لا شك أن المرارة التي شعر بها النظام المصري إثر الصفعة القوية التي تلقاها من مجلس الأمن مباشرة بعد أن سحب مشروع القرار الذي سبق أن تقدم به لإدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، هذه المرارة، كانت أشد من المرارة التي شعرت بها إسرائيل نفسها. فمصر السّيسي التي تقدمت بمشروع القرار وسوّقت كثيرا لنفسها على أساس أنها المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فاجأت الجميع بمن فيهم الفلسطينيون ولم تتشاور حتى مع ممثلي السلطة الفلسطينية ولم تتقدم بمشروع القرار، بعد أن ساومت به مع إسرائيل والرئيس المقبل للولايات المتحدةالأمريكية، لكن إدارة أوباما كانت مصرّة على المضي قدما في تمرير هذا القرار التاريخي. وفي لمح البصر ظهر مدافعون جدد عن القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، وكلهم غير عرب بعد أن تخلى الممثل العربي الوحيد في مجلس الأمن، حيث كان الدور على السنغال ونيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا، لتبني القرار وتقديمه إلى مجلس الأمن، نيابة عن العرب جميعا. هو مشهد كاريكاتوري يختزل الأزمة التي يمر بها العرب جميعا تعكس حالة التشرذم والصراع الموجودة على الأرض، حيث لم تعد القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة إلى الكثير من الأنظمة العربية وحتى الشعوب، وباتت خيانة القضية في المحافل الدولية وجهة نظر بل أصبحت ورقة مساومة للحصول على المساعدات والدعم السياسي للأنظمة القائمة. نيوزيلندا الدولة البعيدة التي لا يربطها مع فلسطين أي رابط عرقي أو ديني أو لغوي أو تاريخي، تتطوع وتتبنى القرار المناهض للاستيطان، وأمريكا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، تفسح المجال لرافضي الاستيطان وتوعز لهم بتقديم المشروع، وتفاجئ الجميع بالتخلي عن الفيتو عندما يتعلق الأمر بقرار ضد إسرائيل للمرة الأولى منذ عقود، وفي المقابل يسعى العضو العربي في مجلس الأمن إلى استرضاء إسرائيل والرئيس الأمريكي المقبل بسحب المشروع!! قرار مجلس الأمن الرافض للاستيطان هو انتصار كبير للقضية الفلسطينية، فمن جهة أحيى القضية وأعطاها بعدا جديدا تحولت معه العديد من الدول إلى العمل لصالح الفلسطينيين، ومن جهة أخرى كشفت المتاجرين بالقضية من العرب، وفضحتهم أمام شعوبهم، بعد أن اتضح أن دولا مثل فنزويلا والسنيغال ونيوزيلندا وماليزيا وحتى أمريكا أحرص على الحقوق الفلسطينية من العرب أنفسهم!