تحول ترشح الوزراء للانتخابات التشريعية المقبلة إلى قضية بسبب التضارب الحاصل بشأنها هذه الأيام، فالكثير من أعضاء الجهاز التنفيذي استعدوا مطولا واستنفذوا الكثير من الجهد والوقت تحضيرا لهذا الاستحقاق، إلا أن "خرجة" ولد عباس الأخيرة، كشفت عن نتيجة مغايرة، مفادها أن أيا من وزراء الحزب العتيد لم يترشح. هذا الأمر يشكل سابقة، لأن الوزراء ظلوا خلال الاستحقاقات السابقة بمثابة "النجوم" في القوائم كما هو الحال في كرة القدم.. فلماذا شكلت تشريعيات 2017 استثناء؟ وما هي الخلفية التي تقف وراء هذا المعطى؟ وهل يمكن اعتبار عدم ترشح الوزراء عقابا لهم على "ضعف" أدائهم في الجهاز التنفيذي، أم أنه تم الاحتفاظ بهم لمهام أخرى؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
كانوا يحلمون بمقاعد بالغرفة السفلى أي مصير ينتظر وزراء الأفلان بعد التشريعيات؟ خلف تأكيد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، عدم ترشح أي من وزراء حكومة عبد المالك سلال للانتخابات التشريعية المقبلة، جملة من التساؤلات حول خلفية هذا المعطى وكذا التضارب الحاصل على هذا الصعيد. في البداية؛ كان ولد عباس كلما سئل عن ترشح الوزراء يؤكد بأن مصيرهم بيد رئيس الجمهورية باعتباره هو من عينهم في الحكومة، ثم شهد موقفه بعض التطور بعد ذلك، فصار يقول إن على أي وزير يريد الترشح تقديم استقالته من الحكومة، تماشيا مع القانون العضوي المتعلق بالانتخابات.. ثم بعد ذلك خرج ولد عباس في تصريح أكد فيه ترشح ثمانية وزراء ذكرهم بالاسم وهم: وزير النقل والأشغال العمومية بوجمعة طلعي، وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، عبد المالك بوضياف، وزيرة العلاقات مع البرلمان غنية الداليا، وزير التهيئة العمرانية والسياحة والصناعة التقليدية، عبد الوهاب نوري، وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عبد السلام شلغوم، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطاهر حجار، وزير الموارد المائية والبيئة عبد القادر واعلي، والوزيرة المنتدبة لدى وزير السياحة المكلفة بالصناعة التقليدية، عائشة طاغابو. غير أنه وفي بحر الأسبوع الجاري عاد الرجل الأول في الحزب العتيد ليؤكد بأن لا أحد من الوزراء قدم ملف ترشحه، رغم وجود أدلة وقرائن على تقديم بعض أعضاء الطاقم الحكومي ملفات ترشحهم، واقترن أسماء بعضهم برؤوس قوائم الحزب في الولايات التي ينحدرون منها. هذا التضارب وهذه التجاذبات حوّلا ترشح الوزراء إلى قضية.. فإذا صحت تأكيدات ولد عباس، فإنه لأول مرة ستخلو قوائم الحزب العتيد في الانتخابات التشريعية من أسماء الوزراء، وهم الذين كانوا خلال الاستحقاقات السابقة بمثابة نجوم تتلألأ بها القوائم، ومحفزا لكسب المزيد من الأصوات. الأكيد أن تصريح ولد عباس الأخير هو القرار النهائي والحاسم بشأن ترشح الوزراء لأنه أدلى به بعد أن قطعت دراسة الملفات أشواطا واقترب الكشف عن القوائم النهائية، ما يعني أن رغبة الوزراء في الترشح كانت قائمة، وفرضية قيادتهم لبعض القوائم كانت مطروحة أيضا، غير أن إرادة من قرر كانت عكس ذلك تماما.. فلماذا تم التراجع في النهاية؟ ومن اتخذ القرار؟ عادة ما تعمد الرئاسة إلى "تطييب خاطر" بعض الأسماء التي عملت في الجهاز التنفيذي طويلا، بتعيينها ضمن الثالث الرئاسي بمجلس الأمة، وقد جسد هذا ما حصل مع وزير الصحة الأسبق، السعيد بركات، ووزير الرياضة الأسبق، الهاشمي جيار، ووزير التكوين المهني الأسبق، الهادي خالدي، ووزير التضامن والتشغيل الأسبق، جمال ولد عباس.. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الوزراء الذين أبدوا رغبتهم في الترشح كان الأمل يحدوهم في الحصول على مقعد في الغرفة السفلى للبرلمان، يخفف عنهم "آلام" الابتعاد عن الأضواء في حال قرر الرئيس عدم تكليفهم مجددا والاستغناء عن خدماتهم، غير أن الرؤية يبدو أنها لم تكن واضحة بالشكل المطلوب لدى الوزراء فآثروا عدم المغامرة في الأخير. وزير في حكومة سلال المعنيين بالترشح، أسر لأحد أصدقائه بعد أن خاب أمله في خوض سباق التشريعيات، وقال له بالحرف: "كيف أترشح والرئيس عينني بمرسوم. فالترشح يتطلب تقديم الاستقالة للرئيس تماشيا مع القانون، وهذا قد يفهم على أنه تمرد أو تنصل من المسؤولية التي كلفني بها الرئيس.." هذه العبارات تلخص بدقة حالة الارتباك التي عاشها وزراء "الأفلان" خلال الأسابيع القليلة الأخيرة. هاجس هذا الوزير يؤشر على وجود احتمال مفاده أن الوزراء لم يتلقوا الإيعاز من الرئاسة بالترشح من عدمه، وهذا هو الأمر المرجح، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الوزراء الذين آثروا عدم الترشح خوفا أو توجسا من غضب الرئيس، سيكلفون بحقائب في الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات التشريعية وفق العرف الدستوري. فأي مصير ينتظر هؤلاء مطلع الصيف المقبل؟
الوزير والقيادي السابق في الأفلان عبد الرحمن بلعياط: "للوزراء أجنداتهم.. وترشحهم مرهون بموافقة الرئيس" أمينعام جبهة التحرير جمال ولد عباس أكد أنه لا يوجد من الوزراء من ترشح باسم حزبه للانتخابات التشريعية.. لماذا؟ بما أن الوزراء لم يترشحوا إلى حد الساعة، فهذا يحتمل العديد من القراءات، ربما لكل وزير سبب يمنعه من ذلك، أو إن له أهدافا أخرى بعيدة عن مبنى البرلمان، أو ربما لأن الوزير ما هو إلا موظف في الدولة، التي يخضع لقوانينها ولأوامر وإيعازات مسؤوله الأول. وعلى كل حال، فالوزير الذي يرغب في الترشح لا يتردد. وهنا أسرد تجربتي الشخصية، من قبل، حينما طُلِب مني الترشح في عهد الحزب الواحد ترشحت دون تردد، وحتى في عهد التعددية عندما أردت الترشح، دون أن يطلب مني، تقدمت بطلبي وترشحت وكان ذلك سنة 1997 عندما كان بن حمودة أمينا عاما للحزب.
ولد عباس كان قد أكد أن ثمانية وزراء قدموا ملفات ترشيحاتهم، ثم عاد ليؤكد أنه لا أحد قدم ملف ترشحه بمن فيهم وزير الصحة الذي قال إنه تراجع عن الترشح.. ما هي القراءة التي تقدمونها بهذا الخصوص؟ لا تفسير لهذه التصريحات، فالوزير ما هو إلا عضو في الحكومة كما قلت لك، وإن لم ير مسؤولوه ضرورة ترشحه قد يلغي ذلك رغبته في الترشح، وولد عباس يتحدث بما يراه هو، لكن الوزير يرتبط ترشحه بمدى رغبته في ذلك وقدرته على العطاء وعلى مجابهة شخصيات أخرى في الحزب، ربما تكون أكثر قدرة على تمثيل الشعب والعطاء من موقعها فيالبرلمان.
ألا تعتقدون أن بنود القانون العضوي للانتخابات الذي يجبر الوزراء المترشحين على الاستقالة وراء عدم ترشحهم؟ أولا، القانون العضوي لا يلزم الوزراء بالاستقالة، ويمكنهم الاستوزار إلى آخر يوم من الحملة الانتخابية وإلى غاية يوم الاقتراع، كما أن العرف لا يفرض على الوزير المترشح الاستقالة، وإنما هو أمر أخلاقي محض، حيث يتوجب على الوزير ألا يستغل موقعه كوزير وإمكانات الدولة المسخرة له بحكم منصبه لتنشيط حملته. وعلى العموم حتى في فترة النضال العادي، بعيدا عن الانتخابات، الأخلاق تفرض على الوزير عدم استغلال إمكانات الدولة لخدمة حزبه أو الترويج له، ولذلك أرى أن ما سبق أن أدليتم به بشأن التخوف من الإبعاد عن الحكومة ليس وراء عزوف الوزراء عن الترشح.
أكد ولد عباس أكثر من مرة أن ترشح الوزراء مسألة تخص الرئيس بوتفليقة باعتباره هو الذي عينهم في الحكومة، ألا يؤشر هذا على أن الوزراء لم يتلقوا الإيعاز من الرئاسة؟ كما قلت لك سابقا، الوزير لا يفرض نفسه على الرئاسة، ومن يتحدث عن عدم إيعاز الرئاسة للوزراء بالترشح إلى حد الساعة، فهو بعد جهد جهيد يفسر الماء بالماء، لأن الجميع يعلم أن تعيين الوزراء جاء تحت سلطة الرئيس ورحيلهم لن يكون إلا بقرار الرئيس وحتى تحويلهم واستدعاؤهم إلى مهام أخرى كذلك، أما فيما يخص ترشح الوزير للتشريعيات، فهو ملف يناقشه مع الأمين العام للحزب أو المكتب السياسي، ولكن يجب موافقة الرئيس أيضا، فالرئيس بوتفليقة هو رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، ولا أحد يمكنه أن يغفل ذلك.
ألا تعتقدون أن عدم ترشح الوزراء يشكل انعكاسا لرغبة جهات عليا في إظهار توجه نحو تغيير الوجوه التي تدير الشأن العام؟ التغيير سنة الله في خلقه وضرورة من ضرورات الحياة، فوزراء اليوم سيصبحون في يوم ما وزراء سابقين، ولكن أعتقد أن الوزير وحتى النائب يجب أن يكون مناضلا وليس مجرد موظف ينتظر التقاعد مثل بقية مستخدمي الوظيف العمومي، فالمنصب الذي يتحصل عليه من طرف رئيس الجمهورية هو نضال أكثر منه مسارا، وعلى العموم لا يجب أن تبقى دائما نفس الوجوه تدير الرأي العام.
عضو المكتب السياسي السابق عبد الكريم عبادة: الوزراء حاولوا استغلال المناصب والرئيس أفشل مخططهم نفى الأمين العام لحزب جبهةالتحرير الوطني جمال ولد عباس، ترشح الوزراء باسم حزبه في الانتخابات التشريعية، وهو ما اعتبره البعض تضاربا مع تصريحاته السابقة.. برأيك ما هو السبب؟ مبدئيا أنا ضد فكرة التمييز في التعامل مع مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني، فمن غير المعقول أن يحظى الوزير أو المسؤول بمعاملة خاصة وهو القادم الجديد إلى الحزب ولا يملك في رصيده نضالا سياسيا، خاصة أن الكثير ممن نتحدث عنهم اليوم، قد جاؤوا إلى الأفلان بعد المؤتمر العاشر الذي هو في الأصل مطعون في شرعيته، وما زاد الطين بلة هو أن هؤلاء الوزراء كانت لهم مواقف عدائية تجاه الحزب في وقت سابق وكانوا محافظين ومسؤولين في أحزاب أخرى، فمن غير المعقول الحديث عن ترشحهم وتقديمهم في صدارة القوائم بدل المناضلين الذين أفنوا حياتهم في المحافظات والقسمات، ولهذا أجدد تأكيدي ورفضي لترشح هؤلاء، أما بخصوص تضارب تصريحات ولد عباس فهذا الأمر عادي فهو في الأصل متناقض ومتردد.
ولد عباس كان قد أكد بلسانه أن ثمانية وزراء قدموا ملفات ترشيحاتهم، ثم عاد ليؤكد أن لا أحد قدم ملف ترشحه بمن فيهم وزير الصحة عبد المالك بوضياف، الذي قال إنه تراجع عن الترشح.. ما هي القراءة التي تقدمونها بهذا الخصوص؟ سبق أن قلت إن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، متناقض في تصريحاته وكل مرة "يخرج" بتصريح مغاير، فهو غير قار في التزاماته، وهو ما يفسر تناقض مواقفه الأخيرة بشأن ترشح وزراء الحزب، الذين هم في الأصل يرغبون في اصطياد المناصب والسعي للتموقع ولو على حساب المناضلين، فالنضال هو قناعات سياسية واجتماعية وفقا للبرنامج وهو الشيء الغائب لدى هؤلاء، الذين يريدون استغلال الآفلان لمآرب شخصية الكل يعلمها، وهو الأمر الذي يجعلنا نفسر التهافت الكبير للغرباء من رجال الأعمال وأصحاب المال الفساد على الترشح باسم الآفلان.
ألا تعتقدون أن بنود القانون العضوي للانتخابات الذي يجبر الوزراء المترشحين على الاستقالة وراء عدم ترشحهم؟ شخصيا لا أؤمن بأن هذا هو السبب وراء تراجعهم عن الترشح، فرئيس الجمهورية رئيس دولة وله كافة الصلاحيات، في اختيار الجهاز التنفيذي، والحديث عن خوف الوزراء من فقدان مناصبهم يجعلنا نجزم أن هؤلاء أرادوا الترشح كوزراء وليس كمناضلين، حيث لم تعد المؤهلات السياسية والنضالية للمترشح كافية للفوز بمنصب في البرلمان، بل طغت مؤخرا موضة جديدة وهي تقديم المسؤولين على رأس القوائم كواجهة لجلب الأصوات وخلق منافسة قوية مع التشكيلات السياسة الأخرى، من دون مراعاة البرنامج والكفاءة.
أكد ولد عباس أكثر من مرة أن ترشح الوزراء مسألة تخص الرئيس بوتفليقة باعتباره هو الذي عينهم في الحكومة، ألا يؤشر هذا على أن الوزراء لم يتلقوا الإيعاز من الرئاسة؟ في الحقيقة لا يمكن الجزم بذلك، غير أن الشيء المؤكد هو أن رئيس الجمهورية لا يعتمد على مثل هذا الأسلوب، فهؤلاء تم تعيينهم في الجهاز التنفيذي في مهمة واضحة، وهي خدمة المواطن وتنفيذ برنامجه، وهم أحرار في الترشح شرط عدم استغلال مناصبهم في تمويل حملاتهم.
ألا تعتقدون أن عدم ترشح الوزراء يشكل انعكاسا لرغبة جهات عليا في إظهار توجه نحو تغيير الوجوه التي تدير الشأن العام، أم أنهم تلقوا تطمينات باستمرارهم في الجهاز التنفيذي؟ أتمنى من رئيس الجمهورية أن ينظر إلى المصلحة العامة، ويصدر تعليمة صارمة لمنع هؤلاء من اصطياد المناصب، وأن يفتح المجال أمام الشباب والجيل الجديد ليقولوا كلمتهم، وتقديم خطاب مختلف يحاكي الواقع، فمن غير المعقول الاستمرار في سياسة نفس الأشخاص ونفس الوجوه في نفس المناصب.