الجنة المحرمة.. هكذا وصف زوار شاطئ تمنارت السياحي، الكائن على بعد 17 كلم عن مدينة القل بولاية سكيكدة. منطقة تمنارت السياحية، أحد أجمل شواطئ الجزائر، هو 7 كلم من الشواطئ الخلابة والغابات التي سحرت السياح الأوربيين، وجعلهم يختارونه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ليكون منطقتهم المفضلة، لقضاء عطلة خيالية. وفيه قررت شخصيات وطنية معروفة أن تستريح من عناء السياسة والحكم، مثل عبد الرزاق بوحارة، الذي امتلك شاليه هناك. وتوجد أسماء لها وزنها وشهرتها كانت تصطاف فيه، مثل عبد الحميد مهري والشريف مساعدية وشيبوط، كلهم اختاروه بدلا عن نيس ونابولي، ليكون محطة يتمتعون خلالها بالصيد والتنزه، ولكن تغيرت الحال للأسف بسبب الإهمال وعدم اكتراث المسؤولين بهذه الجوهرة، وتركها دون استغلال، ما حولها إلى ما يشبه أدغال إفريقيا، عبر قرارات متناقضة لمسؤولين عكست عدم مسؤوليتهم، فبعد أن أعطت السلطات الولائية لسكيكدة، قبل أربع سنوات، الضوء الأخضر لتهيئة الشاطئ، وأخذت كافة الترتيبات لفتحه.. وشكلت لجنة مكونة من قائد الدرك للقل، وممثل عن الحماية المدنية لاختيار أرضيات إنشاء مراكز الحراسة للشاطئ، إيذانا بفتحه بعد قرابة عشرين سنة من غلقه نظرا إلى سيطرة الجماعات الإرهابية عليه آنذاك، أغلق الشاطئ في وجه زائريه. بلدية الشرايع المشرفة على تنظيف الشاطئ، حاولت أن تعيد إلى الشاطئ جماله، لأنه تحول في الآونة الأخيرة إلى ملجإ للمنحرفين الذين عاثوا فيه فسادا، وجعلوه حكرا عليهم ومنعوا حتى الصيادين من ممارسة هوايتهم، وحولوا الشاليهات التي خربت تماما إلى مراحيض أو خمارات، بعد أن هجرها أصحابها. حتى منزل الفقيد بوحارة كان أحد لصوص أخشاب الغابات قد استغله لتخزين الثروة الغابية المسروقة، ليلقى عليه القبض وتدينه محكمة القل بسنة نافذة، أما الأراضي المحاذية للشاطئ، فتم الاستيلاء عليها من طرف مواطنين وضموها إلى ممتلكاتهم، وكان من المفروض على البلدية أن تبني فوقها مرافق سياحية، والممرات المؤدية إلى الشاطئ اهترأت تماما وما على المصطاف إلا كراء دابة لتوصيله إلى الشاطئ، لأن مرور المركبات أضحى أمرا شبه مستحيل، بعد أن تحولت الأرضية إلى مطبات وغطتها الصخور. منتجع سياحي لم يستغل حسب السكان والسياح، ولم يستفد من مشاريع تطوير سياحية، ويفتقر إلى أبسط المنشآت، كالفنادق ومركبات الاستجمام، ويتخبط في فوضى غير مسبوقة، من خيام منتشرة في كل مكان، تؤجر بأثمان خيالية، لتبقى تمنارت، منطقة عذراء، بما تعنيه الكلمة، لا ماء ولا كهرباء ولا وحدة علاج في حالة الإصابات، ومطاعم تفتح دون ترخيص وأصحاب الدكاكين يبيعون بأثمان خيالية، جعلت المصطاف يجلب معه حتى علبة الكبريت، أما حالات التسمم بسبب غياب الرقابة، فحدث ولا حرج، كما أن رواد الشاطئ يسبحون نحو الموت، لعدم وجود وحدة حماية مدنية، ولا منقذ في حالات الغرق، والجميع مازال يتذكر الحادث المأساوي عندما غرق 14 طفلا من بسكرة قبل 6 سنوات، كما يشتكي المصطافون الذين يشدّهم الحنين إلى قضاء عطلتهم في "تمنارت" من غياب النظافة، فالقمامة لا ترفع لعدة أشهر.. والذي يزور الجنة، كما سماها سياح أوروبيون منذ ربع قرن، سيرى أنها صارت جحيما.