هل يمكن اعتبار التطورات الأخيرة في القطاع التربوي انتصارا للوصاية التي هددت الأساتذة والمعلمين، وأرغمتهم على أن يصبحوا مكسوري الجناح أمام تلاميذهم، أم تعتبر هذه الحادثة التي سيسجلها التاريخ انتكاسة خطيرة للحريات في الجزائر، لدرجة التهديد بقطع لقمة العيش عن من يمارس حقه في الإضراب عن العمل..! والأخطر في الموضوع هو الموقف الذي بدا عليه الأساتذة في نظر التلاميذ الذين هم أبناؤنا، لتكون ضربة في الصميم لتلك الصورة المقدسة التي يفترض أن تكون للأستاذ في نظر تلميذه، وهو الذي حفظ عن ظهر قلب "قم للمعلم وفه تبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" وأين هذه الصفة من الأستاذ الذي يدخل إلى القسم حفاظا على لقمة عيشه! الحكومة كلها تجنّدت مع وزارة التربية في ملحمة الفصل وقطع الأرزاق، وأعلن عن تأسيس ثلاث لجان، وتم تحضير ملفات جيش مكون من 50 ألف خريج من الجامعة، ليتم توظيفهم بشكل مباشر بلا تكوين ولا مسابقات، ولا تحضير نفسي على الأقل، وكل ذلك تحت عنوان "إنقاذ مصير أبنائنا التلاميذ من شبح السنة البيضاء"، وهل يمكن إنقاذ أبنائنا ورفع مستواهم التعليمي بطرد الكفاءات التي تمرنت في الميدان لسنوات وتعويضهم بمتربصين تخرجوا من الجامعة! ولأن الحكومة وتهديداتها ضد المربين لم تكن كافية، وكان لا بد من دعم سياسي على مستوى عال، تطلب الأمر إخراج التحالف الرئاسي من الثلاجة ليسجل هو الآخر موقفا "بطوليا"، سيسجله التاريخ كذلك، عندما هاجم هو الآخر إضراب الأساتذة والمعلمين، ولم يكن البرلمان بعيدا عن هذا الموقف عندما أدار ظهره لطلب الاستجارة الذي تقدم به ممثلو المدرسين ولم يقل كلمة واحدة ينصفهم بها. أما كبير النقابيين في الجزائر، وعوض أن يدافع عن الحق المقدس في ممارسة الإضراب، صب هو الآخر جام غضبه على المضربين وكأنهم هم من تورط في الفساد وأفرغ الخزائن! الجميع استأسد على "الواقف"، وكم هي صعبة كلمة الحق التي قد لا ترضي الكثير.