كان يكتب أدوراه باللغة العربية، لكن بحروف فرنسية، حفظ بعضا من القرآن بلغة موليير، ماتزال عائلته تحتفظ بسيناريو فيلم كتبه صديقه وزميله المفتش الطاهر بعنوان "جثة"، إنّه لابرانتي الإنسان البسيط، عاشق سوق "الرودشار"، ولقاء الأحبة في جامع "اليهود"، لم يكن سياسيا أبدا، هذه المعلومات وأخرى تكشفها ل"الشروق" عائلة المرحوم يحيى بن مبروك في الحلقة الثانية والأخيرة. تقول خالتي فاطمة: "مع البداية تلقى مساعدة ولكنه رفض ولكن بعد إلحاح تم نقله إلى "كورسيكا" التابعة لفرنسا، أين قاوم الأطباء بيده السليمة لتي لم تشل، كان يرفض الدواء (اليد الصحيحة كان داير بيها حالة).
هذا ما فعلته خليدة تومي وسيدي السعيد ل"لابرانتي"؟ وتقول ابنته (حياة): "زاره أغلب الفنانين الجزائريين على غرار المرحوم سيد علي كويرات وفريدة صابونجي وعثمان عريوات وبيونة، بينما المسئولين، فاقتصرت الزيارة على الوزيرة السابقة خليدة تومي التي أدّت الواجب كما ينبغي، زارته مرات عديدة وبدون بروتوكولات وكأنها في منزلها بصورة عفوية جدا، قدمت إعانة لوالدتي ومنحتها منزلا، وبعد رؤيتها لمنزلنا، تساءلت "أيعقل أن تسكنوا هنا؟". وتتدخل خالتي فاطمة لتضيف أنّ الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد هو من أخذه ليعالج في جزيرة "كورسيكا"، حيث مكث هناك حوالي 5 أو 6 أشهر، بينما -أوضحت خالتي فاطمة- "لم نر لخضر بن تركي أو سامي بن الشيخ الحسين". ويقاطع ابنه محمد حديثا بقوله: "بالنسبة للديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوقالمجاورة، أعددنا ملفا وقدمناه له".. تقاطعه خالتي فاطمة: "نعيش على معاش تقاعد المرحوم، و"لوندا" تمنح لنا قسطا من حقوق بث أفلامه في التلفزيونات، مؤكدة أنّها تلقت حق البث والتأليف منذ حوالي ثلاث سنوات وقيمته 3 ملايين سنتيم، في حين لم تقم مصالح الأحوال الاجتماعية بالديوان بدورها ولم تزر العائلة -حسب تصريح العائلة-. وبعد زيارة خليدة تومي لبيت لابرانتي، ذكرت عائلته أنّ جمعيات ثقافية ومؤسسات كرمته منها مؤسسة "الشروق" للإعلام وجمعية "ميميس" من برج بوعريريج التي أرسلت سيارة لأخذ العائلة إلى حفل التكريم الذي أقيم قبل بضعة أشهر، وكذا جمعية "أولاد الحومة" بالحراش. ويؤكدون أنّ وزارة الثقافة قد قامت أكتوبر الماضي باتصال هاتفي وطلبت من أرملة لابرانتي الحضور إلى مقر الوزارة لأخذ "الدعوة" بمناسبة عيد الثورة 1 نوفمبر؟ وهنا تعلق ابنته: كيف لأمي أن تذهب لأخذ دعوة التكريم؟ لماذا لم يرسلوها لنا؟ هذا غير معقول؟
لابرانتي منح شقةF3 ولم يسكنها.. وزوخ مطلوب لحل القضية وفي سياق ذي صلة، أوضح محمد أنّه يريد توجيه رسالة إلى والي الجزائر العاصمة عبد القادر زوخ بخصوص قرار صدر سنة 1997 منح بموجبه لابرانتي شقة من 3 غرف مسجلة باسمه "يحيى بن مبروك"، لكن لم يحصل عليها بالرغم من انه كان ضمن قائمة المستفيدين (في الوثائق مكتوب تسلم الشقة، لكن في الواقع لا). ولفت محمد أنّ نسخة من وثيقة القرار مسجل فيها رقم العمارة ورقم الشقة التي لم يسكنوها وتقع في سيدي لكبير، والقائمة ممضاة من طرف الوالي ورئيس الدائرة سنة 1997. وأشار المتحدث أنّ الشقة منحت لوالده باعتباره مجاهدا كما بقية المجاهدين الذين منحت لهم سكنات. وهنا يتدخل حفيد لابرانتي عبد الرحيم بقوله "أنّ هذه الشقة التي كان يفترض أن يقطنوها هم مأهولة اليوم من طرف أناس آخرين..لذا نريد من زوخ مراجعة القضية وإعطائنا حق والدنا". ويشدد الابن محمد "نريد حق والدنا الذي لم يأخذ الشقة والمنح رغم أنّه مجاهد وفنان ولاعب كرة". وتردف خالتي فاطمة: "شاركت في الثورة ولكن لست مسجلة في قائمة المجاهدين والمجاهدات ونملك الدليل بالصور والوثائق الأرشيفية وصوري أثناء الثورة موجودة، حيث كنت ممرضة وعملت مع الوزير السابق تيجاني هدام".
أرملة لابرانتي..مجاهدة لم تنل حقها وفي السياق تتحدث "حياة" أنّ أباها لم يسجل نفسه، لكن أصدقاءه قاموا بذلك بدله،تتدخل خالتي فاطمة وتخاطب حياة "احضري الصور"، وبعدما أحضرت الصور، علق محمد بأنهم يملكون الدليل على مشاركة والدته في الثورة والدليل يوم الاحتفال بأول نوفمبر، حيث تجد صورها معلقة إلى جانب مجاهدات ومجاهدين آخرين، وبعض صورها موجودة في متحف المجاهد بالعاصمة. وتكشف خالتي فاطمة: "كان هناك متجر بشارع العربي بن مهيدي، حيث يعلق صورا لي، لكن لم أطلب حقي وهم لم يبحثوا عنّي أبدا انخرطت في الثورة في عام 1957 ولدي الدليل". أمّا حفيدها عبد الرحيم فأوضح أنّ جدته مرّت في التلفزيون الجزائري "الأرضية" و"كذا حصة حولها لذلك الدولة تعرفها وليس المطلوب أن تذهب إليهم بنفسها، وأتذكر أنّها كانت برفقة صديقتها سعيدة". وعن صديقتها سعيدة تقول خالتي فاطمة: "سعيدة بن سليمان عملت معي وكانت مع كل من فريدة حمدي من سوق اهراس، وأخوها مجاهد توفي رحمه الله وآخرين، كنت أحمل السلاح عندما نخرج إلى الحدود التونسيةالجزائرية لمعالجة الجرحى ولم يكن ذلك دائما، لأننا نعمل في المستشفى بالمدينة".
خالتي فاطمة: التلفزيون الجزائري مطالب بإعادة صور لابرانتي ووسط النقاش، يظهر لنا محمد بعض الصور ويعلق: "هذا والدي يحيى في الصين مع الفرقة الفنية لجبهة التحرير، وهذه مع فرقة مصطفى كاتب، وهذه الصورة عندما بدأ لعب كرة القدم وعمره 17 سنة، في فريق سي سي أ، كان يحب مولودية العاصمة، أمّا هذه فمع فريق جيش التحرير بعد الاستقلال..هذه نوادر الصور التي نملك، منحنا مؤسسة التلفزيون العمومي في زمن رئيسه السابق حمراوي حبيب شوقي مجموعة من الصور حوالي 20 صورة تخص والدنا ولم يعيدوها لنا، بعدما وعدونا بذلك..نطالبهم بإعادتها". وتفضل ابنة لابرانتي حياة التعليق أيضا بقولها: "هذه صور والدي في ألمانياوالصين، وهذه في بلعباس يوم كرمته إحدى الجمعيات الثقافية بعد وفاته، في 2006". وهنا تقاطع خالتي فاطمة الحديث وهي متحسرة على الصور التي أخذها التلفزيون وقالت: "كافة الصورة الجميلة أخذها التلفزيون الجزائري، وثقت فيهم ولكن لم يعيدوها، اليوم نطالبه بإعادتها من أجل أن يبقى أرشيف لأولادنا". لكن حياة غيرت مجرى الحديث عندما تطرقت إلى أنّ والدها كان مسؤولا على أربع عائلات، يعطي الأولوية لوالديه منذ عودته من تونس، يتكفل بهم جميعا بوالديه وأخواته وأخيه، وكان يقوم بكل شيء سواء في السراء أو الضراء. وأشارت أنّ والدها بعيد عن العائلة، كان ينظم الدورات الكروية ويشتري الميداليات والأقمصة ويقوم بدور الحكم وهدفه في ذلك هو عدم انسياق الشباب وراء الجريمة والمخدرات والسرقة. وعن علاقة المفتش حاج عبد الرحمان "لانسبيكتور" الطاهر، توضح خالتي فاطمة أنّه لم يكن يأتي إلى البيت، بل يلتقي لابرانتي خارجا وكانت علاقتهما علاقة عمل ولديهما نفس العقلية وعبرت: "يفهمان بعضهما بمجرد نظرة". ويظهر محمد وحياة صورا أخرى لوالدهما مع الفرقة الفنية لجبهة التحرير مؤرخة بتاريخ سنة 1971، وتضم الصورة الفنانة ياسمينة التي شاء القدر أن تتوفى في حادث مرور وقع للحافلة التي كانت تقلهم إلى سطيفوكان يفترض من لابرانتي أن يكون معهم، لكن غير قرره في اللحظة الأخيرة واختار السفر على متن سيارة.
هذه قصة لابرانتي مع "الشطاطح" و"السردين" و"الملوخية" ومحاولة لمعرفة ماذا كان يحب يحيى بن مبروك من مأكولات، سألنا خالتي فاطمة، وأجابت أنّ المرحوم كان يحب أكل السردين كثيرا، وأطباق "بطاطا فليو" و"الشطاطح" مثل "شطيطحة المخ" و"الدوارة"، في حين لا يحب أكل "الملوخية"، ويعشق أيضا الأكل التونسي بعد الفترة التي قضاها هناك إلى غاية الاستقلال. ولم تخف المتحدثة أنّ زوجها كان يشتري مختلف المواد الغذائية واللحوم، حيث يشتري كثيرا "البوزلوف" الذي لا يتناول منه إلا اللسان أو المخ، كما كان يحب "البويون" بصفة يومية قبل نومه وإذا لم يجده يقيم الدنيا ولا يقعدها.
لابرانتي بنى مسجدا وكان مؤذنا و"فرانكوفونيا" مع أولاده وحول حياته في الشهر الفضيل، كشفت خالتي فاطمة أنّ لابرانتي لا يحب "السهرات" وكان يؤذن بين الفينة والأخرى في مسجد الحي المعروف باسم (عمر بن الخطاب) بلافيجري. تقول المتحدثة: "صوته يشبه صوت السديس، يؤذن في أوقات فراغه لصلاة الظهر والعصر ويصلي في المسجد..حيث أنّ الناس قبل أن يذاع الخبر لم يكونوا يعرفون أنّ لابرانتي هو من كان يؤذن..واستمر على ذاك النحو لثلاث أو أربع سنوات". وفي الصدد روت لنا أنّه ذات يوم كانت جالسة رفقة جارتها وبينما هما يتجاذبان أطراف الحديث سمعا صوت المؤذن، فقالت الجارة هذا الصوت كأنّه صوت خطيب الحرمين (السديس)، فردت عليها خالتي فاطمة هذا صوت يحيى..فاندهشت الجارة لصوته الجميل ولم تصدق الأمر. وعن علاقته بالعائلة، تسرد حياة أنّه كان يتحدث معهم باللغة الفرنسية، لأنّه لم يدرس العربية وتكوينه كان بالفرنسية.
قصة لابرانتي مع يده اليسرى وكيف حفظ سور القرآن وعن يومياته، أجابت حياة أنّه كان يحب الذهاب إلى شارع "الرود شار"، (rue de chartres) حيث يلتقي بأصدقائه هناك، عادة ما يغني وهو يمشي، حفظ بعض السور من القرآن الكريم باللغة الفرنسية، وبما أنه "يساري" لم يكن يأكل بيده اليسرى، مراعيا الحديث الشريف حول آداب الأكل "كل بيمينك"، وبالتالي أرغم نفسه على ضرورة الأكل باليد اليمنى، لكن يده اليسرى يستخدمها في الكتابة والقراءة والأمور الأخرى. وفي ختام الحوار مع خالتي فاطمة وأولادها، تبدو راضية عمّا فعله لابرانتي في حياته وعن علاقته بها وبأولاده وأبويه، حيث حمدت الله تعالى على أنّ لابرانتي ترك وراءه أفعالا خيّرة كمساهمته في بناء مسجد بالحي فكانت فكرته ومشروعه، جمع التبرعات وقام بكل الأمور الإدارية للحصول على قطعة أرض كانت غير مستغلة مهجورة، وكان ذلك سنوات التسعينيات من القرن الماضي. وذكرت أنّ واحدا من الأشخاص الذين تبرعوا له بالمال لبناء المسد طلب من يحيى بن مبروك أن لا يذكر اسمه، لأنّه أراد وجه الله.
لابرانتي..حاج ومعتمر وحسب حياة، فإنّ والدها قام بزيارة بيت الله حاجا مرة واحدة ومعتمرا خمس مرات، إلا أنّ العائلة تؤكد حياة أنّها تود لو يطلق اسم يحيى بن مبروك على مؤسسة ثقافية معينة حتى لا ينساه الناس، كما فعلت الدولة مع فنانين آخرين باعتباره يستحق ذلك، فقد منح الكثير للثقافة والفن والكوميديا الجزائرية، أفنى وقته وجسده في هذا المجال.