عرفت أسعار السيارات منحى تصاعدي، بنسبة تجاوزت ال100 بالمائة خلال السنتين الماضيتين، في وقت تشهد مشاريع مصانع التركيب والتصنيع والتجميع حالة من الضبابية والغموض، بعد الجدل الذي عاشته الورشات المطلقة، وما أثاره دفتر الشروط الجديد المنظم للنشاط من نقاشات. وازداد قلق أصحاب المشاريع جراء التغييرات التي عرفتها وزارة الصناعة والمناجم على رأس الوزراء والمسؤولين خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، بداية من رحيل الوزير الأسبق عبد السلام بوشوارب ثم الوزير محجوب بدة، وصولا إلى يوسف يوسفي، الذي سيكون ملف تركيب السيارات أهم ما سيوضع على طاولته عقب استلامه المهام رسميا صبيحة اليوم. ويؤكد الخبير الاقتصادي كمال سي محمد، في تصريح ل"الشروق" أن نشاط تركيب السيارات يجب أن يخضع لمراجعة شاملة في الجزائر لتجاوز النقائص التي شهدتها المشاريع الأولى، مشددا على أهمية رفع نسبة الإدماج والاستعانة فعلا بالخبرة الأجنبية، ونقل التكنولوجيا وخلق مناصب شغل، وكسر الأسعار في السوق الوطنية، وتساءل في هذا الإطار: "عالميا مصانع السيارات لا تستطيع إطلاق أكثر من نموذج كل 3 سنوات، لتكون سيارة جزائرية بمعنى الكلمة، فكيف للمستثمرين في هذا القطاع اليوم في الجزائر إطلاق عدد كبير من النماذج كل شهر، ووصفها بالسيارة المحلية؟". وطالب كمال سي محمد الوزير يوسف يوسفي بفرض رقابة واسعة على المنتجين لضمان احترام معايير التركيب، عبر دفتر شروط جديد أكثر صرامة، مشيرا إلى أن ذلك يبقى الحل الوحيد لجعل قطاع تركيب السيارات في الجزائر قادرا على ذر العملة الصعبة، والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني. وذهب أبعد من ذلك مشددا: "لا يمكن لأي مصنع منتج فعلا للمركبات في الجزائر أن يحقق الربحية إذا لم ينتج 200 ألف سيارة سنويا"، ويضيف: "ما عدا ذلك فهو استيراد للمعدات من الخارج وتجميع على طريقة "أس كا دي"، وهو ما لن يخدم الاقتصاد الوطني في شيء". وشدد الخبير نفسه أن حلم السيارة الجزائرية مستحيل أن يتحقق في الظرف الراهن بنبسة مائة بالمائة، إذ أنه يشترط صناعة متقدمة ومعرفة وتكنولوجية ويد عاملة فنية مؤهلة، وهو ما لا يتوفر في الجزائر، بالإضافة إلى مستثمر أجنبي يساهم في تطوير هذه الصناعة محليا، وهو يستغرق سنوات طويلة للتوطين، عكس نشاط التجميع الذي يبقى مشجعا للاستيراد والربح السريع، والاستثمار فيه لا يستغرق بضعة أشهر. وعن سلبيات هذه الصناعة في الجزائر، وصفها كمال سي محمد بالسطحية وانتقد كثرة الاستيراد وانخفاض نسبة الادماج التي لا تتجاوز ال5 بالمائة وضعف نسبة خلق العمالة، فمصانع السيارات حسبه نشاط محوري، يخلق 7 مناصب شغل غير مباشرة عن كل منصب مباشر وفقا لما هو متعامل به دوليا، وهو ما نجده غائبا في الجزائر، إضافة إلى توليد نشاطات اقتصادية أخرى، ترتبط غالبا بالمناولة، وذر الضرائب في خزينة الدولة. وذهب الخبير نفسه بعيدا، مشددا على تضارب أرقام إنتاج مصانع السيارات في الجزائر، وعدم تطابقها مع الواقع، حيث تسعى العديد من المصانع للترويج لمعطيات مغلوطة، وتتحدث عن إنتاج 60 ألف و70 ألف سيارة، لا نجدها بعد ذلك في السوق، وعاد ليقول بأن تحقيق الربحية لأي مصنع يتطلب أن ينتج سقفا أكثر من تكلفة المركبات وهو ما يشترط 200 ألف سيارة بكل مصنع.