هناك مغالطات كثيرة تريد أحزاب في السلطة وخارجها تسويقها في الأوساط الشعبية وتتعلق "بالوثائق البيومترية"، وهي ناجمة عن عدم وعي بالخطورة التي ستجبلها هذه الوثائقية بالنسبة للدولة الجزائرية والشعب الجزائري بسبب الاستعمال الخاطئ للسلطة لبعض القضايا المصيرية المتعلقة بحياة المواطن. التعليمات ليست قوانين حاول وزراء في حكومة أحمد أويحي أن يوهموا الرأي العام الجزائري بالادّعاء بأنه على المواطنين احترام القانون، زاعمين بأن القانون يفرض على المواطن استخدام البطاقة البيومترية، بينما الواقع يؤكد أن الإجراء الذي اتخذه السيد وزير الداخلية يخصّه شخصيا ولا يخص المواطنين، فالتعليمة لا ترقى إلى مستوى القانون إلا إذا كانت صادرة عن القاضي الأول للبلاد وصادرة في الجريدة الرسمية ولا تتناقض مع الدستور. وقد راجعت فقهاء القانون فأكدوا لي غياب مثل هذه التعليمات. ومادام الدستور الجزائري يحمي حرية الأشخاص ويكفل أمنهم. ومادامت المعلومات هي رأس مال الدولة فهل يحق لأية جهة أن تجبر المواطنين على الإدلاء بها. فالاستمارة البيومترية تضع مستقبل المؤسسة العسكرية في خطر، باعتبار أن الجيش الجزائري أساسه الخدمة الوطنية، والمعلومات المتعلقة بها يفترض أن تكون في وزارة الدفاع لا أن يتم التدقيق فيها لدى وزارة أو جهة أخرى. يبدو أن محاولة اعتبار »التعليمة الزرهونية« قانونا هو اعتداء على المشرّع الجزائري، وتضليل للرأي العام. أوَليس من حقنا أن نطالب الوزراء الذين وصفوا تعليمة زرهوني ب(القانون) أن ينشغلوا بالتعليمات التي يصدرونها في وزاراتهم على الدفاع عن غيرهم؟! التقنية في خدمة المعلومات وليس العكس! حاول رئيس الحكومة ووزراء في الحكومة ورؤساء أحزاب في المعارضة الادّعاء بأن جواز السفر البيومتري والبطاقة الوطنية البيومترية هي »إجراء تقني« لتنظيم الوثائق، وادعوا بأن هناك من يريد تسييس ذلك. ومثل هذا الكلام يؤكد حقيقة واحدة ذات وجهين: إما أنهم لم يقرأوا الاستمارة، وهذا جهل بسيط، أم أنهم قرأوها واستوعبوها ولا يعتبرون أنفسهم معنيين بالمعلومات الموجودة فيها وهو جهل مركب. استبعد أن يكون "دعاة احترام التقنية" واعين بالخطر الذي يهدد البلاد، وراثيا ومعلوماتيا، والأخطر من هذا أنهم لا يستخدمون "بصمة العين" التي مكنت الإمارات العربية من كشف أكبر جريمة ترتكبها دولة بجيش من "الموساد" على أرض دولة أخرى، في حق مواطن فلسطيني. أذكر أنني عندما دخلت الإمارات قبل ثلاثة أشهر، طلبوا مني "بصمة العين" ، واستغرب المسؤول الأمني عدم وجودها في جواز السفر. ومادامت هذه البصمة غير موجودة في الوثيقة فهل ستقبل في دول أخرى؟ أعتقد أن التقنية هي في خدمة المعلومات وليس العكس، والوزراء ررؤساء الأحزاب الذين يدافعون عن التعليمة الزرهونية يفترض أن يوفروا للمواطنين المعلومات المتعلقة بالمؤسسات التي يسيّرونها قبل أن يطلبوا منا كمواطنين توفير المعلومات لأطراف مجهولة. بعيدا عن الله إذا كانت الأحزاب اللائكية والتروتسكية والوطنية تتمسك ب"الشريحة أو البيس" الموجودة في البطاقة البيومترية دون الانتباه إلى المعلومات الخطيرة التي تحملها، فهذا لعمري منطق الغرباء عن شعوبهم، وهو منطق لا يختلف كثيرا عن أولئك الذين هم منشغلون ب"اللحية والحجاب" في البيومتري، دون معرفة مضمون الوثيقة. لا يوجد قانون في العالم يمنع الصورة باللحية والحجاب، وإنما بطريقة التقاط الصورة، بحيث تكون ملامح الوجه ظاهرة، دون الاهتمام بالأذنين، كما هو الحال في منطق حزب فرنسا. ولهذا، فالخطر ليس في الفهم الخاطئ لالتقاط الصورة، وإنما في تجريد الصورة عن مضمونها، فالتناقض في الوثيقة الذي يمس بجوهر الدين هو في مفهوم "الضامن في صاحب البطاقة"، فإذا كانت امرأة فيفترض أن يكون الضامن امرأتين أو رجل بالنسبة للنساء أو الرجال. ويفترض أن يدور النقاش حول "الضامن" وليس حول الصورة، لأنه إذا لم يوقع عليها الضامن لا تقبل في الملف. ويبدو لي أن الأحزاب الإسلامية، سواء التي هي في السلطة أو في المعارضة، لم تقرأ الاستمارة وإنما انساقت وراء التصريحات، ولا يوجد في الاستمارة ما يشير إلى المعتقد حتى نتحسّس منها، ولكن الخطورة هي في المعلومات التي هي رأس مال الدولة والوطن. لا توجد في الوثيقة علاقة بالدين وإنما هي بوجود صاحبها وحياته الشخصية. ولو كان هناك وضوح في الأهداف المنشودة من الوثيقة لما ناقشناها، لكن حين يصير الغموض إبهاما، وتصير المعلومات تقنية، وتصير الصورة هي المشكلة، ندخل في متاهة يصعب الخروج منها. لو كانت هناك بطاقة ضريبية موحدة، وبطاقة تأمين موحدة (بين التأمين الخاص والعام) لما تجرأ أحد لمناقشة تطوير هذه البطاقة. ومادام المضمون الموجود في البطاقة هو نفسه الموجود في جواز السفر، فلماذا لا نوحدهما بحيث نكتفي بجواز السفر دون البطاقة الوطنية لأن لهما الدور نفسه. دعوة إلى جواز سفر عربي وبطاقات إقليمية مادام الطيران المدني العالمي يفرض شروطا في جواز السفر تتناقض مع ثقافة الشعوب العربية والإسلامية، فلماذا لا تفكر الجامعة العربية في إنشاء جواز سفر موحّد المعلومات يسمح لصاحبه بالتنقل داخل الوطن العربي، ولماذا لا يفكر مجلس الشورى المغاربي في استحداث بطاقة هوية لاتحاد المغرب العربي، تحمل معلومات تسمح بأن تستخدم في التعامل اليومي في المغرب العربي، حتى نقرب أكثر بين أقطارنا المغاربية ونضع حدّا لطغيان السياسي على الثقافي والاقتصادي ولكي ننطلق نحو التقارب أكثر، وتسهيل التنقل بين أقطارنا العربية.