ثمة هذه الأيام جدل حاد يدور بين الفرنسيين والجزائريين محوره فيلم.. مجرد فيلم عنوانه "الخارجون عن القانون"، ولكن كل واحد من الطرفين يريد أن يجعل منه مطية للمصالحة التاريخية بين الجانبين كل على طريقته المليئة بالخبث المعروف أكثر عند الجزائريين باسم "التايهوديت ". * الجانب الفرنسي بسياسييه ومثقفيه ومفكريه ويمينه ويساره يريد أن يجعل من هذا الفلم -الذي يتناول مرحلة من مراحل الاستعمار الفرنسي- كل شيء في النقاش الدائر حول الفترة الاستعمارية وما صاحبها وما حدث فيها للتغطية على قانون تمجيد هذا الاستعمار وجعله أمرا واقعا ومفروغا منه ومعفى من المراجعة والنقاش، وتمديد المهمة ودائرة الاختصاص إلى الجانب الجزائري، لمساعدته على جعل هذا الفيلم وسيلة للتكفير عن الذنب الذي اقترفته مجموعة من النواب الجزائريين باقتراح قانون جزائري يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر في مقابل القانون الفرنسي الذي يمجد هذا الاستعمار، خاصة وأن الأمر أصبح يتطلب تبرير أو تمرير موقف المسؤولين الجزائريين الرافض لطرح مشروع النواب الجزائريين للمداولة في المجلس الشعبي الوطني، ومنهم موقف من وصف المشروع في حينه بمجرد مزايدات كلامية بعد أن سبقه وزير الخارجية الفرنسي كوشنير إلى التعبير عن ثقته في رفض هذا المشروع من داخل الجزائر ومن الجهاز التنفيذي الجزائري بالذات، ليتأكد ولاء وانتماء هذا الجهاز لمصلحة من تدور عجلته، وهذا ما يؤكده سقوط هذا المشروع في الماء نتيجة عدم رد الحكومة أو السلطات التنفيذية التي وضع فيها الوزير كوشنير ثقته والصمت المطبق الذي يلازمه مكتب المجلس الشعبي الوطني بهذا الخصوص . * ومن جهة أخرى ليس من مجرد الصدف أن يتزامن ما يدور حول فيلم "الخارجون عن القانون" مع مبادرات فرنسية أخرى، وإن بدت ذات طابع ثقافي أو علمي أو تجاري محض، ونلاحظ أنها كثيرة ومتنوعة في المدة الأخيرة، ولكن رسالتها الحقيقية أقوى مما يظهر لعامة الناس. * وهكذا يراد من هذا الجانب وذاك أن تختصر 132 سنة من الاستعمار والتقتيل بأبشع أنواعه ضد الجزائريين، في فيلم من 132 دقيقة، وأن تختصر قافلة من 7 ملايين شهيد خلال تلك الحقبة في إيهام بعض الجزائريين ببلوغهم السماء السابعة ثقافيا وعلميا. * ويبدو في النهاية أن هذا الجدل هو مجرد حوار نرجسي أو طائر واحد يغرد وجناحه يرد عليه، وكما كان الأمر دائما فإن القول فيه هو ما تقول فرنسا والفعل ما تفعله، والأوامر بما تأمر به .