يأبى الجدل السياسي والإعلامي حول مصير حكومة سلال أن يتوقف، وذلك رغم تدخل الرئاسة ببيان المصدر المأذون، لفرض الانضباط.. ما يطرح أكثر من سؤال حول القضية، هو أن المُطالب بالتغيير الحكومي هو واحد من أقرب المقربين لرئيس الجمهورية، باعتباره هو من يملك الصلاحية الحصرية للمبادرة بإجراء من هذا القبيل، وأمين عام الحزب الذي يسيطر بالطول والعرض على التمثيل في الحكومة الحالية.. بصراحة، مشهد لم يجد المراقبون بعد، ضالتهم من أجل تفكيك ألغازه.. "الملف السياسي" لهذا العدد، سيحاول الإجابة على الأسئلة المحورية فيه. الجدل حول هذه القضية يأبى التوقف التغيير الحكومي.. من المستهدف ومن المستفيد؟ عندما خرج "المصدر المأذون" من رئاسة الجمهورية ليوحي لوكالة الأنباء الجزائرية، بأنه ليس في الدستور الجديد ما يُحتم استقالة حكومة عبد المالك سلال مؤكدا بذلك استمراريتها، اعتقد الجميع أن الحديث عن هذه القضية سيتم طيّه إلى إشعار آخر، غير أن العكس هو الذي حصل . ولم تمض سوى أيام قليلة عن ذلك البيان، حتى عاد الحديث وبقوة عن التغيير الحكومي، والذي غذّى هذا الجدل هو إصرار الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، على إعادة هذا الموضوع إلى الواجهة.. فالرجل عادة ما لا ينطق عن الهوى، والسبب هو قربه الشديد من أطراف نافذة في الدائرة الضيقة لصناعة القرار . فلماذا هذا الإصرار؟ وهل الحكومة فشلت في أداء المهام الموكلة إليها، ومن ثم بات تغييرها أمر لا مفر منه؟ ومن المستهدف من هكذا حملة؟ أم أن الأمر مجرد مضاربات سياسية كما جاء على لسان وزير العلاقات مع البرلمان والقيادي في الحزب العتيد، الطاهر خاوة؟ ما هو مؤكد هو أن عمار سعداني، ومنذ توليه منصب الأمين العام للقوة السياسية الأولى في البلاد، لم يخض معركة أو حربا إلا وخرج منها منتصرا، وهو ما يعني أن ما قام ويقوم به لحد الآن، ليس سوى جزء من استرتيجية محبوكة بإحكام، لا يستبعد أن يكون مهندسوها من الدائرة الضيقة لصناعة القرار . وتجدر الإشارة هنا إلى بعض الحروب والمعارك التي خاضها وخرج منها منتصرا وإن أصيب "بجروح سياسية طفيفة"، وتأتي في مقدمة ذلك، الحملة التي دشنها ضد مسؤول دائرة الاستعلامات والأمن السابق، الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، وانتهاء بحرب الاستنزاف التي خاضها ضد خصومه في الحزب، وغيرها كثير.. وهذا ما كان ليحصل لو لم يكن يحظى الرجل بدعم قوة قادرة على سحق كل من يقف في طريقها. غير أن إصرار سعداني على المطالبة بتغيير حكومة غالبية وزرائها (15حقيبة) ووزيرها الأول محسوبين على حزبه، فهذا هو الأمر الذي استعصى فهمه على المراقبين، هل لأن الحكومة فشلت في أداء الدور المنوط بها؟ أم لأن مرحلة ما بعد الدستور الجديد تتطلب وجوها جديدة؟ أم أنه يريد إسقاط بعض الأسماء لا تعجبه في الحكومة الحالية؟ أم لحاجة في نفس يعقوب؟ الكثير من المتابعين يعتقدون أن ما يقوم به سعداني من "خرجاته" غير المتوقعة، إنما هدفها هو شغل الرأي العام وعدم ترك الساحة السياسية راكدة، ويستدلون على ذلك بالكثير من المواقف التي صدرت عن الرجل الأول في الأفلان، لم ترق للرئيس بوتفليقة، ومع ذلك لم يتخذ قرارا بمعاقبته سياسيا، وهو ما يرجح صحة هذه الفرضية. ويمكن الاستئناس في هذه القراءة بالإشارة إلى تصريحه المثير بخصوص قضية الصحراء الغربية، والذي عاكس الموقف الرسمي منذ ميلاد هذه القضية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك رد الرئيس بوتفليقة باستقبال الرئيس الصحراوي، محمد عبد العزيز، بعد ذلك بأيام قليلة، وأكد له أن موقف الجزائر ثابت ومبدئي من الصحراء الغربية، ومرت القضية وكأن شيئا لم يكن. مصدر في "الأفلان" رفض الكشف عن هويته، لما استفسرته "الشروق" يومها عن سر "خرجة" سعداني، قدم شرحا اختلط في التحليل بالمعلومة، وهو أن تصريح سعداني المتعلق بقضية الصحراء، لم يكن موقفا يلزم الحزب الحاكم ومن وراء الدولة، بل كان مجرد مناورة سياسية ماكرة، هدفها تحويل أنظار الجزائريين عن الجدل الذي صنعته يومها رسالة مجموعة ال 19، التي سعى أصحابها إلى تركيز النقاش السياسي حول الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة. وإن حاولت يومها بعض الأوساط الإعلامية التي رعت واحتضنت مبادرة حنون وخليدة تومي.. إلا أنها فشلت في النهاية، لأن قضية الصحراء ومن خلال تصريحات سعداني، حولت الأنظار إليها، خاصة مع دخول نظام المخزن على الخط ومحاولته الاستثمار فيها، فكانت تلك "الخرجة" بداية انطفاء وهج تلك المبادرة إلى أن ماتت ب "توبة" لويزة حنون، لكن من دون أن تنهي خلافها مع السلطة.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، عبد الرزاق صاغور: التغيير الحكومي مطلب ملح لمواجهة تحديات المرحلة يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر،عبد الرزاق صاغور، أن المرحلة الراهنة تفرض تغييرا حكوميا ووجوها جديدة، قادرة على التعاطي مع التطورات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، مشيرا إلى أن أي تغيير مرتقب، سيكون في صالح حزب جبهة التحرير الوطني، باعتباره صاحب الأغلبية البرلمانية. تشهد الساحة السياسية سجالا حول الحكومة الحالية، هل ترى أنه لابد من تغيير حكومي؟ الذي ينظر للوضع الحالي للبلاد وما نجم عنه من اختلالات بعد انهيار أسعار البترول وتذبذب الوضع الأمني في دول الجوار، يرى ضرورة التغيير الحكومي.. لذلك أرى أنه لا بد على المسؤول الأول في البلاد أن يتخذ جملة من الإجراءات، ما كان ليكون مجبرا عليها لولا طبيعة الوضع الحالي، تغييرات على أمل تصحيح الاختلالات القائمة. ما دام تحدثت عن ضرورة إجراء تغيير حكومي، ما هي المواصفات التي يتعين مراعاتها من قبل صانع القرار؟ إذا تحدثنا عن المبررات فهي في الحقيقة موجودة وبكثرة، ومن بينها العمل على إعطاء نفس جديد للحكومة، وهو ما يأخذنا للحديث عن رغبة صناع القرار في البلاد في خلق انفراج على مستوى المشهد السياسي، وإعطاء انطباع بأن النظام السياسي لا زال محافظا على طابع الدولة الاجتماعي، وقد تجاوب مع مطالب الشعب. بالإضافة إلى ذلك، يحقق التغيير المطالب به من قبل بعض الأطراف السياسية، الانسجام الغائب عن الحكومة، والذي يجب أن يمر عبر تخفيض عدد الحقائب الوزارية، وإعطاء إيحاءات على أن الحكومة ماضية في سياسة التقشف بعد تراجع مداخيل الخزينة العمومية التي تأثرت بالصدمة النفطية، وهذه مبررات يمكن إدراجها ضمن دفتر الشروط الجديد للحكومة المقبلة. نفهم من كلامك أن الحكومة الحالية غير قادرة على مجاراة الظرف السياسي والاقتصادي الراهن؟ لا يمكن أن أقول إن الحكومة الحالية قد فشلت، وهي غير صالحة، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن أقوله هنا، هو أن بقاءها في ظل التحديات الجديدة التي طفت على الساحة الوطنية مؤخرا يبقى صعبا، لأن كل مرحلة لها رجالها، والمرحلة المقبلة يجب أن تكون بطاقم حكومي جديد، كما يتعين أن تراعي جملة من الشروط والمقاييس، أهمها القدرة على الاتصال والتجديد والإقناع والتعبئة والكفاءة بدرجة أولى والقدرة على الأداء. برأيكم، من سيستفيد من أي تغيير حكومي مرتقب في الظرف الراهن؟ أي تغيير حكومي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الأغلبية، لكن الرئيس غير ملزم بذلك وفق الدستور الجديد، إلا أنه ومع ذلك، سيسير في هذا الاتجاه.. سيستأنس بالأغلبية البرلمانية التي يسيطر عليها حزب جبهة التحرير الوطني، وهو الأمر الذي يكون قد فهمه أمين عام هذا الحزب، عمار سعداني، الذي حول هذه المسألة إلى قضية في كل "خرجاته" وخطاباته في الآونة الأخيرة. تعلمون أن وكالة الأنباء الجزائرية كانت قد نقلت عن مصدر مأذون في الرئاسة، تأكيد استمرار حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال.. برأيكم لماذا يصر سعداني على المطالبة بالتغيير الحكومي؟ بمعنى هل يمكن القول إن إصرار سعداني نابع من إرادته وأفكاره أم أوحي إليه من جهات أخرى؟ في الحقيقة؛ لا يهم إن كانت من أفكاره أو أوحي إليه، المهم هو الفعل وهو الطلب الذي تقدم به سعداني، ولا يزال يكرره في العديد من المناسبات برغم من خروج رئاسة الحكومة ببيان نفت فيه تغيير الحكومة في الوقت الراهن، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن أجزم به هنا، هو أن المرحلة المقبلة ستحمل الجديد، أما فيما يخص تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعيداني، فهي متوقعة، هو يدافع عن موقع حزبه في الساحة السياسية ويسعى للحفاظ على المكاسب التي حققها، خاصة وأنه مجبر أمام قيادات حزبه على إثبات الوجود والظفر بمناصب وزارية تحفظ له ثقله وريادته في المشهد السياسي.
النائب والقيادي بجبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف السلطة اعتادت على تعديل الحكومة بعد كل استحقاق اعتبر القيادي النائب عن جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، الجدل القائم بين حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي حول الحكومة، مظهرا من تجليات الصراع الدائر بين العصب في قمة الهرم، حول من يظفر بالقسط الأكبر من كعكة الجهاز التنفيذي، بحجة ما وصفه ب"الأغلبية الوهمية". وأقر بن خلاف، في تصريح ل "الشروق" أمس، بفشل حكومة عبد الملك سلال في احتواء الأزمة وإيجاد حلول جدية للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وما يؤكد هذا، هو الصراع السياسي القائم بين أحزاب السلطة. وقلّل عضو المجلس الشعبي الوطني من جدوى أي تعديل أو تغيير حكومي مرتقب، في ظل الاحتفاظ بالعقليات والسياسات القديمة، وقال: "نحن تعودنا منذ زمن على تغيير الأشخاص لا السياسات"، وتابع كلامه: "سلال استهلك لوحده أربع حكومات ومع ذلك لم تقدم أي من هذه الحكومات الأربع بيان سياستها العامة وكذا حصيلتها السنوية"، قبل أن يتساءل عن "الهدف من التعديل الحكومي، إذا لم تتغير السياسات والبرامج". ولاحظ بن خلاف أن إصرار الأمين العام ل "الأفلان"، عمار سعداني، على التعديل الحكومي بعد المصادقة على الدستور، لم يأت من العدم، لافتا إلى أن "التعديل الحكومي سيكون لا محالة خلال الأيام المقبلة وهذا حتى لا تعرض الحكومة الحالية برنامجها أمام البرلمان، ولا تسأل عنه في الظرف الراهن الذي تمر به البلاد، وكي لا يقدم بيان السياسة العامة الذي من المفترض أن يكون في شهر أفريل المقبل"، وأشار إلى أن "التعديل سيكون جزئيا كالعادة وسيمس بعض الوزراء الفاشلين فقط". وإن أكد بن خلاف أنه من الناحية الدستورية لا يوجد أي قانون يلزم رئيس الجمهورية بتغيير الحكومة بعد تعديل الدستور، غير أنه لفت إلى أن رئاسة الجمهورية عادة ما تقوم بتغيير في الجهاز التنفيذي بعد أي استحقاق. وسجّل نائب عضو مكتب المجلس سابقا، أن الصراع بين حزبي السلطة حول التعديل الحكومي وصل مستويات غير معهودة، والسبب يكمن في جري كل واحد منهما وراء منصب الوزير الأول، مثلما يريد الظفر بأكبر عدد من المقاعد في الحكومة، في وقت يدرك الجميع، بحسب المتحدث، أن تشكيل الحكومة في الدستور، يبقى من الصلاحيات الحصرية للرئيس وحده، ولا يخضع لمعيار الأغلبية البرلمانية. وشكك النائب عن جبهة العدالة والتنمية في مصداقية الأغلبية التي يتحدث عنها الأفلان: "الكل يعلم أن الأغلبية التي ينادي بها سعداني جاءت عن طريق انتخابات مزورة"، وأردف: "لو كانت أغلبية مستحقة لظهرت آليا في الحكومة"، ليشير إلى أن أحزاب السلطة وخاصة الأفالان لا يهمها الوضع الحالي للبلد أو مشاكل الجزائريين والخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بقدر ما يهمهم الاستحواذ على مقاليد السلطة والحكم، معتبرا الصراعات التي برزت إلى العلن مؤخرا، ما هي إلا تمهيد للخارطة السياسية القادمة في الجزائر، لأن أحزاب السلطة، حسبه، تحضر للانتخابات التشريعية والمحلية وللسيطرة على جميع المجالس. وأكد بن خلاف أن وهم الأغلبية والظفر بمنصب الوزير الأول الذي ينادي به الحزب العتيد في السلطة، تبخر مع التعديل الدستوري الأخير، الذي ينص على اختيار الوزير الأول باستشارة الأغلبية البرلمانية التي تشارك فيها حتى الأحزاب ضعيفة التمثيل، وهو ما يعني أن "دار لقمان ستبقى على حالها"، مثلما تبقى بيد رئيس الجمهورية وحده سلطة اتخاذ القرار وتعيين من يشاء على رأس الحكومة ومنح الأغلبية لمن يشاء.