قديما قيل: ليس كل ما يعرف يقال.. وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو يصمت" وقال عليه السلام أيضا: "من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه" وقال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يزِلُّ بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»، وقال الله عز وجل: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" ونهانا ربنا عن الخوض مع الخائضين ورفض لنا أن نقول كل مانسمع أو أن نضيع أوقاتنا في اللغو من القول وجعل أحد أبرز صفات المؤمنين: "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون".. هذا الضابط الأخلاقي للقول بمعنى أن هناك عملية يقظة دائمة لارجاع القول إلى قاعدة انضباطية تجعل من الرقابة الذاتية سلطانا على اللسان وتصبح مسؤولية الانسان مقيدة بما هو نافع وصالح وضد كل ما يضيع أوقات الناس أو يثير الفتن بينهم بالغيبة والاستهانة في أعراض الناس وحرياتهم وانسانيتهم والخوض في كل حديث واقحام النفس في كل شارد ووارد.. وهذا الضابط الأخلاقي مرتبط بالايمان وأصول الدين لأن الكلام مسؤولية ولأن الكلام ينبغي كما هو أي فعل أن يؤدي وظيفة ضمن المهمة الكلية للانسان على الأرض مهمة الاستخلاف بالحق والعمل الصالح.. ومن هنا بالضبط تتحدد مهمات الناس فيما بينهم لكي لا يترك الحبل على الغارب، فيعيث الفاسدون في مشاعر المسلمين وعباد الله بالأحن والكلام المخرب لنسيجهم الاجتماعي ولهممهم وإرادتهم. ماينبغي أن يقال هو كل كلام يصلح بين الناس ويدعو للفضيلة والخير والعفو والتسامح والعمل الصالح والتفاؤل، هو كل كلام يدعو الروح للإشراق والنفس للصفاء والقلب للطمأنينة، هو كل كلام فيه متعة وفسحة وتذوق وتدبر وأنس، هو الكلام الذي يهتف بالانسان للخروج من وهدة الفساد وانحراف الهوى وقيود النفس، هو كل كلام يبرز أهمية وحدة الصف وقيمة النهضة وأهمية اليقظة والجهاد في سبيل الله دفاعا عن كرامة العباد. أما ما ينبغي أن لايقال فهو كل كلام يزين الرذيلة ويفشي روح الهزيمة وكره الأوطان وجفاء الأهل والإخوان وعدم الاكتراث نحو المجتمع والناس.. ما ينبغي أن لايقال هو كل كلام ينشر اليأس والاحباط والقنوط ويدعو إلى الاتكالية وعدم القيام بالواجب وإلقاء المسؤولية على الأخر.. ماينبغي أن لايقال هو تكرار كلام الغربيين عن تاريخنا وعن أمتنا، هو ترديد مصطلحات وكلمات تفسد وحدة الأمة وتفسد روحها. إن أمتنا تتمتع بحصانات حقيقية تتغذى على ثقافة جادة يقظة تأخذ بكل أسباب النجاح بعلم النفس وعلم الاجتماع والأخلاق والسلوك والوعي السياسي فتصبح ثقافة منشئة لحياة سوية مستقيمة على صعيد الفرد والمجتمع، ولنا أن نتخيل الفارق الكبير بين هذا المناخ وذلك الذي نعيش فيه، وبعد تأمل هذا الفارق المذهل نكتشف السبب الرئيس في ضياع طموحاتنا وضبابية أهدافنا وضربنا في الأرض على غير هدى. ماينبغي أن يقال وما ينبغي أن لايقال هو حجر الأساس في شخصية الفرد والنخبة والمجتمع ويطرح هذا الكلام على كل النخب الدينية والثقافية لعلنا نضع حدا للانهيار والفوضى.. تولانا الله برحمته.