشفية مهما كانت قاسية على المواطن الذي يدفع ثمن إخفاقهم وفشلهم في التأسيس لاقتصاد حقيقي بعيدا عن ريع البترول، وعلى سبيل المثال لماذا انتظرت الحكومة كل هذه السّنوات لتتخذ إجراءات تحول البلد إلى مصنّع للسيارات بدل مستورد لها!