عند كل تغيير أو تعديل حكومي تتردد أسئلة باتت من الثوابت، تتعلق أساسا بالمعايير التي يعتمد عليها في انتقاء الأسماء التي تكلف بالحقائب الوزارية، سواء الجدد أم أولئك الذين سيثبتون في مناصبهم أم الذين سيغادرون.. ما يجب أن يكون هو أن الوزراء الذين نجحوا إدارة مهامهم كما يجب، يفترض استمرارهم في قطاعاتهم أو تدويرهم بناء على ما أبرزوه من إمكانات قد تفيد قطاعات وزارية أخرى، أما المغادرون فيفترض أن يكونوا أولئك الذين فشلوا في امتحان النهوض بقطاعاتهم.. هذه قاعدة عامة يجب ألا يختلف فيها اثنان. غير أن المسألة ليست كذلك، فبعض التعديلات أو التغييرات الحكومية، لم تتم وفق هذا المنطق أو هكذا تبدو.. فهل تتم التعيينات في الحكومة بناء على تقييم جاد ومحايد؟ وما هي المعايير التي يتم الاعتماد عليها في تقلد الحقائب الوزارية؟ وهل المعايير واحدة عند الجميع؟ وهل الوزير الذي يعتبره المتابع فاشلا هو بالضرورة فاشل؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول الملف السياسي لهذا العدد الإجابة عنها.
قطاعات تحت المجهر الإقالة والتعيين ...معايير وتساؤولات! حافظت حكومة الوزير الأول الجديد، عبد المجيد تبون، على بعض الأسماء الوزارية التي كانت حاضرة في حكومة الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، وحتى تلك التي قبلها (حكومة أحمد أويحيى)، غير أن أسماء أخرى غادرت. فعلى أي أساس تم إبعاد الوزراء المغادرين وبأي خلفية تم تجديد الثقة في الوزراء الآخرين؟ في الديمقراطيات التقليدية، عادة ما يكون التغيير الحكومي مرتبطا بخسارة الحزب الحاكم الانتخابات التشريعية، وهذا يعني مغادرة هذا الحزب الحكومة بكافة وزرائه، وتسليم المشعل للحزب الفائز الذي سيشكل الحكومة الجديدة. في هذه الحالة، يمكن القول إن الشعب (الناخبون) هو من أنهى مهام الحكومة المغادرة، أي أن الجزاء كان من جنس العمل، كما يقول المثل العربي السائر، بمعنى أنه لو نجحت هذه الحكومة في إدارة دفة الدولة وفق ما كان مأمولا منها، لجددت فيها الثقة انتخابيا، ولذلك تم منح الثقة "المشروطة" لحكومة جديدة، إلى غاية الاستحقاق الانتخابي المقبل، الذي سيكون اختبارا لها. أما في الحالة الجزائرية فالوضع يختلف، فالرئيس بوتفليقة ماسك بزمام الدولة منذ العام 1999، كما أن الحكومة هي حكومته، هو من يعين الوزير الأول أو رئيس الحكومة (سابقا)، والوزراء وغيرهم من إطارات الدولة.. ومن ثم فتقييم الوزراء يفترض أن يكون من قبل من يختارهم، وهو الرئيس بوتفليقة، استنادا إلى نصوص الدستور. الحكومة الجديدة وإن لفظت أسماء كانت محل انتقاد من قبل الإعلام وقسط كبير من الرأي العام، إلا أنها حافظت على أسماء أخرى كانت محل ثناء.. وهو ما يجعل من تجديد التكليف أو الإبعاد محل جدل بين المتابعين للشأن السياسي في البلاد، في ظل هذه المفارقة. ومن خلال القيام بمعاينة بسيطة لإنجازات بعض القطاعات الوزارية، يمكن التوقف عند بعض الأسماء التي صنعت الجدل، ولعل وزير الاتصال المبعد من الحكومة، حميد قرين، يأتي على رأس قائمة هؤلاء، فقرارات و"خرجات" قرين خلفت انطباعا سيئا لدى أبناء المهنة التي كان وصيّا عليها، كما أنه لم يقدم ما يضيف جديدا أو يبعد الجور اللاحق بالمهنة، رغم أنه يعتبر من المحسوبين على قطاع الإعلام، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبار رحيله من الحكومة انتصارا. القطاع الآخر الذي كان محل انتقاد كبير أيضا، كان الصناعة والمناجم، فالوزير المقال، عبد السلام بوشوارب، عجز عن ضبط القطاع وتنظيمه، كما فشل في اختبار حماية مصالح البلاد فيما تعلق بالاستثمار في صناعة السيارات، لأن الاستثمارات الكبرى في هذا المجال، ذهبت إلى الجارة الغربية المغرب، رغم أن الجزائر تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سوق مفتوحة لصناعة السيارات الفرنسية، مقابل التضييق على بقية العلامات الأخرى المنافسة لها، ولكن من دون امتيازات. أما في الجهة المقابلة، فإن مغادرة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، شكلت مفاجأة كبيرة للمتابعين بالنظر للإمكانيات التي أظهرها هذا الدبلوماسي خلال مسيرته القصيرة على رأس وزارة الخارجية، ولعله يبقى الوزير الوحيد من بين المغادرين الذي لقي تعاطفا من قبل المتابعين.. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الآليات التي يتم الاعتماد عليها في تقييم أداء الوزراء، وكذا المعايير التي يحتكم إليها. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الوزراء المغادرين ليس بالضرورة أن جميعهم رسبوا في اختبار أداء المهام التي أوكلت إليهم، كما أن الوزراء الذين تم تجديد الثقة فيهم، ليس بالضرورة أنهم نجحوا جميعا في إدارة قطاعاتهم بالشكل المأمول.. لأن هناك وزراء سابقين فشلوا، بل وغرقوا في قضايا فساد إلى رقابهم ومع ذلك بقوا ينتقلون من وزارة إلى أخرى.
الوزير والدبلوماسي السابق كمال بوشامة الولاة أدرى بالتسيير من الوزرا .. وهناك معايير اختفت شهد التغيير الحكومي الأخير ترقيات لبعض الولاة وإبعاد لبعض الوزراء.. ما خلفية ذلك؟ من الطبيعي في أي حكومة وزراء يستبعدون وآخرون جدد يختارون، لكن السؤال المطروح، هو هل كان الاختيار صائبا أم لا، أما فيما يخص ترقية الولاة إلى مصاف وزراء، أظن أن الولاة أدرى بشؤون تسيير البلاد من الآخرين لأنهم يمارسون المسؤوليات في الميدان، فتجدهم ملمين بالتسيير في قطاع الري والتعليم والبناء الصحة وغيرها...، وهذه سنة حميدة من فترة حكم الرئيسين بومدين والشاذلي، تعودنا على ترقية الولاة إلى وزراء. هل تعتقدون أن معيار الترقية تم على أساس الكفاءة أم أنه تم على أساس اعتبارات أخرى.. ما هي برأيكم؟ أكيد أن أي تغيير حكومي، نجد فيه ترقيات تكون في محلها ووفقا للكفاءة، لكن هناك ترقيات لاعتبارات أخرى كالجهوية والمحسوبية.. أو حتى ترقيات خبط عشواء، في وقتنا الترقية كانت وفق معايير جادة وتكون من نصيب الكفء لكن الآن الكثير من المعايير تغيرت أو اختفت ما المعايير التي يجب أن يتم الاحتكام إليها في اختيار الوزراء؟ حسب رأيي ووفقا للمعايير التي كانت سببا في تولينا لحقيبة وزارية، فالمقاييس التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي يختار للوزارة، هي الكفاءة والالتزام والمسؤولية وحب الوطن والتفاني في العمل، وكذا المبادرة والتنافس في الميدان فضلا عن الأخلاق والسمعة الطيبة. كيف يتم اختيار الوزراء.. أقصد كيف يتم الاقتراح وما هي الجهات التي تدرس الملفات؟ في وقتنا كانت توجد قوائم تضم عددا من الإطارات الكفؤة تمثل مشتلة لخيرة أبناء وبنات الجزائر، ولما يكون هناك تغيير حكومي، كان من السهل على من يتولى مسؤولية تشكيل الحكومة الاختيار، وهذا بالذهاب مباشرة للقوائم أين يجد ما يكفيه في المشتلة، فكل إطارات الدولة كانوا في تربص ينتظرون دائما قرار ترقيتهم، وبمجرد اختيار المعنيين من القوائم التي تملكها الدولة، تأتي مرحلة دراسة الملفات والبحث والتحري التي كانت موكلة لثلاث أجهزة أمنية آنذاك، حتى لا يكون هناك أي احتمال للخطأ عند الاختيار. هل الرئيس وحده من يختار أم يشاركه الوزير الأول أم أطراف أخرى؟ في العادة لا يختار الرئيس وحده ممثلي الحكومة، فمثلا في عهدة الرئيس بومدين وحتى الشاذلي، اختيار الطاقم الحكومي كان يتم بناء على مشاورات بين المستشارين وحتى الأعيان الكبار وممثلي حزب جبهة التحرير الوطني، وكذا البرلمان الذي كان ممثلا بخيرة أبناء الجزائر مثل المرحوم رابح بيطاط ليس مثل البرلمان الحالي الذي أصبح يدخله كل من هب ودب. ما تعليقكم على حادثة وزير السياحة المقال؟ لم أتوقع حتى ما حصل من طريقة التعيين المثيرة للجدل إلى الإقالة في وقت زمني قصير، ما جرى في الجزائر يصلح لحبكة فيلم سينمائي، وبغض النظر عن حجة السوابق العدلية، كان من المفروض قبل تعيين أي شخص في منصب وزير، نتحرى كل أموره ويصبح الشخص المعين مصطفى، يعني هو الإنسان الذي اصطفيناه من مجموع المترشحين الذين أجريت التحريات بشأنهم من حيث الخلق والكفاءة والتجربة، وما حصل مع الوزير بن عقون الذي بقي نصف يوم في الوزارة ثم اتصلوا بيه وأعلموه أنهم أخطئوا بتعيينه لأنه ذو سوابق ، لم يحدث في أي بلد في العالم، وبهذه الحادثة فقدت الحكومة الجديدة مصداقيتها في وقت تحتاج الجزائر لحكومة قوية تنتشلها من الأزمة الاقتصادية الراهنة، لا يمكنني سوى التأكيد بأنه يجب محاسبة المسؤولين الذين كانوا وراء هذه الفضيحة والتي أعقبها قرار في المستوى من رئيس الجمهورية بإقالة بن عقون قبل بدايته لمهامه، لأن التشبيب في الأخير لا يعني عدم وجود كفاءة.
الوزير السابق أبو جرة سلطاني ل "الشروق" هذا ما يجب توفره في الوزراء ما هي القراءة التي يمكن أن تقدمها لبعض الأسماء التي تضمنتها الحكومة الجديدة وكذا ترقية بعض الولاة وتكليفهم بحقائب وزارية؟ ليست المرة الأولى التي يتم فيها ترقية ولاة لمناصب وزراء، فمنذ سنة 1999 عودنا الرئيس على مثل هكذا قرارات، وهنا أنوه إلى أن بوتفليقة يرى دائما أن بعض الولاة الذين قطعوا مسارا طويلا وأحرزوا نجاحات يتم ترقيتهم إلى مناصب وزراء، وفي السياق أضرب مثالا بوزير السكن الأسبق حميميد والذي كان من قبل واليا، وغيره كثيرون من الذين تدرجوا في المناصب من الولاية إلى الوزارة، وبالمختصر المفيد ترقية الولاة ليس عملا جديدا ولا تقليدا طارئا، كون أن هؤلاء كانوا ولا يزالون من بين أحسن إطارات الدولة، ولذلك فقرار ترقية 4 ولاة إلى وزراء في التعديل الحكومي الأخير ليس بالأمر الجديد. هل تعتقدون أن معيار الترقية تم على أساس الكفاءة أم أنه تم على أساس اعتبارات أخرى.. ما هي؟ هنا أقدم شهادة حق وأقول أن 3 من بين 4 ولاة تمت ترقيتهم إلى وزراء في الحكومة الجديدة اعرفهم جيدا، وأشهد لهم بالكفاءة، كما أن عنصر الأقدمية والخبرة والنجاحات التي حققها هؤلاء الولاة مفروغ منها، ويشهد لهم بها سكان ولاياتهم قبل المسؤولين، ولذلك لا أعتقد أن هنالك اعتبارات ومعايير أخرى في ترقية الولاة إلى وزراء. برأيكم، ما هي المعايير التي يجب أن يتم الاحتكام إليها في اختيار الوزراء؟ في نظري، أهم معيار يجب أن يُحتكم إليه لتنصيب الوزير هو أن يكون رزينا ورصينا وصارما وثقيلا وله قدرة واسعة على العمل، ويلتزم بروح الفريق، ويشتغل في مسار واضح ولم يصادم الرأي العام، وحبذا لو يكون من أهل التخصص إن احتاجه القطاع، مع العلم أن الوزير منصب سياسي بدرجة أولى، فهو لن يكون مسيرا ولكنه مجرد منسق لفريق عمل ومنفذ لبرنامج بمنهج تراكمي، فاللاحق للوزارة يكمل ما تركه السابق، وهكذا تستمر المسيرة، لذلك فعنصر التخصص ليس إلزامي ولكنه مستحب. كيف يتم اختيار الوزراء.. كيف يتم الاقتراح وما هي الجهات التي تدرس الملفات؟ الرئيس وحده المخول بالفصل في الشخص الذي يتم تنصيبه وزيرا، الجهات التي تدرس الملفات هي رئاسة الجمهورية، حيث تقوم هذه الأخيرة بطلب مجموعة أسماء من الأحزاب السياسية، هنا أتكلم عن الوزراء المتحزبين، تطلب من قيادة الأحزاب موافاتها بمقترحات أسماء ترى فيهم توفر الشروط اللازمة، أما الوزراء التكنوقراط أو الذين لا ينتمون إلى أي حزب أو تيار سياسي تختارهم رئاسة لجمهورية، وذلك بعد موافاتها بأسماء مؤهلة. هل الرئيس وحده من يختار الوزراء أم يشاركه الوزير الأول أم أطراف أخرى؟ حسب ما ينص عليه الدستور الجديد، الوزير الأول يقترح تشكيلة الحكومة على رئيس الجمهورية، والتي يتم فيها مراعاة الكفاءات والتوزيع الجغرافي للوجوه الجديدة على جميع النواحي والولايات والانسجام والشخصيات الوطنية التي تقدم قيمة مضافة، ليقوم بتقديم التشكيلة، ثم يفصل رئيس الجمهورية في مقترحات الوزير الأول. هل يقام تقييم للوزراء مثلا ومن ينجزه؟ في الأصل أن الذي يصل إلى منصب وزير لا يجب أن يكون شخصا مجهولا، لا على مستوى مصالح الدولة أو الرأي العام أو حتى المؤسسات الدستورية، كما أنه يجب أن يتمتع بمسار مهني يؤهله، فشخص الوزير يجب أن يكون معلوما لدى الرأي العام من حيث مساره ووظائفه ودراساته، وماذا كان يشغل قبل أن يعتلي المنصب الجديد، فكل هذه المعطيات تكون متوفرة لدى الجهات المعنية. هل لديكم ما تقولونه على حادثة وزير السياحة المقال؟ هنا أنا اكتفي بالبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية، فهي الجهة المخولة الوحيدة لشرح طريقة تعيينه وطريقة إنهاء مهامه، والمادة 91 من الدستور واضحة، وتدرج هذه المهام ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.