يؤكد الباحث في العلوم السياسية نائب مدير مبادرة الإصلاح العربي، سلام الكواكبي، أن سباق الرئاسيات في فرنسا المقرر اليوم الأحد بين ماكرون ولوبين، لم يحسم للمرشح الشاب. ويقول إن مرشح "إلى الإمام" ينقصه الكثير من الكاريزما. ويتحدث الكواكبي في هذا الحوار مع "الشروق"، عن الأخطار ممكنة الحصول في حال وصول اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم. هل يمكن التنبؤ بمن سيكون الرئيس الفرنسي القادم؟ وهل حسم ماكرون السباق استنادا على نتائج الدور الأول والتأييد الذي حظي به من بعض منافسيه؟ لم يُحسم السباق بعد، على الرغم من استطلاعات الرأي، لأن هناك نسبة مهمة ممن صوت لليمين التقليدي بصورته الأخيرة المشابه بفساد مرشحه فرانسوا فيون ستنتقل بأصواتها إلى اليمين المتطرف، كما أن هناك نسبة كبيرة من الممتنعين عن التصويت الذين يميلون في معظمهم إلى اليسار المتطرف الذين يعتبرون أن التصويت المفيد تمديد للانتظار، وبالتالي، سيأتي بالفاشية، وسيتصدون لهم عبر ثورة خيالية هم وحدهم القادرون على تصورها، إضافة إلى بعض التأييد الذي لا يُعلن عن نفسه الآن، والمؤشر الأخطر هو عدم تفاعل الرأي العام بنفس النسبة من الصدمة كما سبق له أن فعل سنة 2002 عندما صعد والدها المؤسس إلى الدور الثاني وخرجت فرنسا عن بكرة أبيها رافضة العنصرية والفاشية المتجددة. أي خطر يمكن أن تشكله لوبان داخليا وخارجيا؟ وكيف يمكن تفسير حصولها على 21 بالمئة من أصوات الناخبين في الدور الأول؟ هناك توجه عام نحو التطرف يميناً أو يساراً في كل الدول الغربية، والنسبة الأكبر من الأصوات التي حصلت عليها أتت من الريف والمدن الصغيرة التي لم تعرف الاحتكاك بالأجنبي، وإنما عرفت أزمات اقتصادية هيكلية هامة. وكثير ممن فقدوا الأمل في الأحزاب اليسارية والشيوعية تحديداً، توجهوا إلى اليمين المتطرف الذي باعهم الكلام الشعبوي السطحي من دون أي عمق أو معرفة أو حلول. لقد دغدغ خطابها كثيرا من أصيبوا بإحباطات متتالية طوال العقود الماضية من السياسة والسياسيين. أما عن خطر وصولها إلى سدة الرئاسة، فهو رمزيا هائل الوقع، أما عمليا، فسيكون من الصعب عليها أن تحكم في بلد تشكل النقابات فيه ثقلاً هاما، ومؤسساته الديمقراطية عريقة، وسيكون حكمها معتمدا على التسويات والصدامات والصدمات، وخطرها الأساسي يكمن في معاداتها للأجانب من مسلمين وسواهم، وهي ستسعى للخروج من الاتحاد الأوروبي لإيمانها السيادي المتطرف، وعلى الرغم من تراجعاتها الانتخابية بخصوص التخلي عن العملة الموحدة، إلا أن برنامجها الاقتصادي مبهم وقائم على الوعود، وستكون حليفاً أوروبيا غربيا أساسيا لفلاديمير بوتين وسياساته الإمبريالية الجديدة في العالم وتمدده في أوروبا عن طريق الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات السيادية. هل يستحق حقا ماكرون هذه الهالة المحيطة به؟ أم إنه صنيعة دوائر إعلامية تأفل بعد اصطدامه بملفات ملغمة وهو رئيس للجمهورية الفرنسية؟ لا توجد في الحقيقة هالة كبيرة تحيط به، بل على العكس، فنقص الكاريزما لديه محل انتقاد يومي، كما أن قدرته المحدودة في الخطابة والجذب من خلالها يعطيانه نقاط ضعف لا يستهان بها، وهو آتٍ من حقل المصارف والمال، وبالتالي لديه دعم هام من رواد ومديري هذا الحقل، كما أن خبرته الاقتصادية الليبرالية تميل به أكثر نحو الديمقراطية الاجتماعية على الطريقة الألمانية. هل سينتهي مع ماكرون التوظيف السلبي لورقة الإسلام والمكون العربي في فرنسا؟ ماكرون لديه موقف إيجابي جدا من مواضيع الهجرة واللجوء، كما أنه من محبذي تعزيز سياسة الاندماج والانفتاح الثقافي، أما الترهيب من الإسلام (الإسلاموفوبيا) فعائدة إلى عوامل عدة يمكن لحكمه أن يخفف من ثقلها ولكنها ترتبط أيضا بممارسات البعض الضئيل من المسلمين والذين يصبون الزيت على نار العنصرية الموجهة إلى أغلبهم من فئات محددة. المجتمع انقسم سياسيا وكما أن الأحزاب التقليدية هي في طور الزوال، هناك إعادة ترتيب للمشهد السياسي الفرنسي بدأت وستتعزز بعد انتهاء المرحلة الثانية من الانتخابات. هل أحدثت هذه الانتخابات حالة انقسام حقيقية في المجتمع الفرنسي؟ وأي تأثيرات مستقبلية لحالة كهذه؟ أكثر من الانقسام، هناك طي صفحة الممارسة السياسية التقليدية واضمحلال نفوذ القوى السياسية التقليدية، إنها بالتأكيد، يميناً ويساراً، ستعيد تشكيل كياناتها بالاستفادة من هذه التجربة المريرة التي أخرجتها من المشهد لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود. أما مجتمعيا، فيبدو من الواضح أن الانتماء والتصويت للتطرف اليميني صارا هيني الإظهار ولا خجل ولا وجل فيهما كما كانت عليه الحال في الماضي القريب، ويبدو أيضاً أن يساراً متطرفاً متحجراً وشعبويا في طور البروز وهو يسعى بشكل غير مباشر لفوز اليمين المتطرف حتى "تحلو" له مواجهته. أي صورة ستكون عليها فرنسا بعد تاريخ السابع ماي؟ حسب المنتصر، فإن فاز ماكرون، ستتنفس الغالبية الصعداء مع مرحلة من التساؤلات والمساءلات، سيكون هناك نشاط حار ومتوتر على الصعيد النقابي والاقتصادي للحد من التوجهات الليبرالية للحكم الجديد، وستنشأ تحالفات وقتية لتشكيل الحكومة مثلما هي للانتخابات التشريعية. ولكن ثقة الأسواق ستتعزز بالوضع الفرنسي المستقر، خصوصا مع تحالف يبدو في الأفق أكثر وثوقاً مع ألمانيا، وسيكون لفرنسا دور أساسي في إصلاح مسار الاتحاد الأوروبي وعلاقاته بالدول الأضعف فيه، كما ستكون هناك استمرارية في الموقف الفرنسي على الصعيد الدولي ومواجهة طموحات وأطماع روسيا البوتينية. وأخيراً، سينفتح العهد الجديد على آفاق تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي مع دول شمال إفريقيا بشكل أكثر إيجابية وأكثر فاعلية. أما إن فازت لوبين، فستمر أشهر عديدة لن يستيقظ خلالها الناس من هول المفاجأة وستخرج التظاهرات وسيكون هناك توتر للشارع يمكن أن يتحول إلى صدامات عنيفة، كما أن الانتخابات التشريعية ستشهد مواجهات عنيفة لم يسبق للمشهد الفرنسي أن عايشها إلا نادراً. ستتأثر العملية التربوية بشدة لتوجه لوبين نحو تعديل المناهج بما يتناسب مع الأيديولوجية المتطرفة لحزبها، سيدفع العرب والمسلمون والأجانب عموماً ثمناً باهظا، وسيندمون على خمولهم السياسي وعدم سعيهم ليكون لهم دور مؤثر وفاعل في المشهد السياسي الداخلي الفرنسي.