لم يعد يفصلنا عن موعد جنوب إفريقيا إلا بضع دقائق بتوقيت "لهفة الجزائريين" لمتابعة هذه التظاهرة التي ستكون هذه المرة بنكهة جزائرية لأول مرة منذ خمس دورات كاملة غابت عنها الجزائر.. وإذا كانت مختلف القطاعات الحكومية لم تجهز نفسيا بعد للتعامل مع هذا الحدث الذي سيربك الحياة العملية والدراسية والاجتماعية والتجارية والسياحية، فإن عامة الناس بدأوا منذ مدة طويلة في التحضير الجدي لهذا الموعد الذي حبس الأنفاس منذ موعد 18 نوفمبر 2009 فما بالك في موعده الحقيقي .. فقد علمنا من مصادر عمالية أن أزيد عن 80 بالمئة من عمال وموظفي مركب آرسيلور بالحجار بولاية عنابة قد تقدموا بطلباتهم لأجل الحصول على عطلتهم السنوية خلال منتصف جوان القادم، وغالبيتهم حددوا موعد الحادي عشرة من شهر جوان لعطلتهم لمدة شهر أي من بداية المونديال إلى نهايته وتسهر إدارة المركب لأجل دراسة هذه الطلبات التي تعني في حالة تحقيقها إفراغ المركب الضخم من طاقاته البشرية رغم أنه مزوّد بأجهزة تلفزيون تقي العمال تضييع مقابلات المنتخب الوطني. وقال أحدهم أنه اقتنى بطاقة الجزيرة بما يوازي مرتبه الشهري، ومن غير المعقول أن يبقى في منصب عمله ولا يتابع ما دفع لأجله من أموال خاصة وأن المونديال بالنسبة لمعظم الجزائريين ليس مباريات الخضر فقط وإنما كل المباريات وكواليسها وإعادة مشاهدتها عدة مرات .. وهي ذات الإحصاءات التي حصلنا عليها من مركب سوناكوم للمحركات بولاية قسنطينة حيث قاربت طلبات العطلة السنوية نسبة 85 بالمئة من مجموع العمال، وهو ما يعني أن غالبية الجزائريين قرروا هذا العام التضحية بالراحة والاستجمام مادامت عطلتهم ستكون بتسمرهم أمام شاشات التلفاز لتتبع المونديال. الإقامات الجامعية حضّرت الشاشات العملاقة وبطاقات الاشتراك بأمر من وزارة التعليم العالي، وحتى تسير نهاية الموسم الجامعي على أحسن ما يرام بعد بعض الإضرابات التي ميزت الموسم الجامعي، قامت 313 إقامة جامعية على المستوى الوطني بما فيها الاقامات الخاصة بالإناث بتزويد نوادي الإقامات بالأجهزة الرقمية التي ستمكن الطلبة المقيمين وعددهم على مستوى الوطن يقارب النصف مليون طالب "470 الف" وقامت أيضا بتحضير الشاشات العملاقة، حيث بدأ تشغيلها في معظم الإقامات بمناسبة مباراة الدور النهائي من كأس رابطة أبطال أوربا بين بيارن ميونيخ وإنتير ميلانو، حيث تمكن الطلبة من متابعة المقابلة والتفاعل معها بحماس .. ورغم أن معظم المعاهد قررت إنهاء الامتحانات قبل تاريخ المونديال، خاصة بمعاهد الآداب والعلوم الإنسانية، إلا أن المؤكد أن طلبة الطب على الأقل سيكون وضعهم في منتهى الصعوبة، حيث ستبدأ امتحانات الطب بداية من العاشر من شهر جوان وتدوم إلى غاية العاشر أو الثاني عشرة من شهر أوت، وهو موعد معقد قد ينسف حتى حلم تتبع مباريات المنتخب الوطني فما بالك ببقية المباريات والجزائريون معنيون بما يحدث في فوج الخضر وأيضا في بقية الأفواج بسبب عشقهم للكرة.. وكان معهد الطب في الولايات الكبرى قد بدأت فيه الدراسة بتاريخ 19 سبتمبر ورغم الإضراب الجزئي الذي عرفه إلا أن موعد الاختتام بقي على حاله، كما تعوّد على ذلك الطلبة، وهو المعهد الوحيد الذي يصعب فيه تغيير مواعيد الامتحانات أو التأجيل أو التقديم بسبب ازدحام البرنامج بالدروس والجدية التي يتعامل بها الأساتذة مع البرنامج كما أخبرنا بذلك البروفيسور عيداوي عميد كلية الطب بقسنطينة.. ولا أحد من الطلبة والمنظمات الطلابية عموما طالبوا لحد الآن بتأخير موعد الامتحانات لأن ذلك سيجرهم نحو شهر أوت، حيث تغلق كل الإقامات الجامعية أبوابها ويقترب الموعد مع الامتحانات الاستدراكية في شهر سبتمبر، إضافة إلى تزامن شهر أوت مع شهر الصيام .. معظم الطلبة يفضلون التوجه إلى منازلهم لمتابعة المونديال، وهذا ما يعني أن الجامعة قد تدخل في شبه عطلة بداية من الثالث عشرة من شهر جوان، وهناك من الطلبة من بدأ يفكر في الإمتحانات الإستدراكية في بداية شهر سبتمبر. الخضر يلعبون ظهرا وعصرا وفي أيام العمل لا يتوقف اهتمام الجزائريين عند مباريات المنتخب الجزائري الثلاث في الدور الأول بل هم معنيون بفوج الجزائر وببقية الأفواج .. وبسبب خصوصية المناخ في جنوب إفريقيا والفارق الزمني، فإن البرنامج يقترح علينا عددا من المباريات التي ستنطلق في زمن العمل أي بداية من الواحدة والنصف أو الرابعة عصرا، وهي مباريات تهم المنتخب الجزائري الذي سيجري أولى مبارياته أمام منتخب سلوفينيا على الساعة الواحدة والنصف من يوم الأحد أول أيام الأسبوع، ويمكن من الآن التكهن بنصف يوم عطلة في 13 جوان القادم، ورغم أن مباراة انجلترا الثانية ستجري ليلا وفي يوم جمعة إلا أن المباراة الثالثة أمام الولاياتالمتحدة وقد تكون مصيرية بالنسبة للخضر لاجتياز الدور الثاني ستمنح العمال يوم راحة آخر، حيث ستلعب حوالي الرابعة عصرا وفي يوم عمل الأربعاء.. وربما بدايات المونديال وحدها من سنتفادى عبرها عرقلة العجلة الاقتصادية، حيث تنطلق المنافسة في 11 جوان المصادف ليوم الجمعة .. هذا التوقيت النهاري أجبر عدة مؤسسات خاصة مثل كوجال لا يمكنها التوقف عن العمل تجهيز مكاتبها بشاشات من أجل تفادي الغيابات المحتملة لعمالها بما في ذلك المساحات التجارية الكبرى، بينما قد يتجاوز المؤسسات الخدماتية الأمر، فتسقط أمام الهروب المقنع للعمال من مناصب عملهم اقتداء بالمسؤول الأول عن هذه المؤسسات ويبقى الإشكال المطروح في الخدمات الضرورية مثل النقل والصحة .. في الوقت الذي اجتهد التجار كل حسب إمكانياته وحبه للكرة لأجل تمضية شهر المونديال من دون خسائر مادية، فالمقاهي والمطاعم الخفيفة ستستفيد من الموعد كالعادة، وقام بعض التجار ومحلات الحلاقة باقتناء بطاقات الجزيرة منذ أيام لأجل أنفسهم قبل جلب الزبائن .. أما التحضير في المنازل وبرنامج الشهر الحاسم الذي يبدأ في الحادي عشرة من الشهر القادم وينتهي في ذات التوقيت من الشهر الذي يليه فلكل طريقته وطقوسه الخاصة.