تموين مركب الحجار بأطنان من الأتربة باسم نفايات حديدية والتلاعب بالأوزان كانت محكمة الجنايات بمجلس قضاء عنابة أمس، على موعد مع واحدة من المحاكمات المثيرة والساخنة، في واحدة من أكبر ملفات الفساد التي مست الاقتصاد الوطني بصفة عامة ومركب الحجار ورئة عالم الحديد بالجزائر بصفة خاصة... ويتعلق الأمر بقضية النفايات الحديدية وغير الحديدية، المتابع فيها رجل الأعمال "ح. ف"، النائب السابق بالمجلس الشعبي الولائي بعنابة وأحد أكبر مليارديرات الجزائر، المتهم الرئيسي في هذا الملف الساخن إلى جانب تسعة متهمين آخرين، ويلاحق ح. ف (52 سنة) من قبل النيابة العامة ومصالح الأمن بتهم ثقيلة تتعلق في مجملها بالتملص الضريبي باستعمال طرق تدليسية من دفع الضرائب والرسوم المستحقة وكذا جنحة التزوير وإستعمال المزور في محررات تجارية وجنحة منح مزية غير مستحقة للغير وجنحة المشاركة في إختلاس أموال خاصة، وكذا تبييض الأموال، إلى جانب المدير السابق لورشة "فيرسيد" التابعة لمركب الحجار (ج.ب 61 سنة)، المتهم باختلاس أموال خاصة وقبول مزية غير مستحقة، في حين توبع كل من (ن.ع 34 سنة)، )ب.ع 44 سنة) بتهمة التزوير في محررات تجارية، في الوقت الذي يوجد فيه ستة متهمين آخرين ليسوا موقوفين، ثلاثة منهم في حالة فرار، كما توبع في القضية السائق الشخصي لرجل الأعمال ح.ف. وتعود وقائع هذه القضية المثيرة، إلى شهر أفريل من عام 2009 عندما فتحت مصلحة الإستعلامات والأمن للمركز الإقليمي العسكري، تحقيقات وتحريات مكثفة بشأن قضايا الفساد التي هزت الإقتصاد الوطني، وذلك إثر تلقيها معلومات مؤكدة عن نشاط رجل الأعمال ح.ف صاحب شركة متخصصة في معالجة النفايات الحديدية المسترجعة بمركب أرسلور ميطال بالحجار، وتهربه من دفع الضرائب المستحقة باللجوء إلى إستعمال طرق تدليسية وإبرام صفقات مشبوهة بإستعمال أسلوب التزوير في محررات تجارية وتقليد الأختام من أجل إختلاس أموال مركب الحجار، وهذا باستعمال فواتير وهمية لمتعاملين مقيدين في كشف تعاملات المركب، وقدر إجمالي تعاملات شركة رجل الأعمال المعني مع المركب خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2005 و2008 بأزيد من 489 مليار سنتيم. وفي جلسة المحاكمة التي انطلقت في حدود الساعة العاشرة صباحا، وسط حضور قياسي للمحامين ورجال الإعلام والمهتمين بالقضية، أفحم قاضي محكمة الجنايات، الذي تابع المحاكمة بذكاء وفطنة كبيرين، المتهم الرئيسي ح. ف، وأقام عليه النائب العام الحجج والبراهين، بالرغم من محاولاته التهرب من التهم الثقيلة المنسوبة إليه، وكشف القاضي وقائع غاية في الإثارة والغرابة، تتعلق بتعاملات المعني طيلة السنوات الفارطة، منها إبرامه لصفقات مشبوهة وتحرير فواتير مزورة بوجود تبادلات تجارية بينه وبين عدة متعاملين في مجال النفايات الحديدية، تبث في الحقيقة أنهم وهميون، مما كلف الخزينة العمومية خسائر بمئات الملايير، من خلال الفائدة التي جناها ح. ف من هذه التعاملات المشبوهة، بسبب استرجاع الرسم على القيمة المضافة، وأثار القاضي قضية التعامل مع متوف في شهر ماي من عام 2000، إلا أن ح. ف يصرح بتعاملات تربطه معه في سنتي 2006 و2007، وقال له القاضي: "ف" أنت متهم بالتعامل مع هيكل عظمي كيف ذلك، ورد "ف" بكون مصالح الضرائب لم تبلغه بكونه في حالة تهرب ضريبي، ولم تبلغه أيضا بكون المعني متوفيا أم لا، ولا حتى بأمر عدة متعاملين من ولايات تبسة وسطيف ثبت أنهم مدرجون في القائمة الوطنية للغشاشين، واستجوب القاضي المتهم حول مسألة الاختلاس التي تعرض لها مركب أرسيلور، بالتواطؤ مع مدير ورشة فرسيد ج. ب، من خلال تحرير وصولات حديد مزورة، والقيام بوزن شاحنات النفايات الحديدية مرتين أو ثلاث، وأكثر من ذلك تموين المركب بالأتربة على أساس أنها نفايات حديدية، وعمليات التزوير الواضحة في فواتير المتعاملين مع ف.ح، إذ فجر النائب العام فضيحة أثناء تدخله، تثبت أن جميع الفواتير تحمل شكلا واحدا بالرغم من أن المتعاملين من عدة ولايات، وبرر فلاح ذلك بكون جميع المتعاملين ينسخون فواتيرهم عند كاتب عمومي واحد، وبشأن الغياب التام لقيمة ضخمة من النفايات الحديدية تقدر ب8 آلاف طن، التي تقاضى عليها "ف" مستحقاته بالرغم من أن مدير المفولذة الأوكسجينية أثار غموض الملف، لم يستطع مدير وحدة فرسيد توضيحها ولم يقدر "ف" على تبريرها أيضا، وثبت في المحاكمة أن "ف" تعامل مع مستفيد في إطار لونساج، مصرحا بأنه يحوز ترسانة من شاحنات النقل وفي الواقع غير ذلك، هذا وتواصلت الجلسة إلى ساعة متأخرة من أمس، على أن تستمر اليوم الاثنين.