شعارهم "الموت في سبيل إنقاذ حياة الغير"، يعملون ليلا ونهارا، ويتحدون كل العراقيل التي تصادفهم طيلة فترة مرافقتهم للمريض، يواجهون الموت في كل لحظة، يواسون عائلة المريض، ويبكون لفقدان أشخاص لم ينجحوا في إنقاذ حياتهم في اللحظات الأخيرة، إنهم فرق الإعانة الطبية المستعجلة. الشروق قضت يوما برفقتهم وعادت بذاكرتهم لأحداث وحالات صادفتهم طيلة عشرين سنة من الخدمة. انتقلنا إلى مركز الإعانة الطبية المستعجلة بسيدي يحي في العاصمة وكانت في استقبالنا الدكتورة نبيلة عباد مكلفة بقاعات التنظيم، الاستقبال، والدكتور عبد العزيز بن سعيدان طبيب مختص مسؤول العمليات. استهلت الدكتورة عباد حديثها إلينا بتقديم لمحة عن المركز ومهامه، حيث قالت إنه منذ أن تم اعتماده رسميا عام 1998 وهو يعمل بطاقم مكوّن من 7 فرق تدخل على مستوى المستشفيات التالية: مصطفى باشا، بني مسوس، باب الواد، زميرلي، الرويبة، زرالدة والبليدة، وهو طاقم ترى محدثتنا أنه لا يكفي لتغطية كل سكان العاصمة، خاصة عندما تكثر الحالات الاستعجالية التي تتصل بالمركز، داعية إلى ضرورة تزويدهم بفرق أخرى لتغطية العجز الحاصل، كما أشارت إلى نقص الإمكانيات والوسائل اللازمة التي يحتاجها المسعف أثناء تقديم الإعانة الطبية للمريض في عين المكان قبل نقله إلى المستشفى.
عدم توفر رقم أخضر وغياب الإمكانيات يصعّبان المهمة كشفت الدكتورة عباد أن عدم توفر رقم أخضر خاص بالمركز يسمح للمواطنين من التواصل معهم للإبلاغ عن الحالات المستعجلة يصعب المهمة على "الزوالية" خاصة، حيث أن الأرقام المتوفرة وهي أرقام ثابتة لا تفي بالغرض، بما أنها أحيانا تتوقف بسبب حدوث عطل كما أنها غير كافية، ناهيك عن عدم فعالية الرقم 3016 المخصص للاتصال بهم، والذي يستقبل المكالمات من الثابت فقط، وهذه تعد من العراقيل التي تواجه المركز الذي من المفروض أن يتوفر على رقم أخضر، بما أنه من المرافق الضرورية التي يحتاجها المواطن لطلب النجدة والاستغاثة في الحالات الاستعجالية التي تتطلب تدخلهم يوميا ليلا ونهارا. وفي ذات السياق أوضح الدكتور بن سعيدان أن المهمة الموكلة لهم هي إنقاذ المريض وليس علاجه، مؤكدا أنهم يعتمدون السرعة والفعالية خلال تدخلاتهم اليومية، وهذا ما يعيقه كثيرا نقص الإمكانيات الخاصة بفرق التدخل على غرار "الطالكي والكي" الذي قال إنه كان متوفرا منذ سنوات وتم الاستغناء عنه حاليا بالرغم من مطالبتهم به مرارا، قائلا إنه يسهل كثيرا اتصال الأعوان يبعضهم البعض وتوجيههم كذلك، فمن غير المعقول أن يعتمد العون على هاتفه النقال الذي يتعرض لنفاد الشحن وغيرها من الأمور التي تعطل سير عملهم، ناهيك عن عدم تزويدهم بشبكة الأنترنت، التي لو وجدت كانت ستسهل عليهم حفظ المعلومات الخاصة بكل الحالات وتسهيل عملية متابعتها.
أشخاص يتصلون لتمضية الوقت وآخرون ليسوا حالات استعجالية دخلنا مركز استقبال المكالمات وتحدثت إلينا "سهيلة بودوح" مكلفة باستقبال الاتصالات، التي أكدت لنا أن بعض الأشخاص يتصلون من أجل تمضية الوقت أو من أجل الحديث فقط أو الترويح عن أنفسهم وهي الحالات التي لا يمكن تجاهلها بل نحاول الحديث إليهم إلا أننا إذا ما كنا مضغوطين فنضطر لتوجيههم للاتصال بالرقم الأخضر الخاص بمركز الإصغاء، مشيرة إلى أن عديد الحالات ليست استعجالية وتستدعي "معاينة في المستشفى" على غرار المصابين بالصداع وآلام الأسنان وبآلام الحلق أو التهاب اللوزتين، هنا قالت محدثتنا إنهم يقدمون لهم النصائح والإرشادات الطبية ويوجهونهم لزيارة الطبيب المختص.
هذه هي الحالات التي تتدخل فيها فرق الإعانة الطبية يجهل الكثيرون أن فرق الإعانة الطبية مهمتها التدخل في الحالات الاستعجالية فقط، وتتعلق هذه الحالات بحوادث الطرقات، فقدان الشخص للوعي، دخوله في غيبوبة، المصابين بأزمات قلبية وبأمراض التنفس والحساسية الذين يتعرضون لنوبات حادة، وكذا في بعض التظاهرات الرياضية الكبرى التي تحتاج فرق تدخل تحسبا لوقوع حوادث، كما يتطلب تواجدها أيضا في حال تجريب المخابر لأدوية معينة على المرضى وهذا ما وقع مؤخرا مع أحد المخابر الذي استدعاهم لتجريب دواء لعلاج الضغط الدموي، ومكثوا في المكان من الساعة السابعة صباحا إلى غاية منتصف الليل.
بكينا على عدة حالات ونحمل أسرار الكثيرين معنا قالت "رفيقة بوعفو" وهي مختصة أيضا باستقبال المكالمات، عملت في الميدان مدة 20 سنة، إنهم أثناء تدخلاتهم يلتقون حالات عديدة وأشخاصا يعيشون ظروفا اجتماعية مختلفة، فبعضهم يعيشون في الثراء الفاحش وآخرون يقتسمون ظروفا اجتماعية قاهرة أبكتهم في عديد المرات، كما أكدت على احتفاظهم بأسرار البيوت التي يزورنها، حيث قالت إن هذا الأمر يعد من أخلاقيات مهنتهم. وأضافت رفيقة أن إنسانيتهم تدفعهم في الكثير من الأحيان للاتصال والاستفسار عن الحالة الصحية للأشخاص الذين أسعفوهم خلال الأيام الماضية، كما كشفت أنهم ومن خلال الممارسة اليومية يصبح لديهم حس خاص يكتشفون من خلاله الحالة التي أصيب بها المريض ليتمكنوا من استعمال الوسائل اللازمة لإسعافه في عين المكان.
نضطر أحيانا لقضاء يوم كامل مع المريض تزامن تواجدنا بالمركز وحضور فرقة التدخل الخاصة بمستشفى الرويبة، واغتنمنا الفرصة للحديث إلى أفراد طاقمها، الذي كان مفعما بالحيوية والنشاط وروح التعاون. قالت الطبيبة حكيمة خياط إنهم يضطرون للبقاء مع المريض ليوم كامل ينتقلون به من مستشفى إلى آخر ولا يتركونه حتى يتحصل على سرير، وهو الأمر الذي يعانون منه بسبب عدم توفر أسرة شاغرة، ومن المفروض تخصيص سريرين دائما للحالات الاستعجالية.
كنا أول الموجودين في مجزرة بن طلحة وحادث قطار بودواو تزامن تواجدنا بالمركز وحضور فرقة التدخل الخاصة بمستشفى الرويبة، واغتنمنا الفرصة للحديث إلى أفراد طاقمها. أخبرنا حكيم بلغربي سائق سيارة إسعاف ومكلف بالإسعافات الأولية أيضا أنهم عانوا الويلات خلال العشرية السوداء، حيث اضطروا في كثير من المرات تلبية نداء الاستغاثة في أماكن تعتبر نقاطا سوداء، وكذا في أوقات حظر التجول، ولم يهتموا بتعريض حياتهم للخطر في سبيل الوصول إلى الحالة التي طلبت يد العون وإنقاذ حياتها، وقد كانوا أول الموجودين في مجزرة بن طلحة ووقفوا على حالات لازالت راسخة في أذهانهم لحد الساعة، صور مؤلمة، أطفال مذبوحون وعائلات تغرق في دمائها، وهي من أكثر الحالات التي أثرت على نفسياتهم كثيرا. كما أكد حكيم أنهم كانوا كذلك أول الحاضرين إلى محطة القطار في بودواو، في آخر حادث اصطدام، حيث كشف أنه كان في المقهى عندما شاهد الخبر على شاشة التلفزيون وعاد بسرعة إلى مقر عمله ليطلب من زملائه التجند والالتحاق بمكان الحادث فكانوا أول من وصل إليه.