سلاح لا يخطئ هدفه؛ نضعه -ونحن نعيش ليالي رمضان الغالية- بين يدي كلّ أمّ بليت بأبناء آثروا الزّائل والفاني، وتعلّقت قلوبهم بالمظاهر والأفلام والأغاني. بين يدي كلّ أب بلي بأبناء اختاروا الغواية على الهداية، والقنوات على الصّلوات، وكلّ أب جرّب كلّ الوسائل لإصلاح أبنائه، ولكن من دون جدوى.. بين يدي كلّ ولد صالح يحمل همّ هداية والده الذي هجر المساجد، وتعلّق قلبه بالدّنيا الدنيّة الفانية، وبين يدي كلّ فتاة مؤمنة صالحة تحمل همّ هداية والدتها التي أضاعت الصّلوات وتعلّق قلبها بالألبسة والأطباق والمصوغات.. إنّه سلاح الدّعاء في جوف اللّيل، إنّها سهام اللّيل التي غفل عنها كثير من المسلمين في هذا الزّمان الذي تعلّقت فيه القلوب بالأسباب ونسيت مسبّبها. إنّها سهام اللّيل أيها الزّوج، يا من يئست من إصلاح زوجتك. يا من أعيتك زوجتك بغفلتها وتعلّق قلبها بالدّنيا، ونومها عن الصّلاة وغفلتها عن الآخرة وعن الموقف بين يدي الله ربّ البريات. نعم إنّها سهام اللّيل أيتها الزّوجة الصّالحة. يا من تشكين ظلم زوجك وجفاءه. يا من يئست من صلاح زوجك الذي هام على وجهه في هذه الدّنيا. قالوا لك قبل الزّواج إنّه إنسان طيّب وحنون وصالح، ولكنّك صدمت به بعد الزّواج، وأصبحت تتمنّين الطّلاق والفراق.. تمهّلي أيتها الزّوجة ولا تستعجلي، وجرّبي سهام اللّيل وبإذن الله لن تخيّبي. إنّها سهام اللّيل يا من ظلُمت وأعيتك الحيل في دفع الظّلم عن نفسك أو ردّ حقّك. إنّها الدّعوات الصّادقة في جوف اللّيل، ترتفع إلى من وعد بإجابة دعوة المظلوم. إنّها سهام اللّيل يا من تقطّعت أمامك السّبل وأوصِدت في وجهك الأبواب وأعيتك الحيل. إنّها الدّعوات في جوف اللّيل يا من تأخّر عنك الزّواج. إنّها مناجاة الأسحار يا من أعياك طرق الأبواب لإيجاد وظيفة تكسب منها رزقك. نعم إنّها سهام اللّيل التي لا تخطئ، ولكن لها أمد وللأمد انقضاء.. فما أشدّ غفلتنا إذ ينام الواحد منّا على هموم وأحزان تنوء عنها الجبال، ينام وهو يفكّر فيمن عساه سيكشف همّه من المخلوقين، وينسى تلك السّاعات التي تكشف فيها الغموم، وترفع فيها مغاليق القلوب، وتطلق فيها الألسن لتنطق بأرقّ الكلمات وأصدق العبارات. تلك السّاعات التي يحسّ فيها العبد بخشوع عجيب تسيل معه دموع العينين ويخفق فيها القلب وتهتزّ معه الرّوح، ويحسّ العبد المؤمن أنّ دعاءه يخترق حجب السّماوات العلى. نعم أخي المؤمن.. أيا كانت همومك. وأيا كانت مشاكلك. وأيا كانت المصاعب التي تواجهك. اطرق باب الحنّان المنّان، فو الله لن يردّك أبدا. قم في وقت السّحر، توضّأ وأحسن الوضوء، صلّ صلاة فقير ذليل بين يدي خالقه جلّ وعلا. تذكّر أنّك أقرب ما تكون إلى ربّك في تلك اللّحظات، وأنت ساجد في جوف اللّيل. تذكّر أنّ الدّعاء في تلك السّاعات هو أنفع دعاء وأقربه إلى الإجابة. أكثر في سجودك من الثّناء على ربّك الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، اشكُ إليه بثّك وضعفك وقلّة حيلتك. ادعُ ربّك الكريم بكلّ حرقة وقل مثلا: "اللهمّ يا أرحم الرّاحمين يا أكرم الأكرمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيوم، يا مالك الملك، يا حنّان يا منّان، برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، اللهمّ أنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وألحقني بالصّالحين، ربّ قد أعيت الحيل، وتقطّعت السّبل، ربّ قد مسّني الضرّ وأنت أرحم الرّاحمين. لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين...". ادعُ ربّك الكريم باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، قل: "اللهمّ إنّي أسألك أنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، اللهمّ إنّي أسألك كذا وكذا وكذا". ادعُ بأيّ كلمات وأيّ عبارات، المهمّ أن تكون نابعة من قلبك، مخالطة لروحك، ترفرف بجناحي الرّجاء واليقين. ارفع جميع حوائجك إلى ربّك. وبثّ بين يديه كلّ همومك وغمومك. ادعُه بالمال والولد والرزق والفلاح والشّفاء والهداية والرّضوان والجنّة. ادعُ لأبنائك وبناتك بالصّلاح والاستقامة، ادعُ بالهداية لزوجتك، ادعُ الله أن يردّ إليك مظلمتك ويهدي من ظلمك. ادعُ بحرقة ويقين، وأحسن الظنّ بربّك الكريم، واصبر وسترى من الحنّان المنّان فوق ما يسرّك وفوق ما تتمنّاه.