أرشيف توسلّ من البحر أن يعيدهما له قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة دما ودموعا بشاطئ البحر بسيدي سالم في أجواء حزينة ومأساوية ومؤلمة ومبكية للغاية، ومؤثرة إلى درجة الموت، شيع أبناء سيدي سالم، ببلدية البوني بولاية عنابة، صبيحة أمس الأربعاء، جنازة عمي "أحمد بوشناق" البالغ من العمر 65 عاما، بمقبرة الحي التي اكتظت عن آخرها، في جنازة حضرها الفقراء والمغبونون في الأرض، ولم يحضرها المسؤولون ولا السلطات المحلية، وبكى فيها أصحاب القلوب الرهيفة والنفوس الحساسة، وبالمقابل لم تتأثر لها مشاعر أصحاب المال والأعمال ولم يسمع بها الوزير جمال ولد عباس، كونه ترك حقيبة التضامن الاجتماعي، الجنازة قاسية على كل مواطني سيدي سالم بعنابة، لم تكن عادية جدا، بسبب الوفاة المحزنة التي انتهت بها حياة عمي أحمد، هذا الأخير، الذي لفظ أنفاسه اثر صدمة قلبية حادة وارتفاع في ضغط الدّم غمر روحه البريئة وسلمها إلى بارئها، لحظات بعد تحويله إلى مستشفى ابن سينا بعنابة، من على شاطئ البحر بسيدي سالم، المكان الذي أقلع منه ولداه "فاروق وسفيان"، 27 عاما و23 عاما على التوالي، الأول ترك ابنة وزوجة، والثاني غير متزوج، ركب إلى جنب شقيقه على متن قارب واحد، ليلة الخامس عشر من شهر مارس من عام 2007، انطلاقا من المنطقة التي توفي بها والدهما وهو يناجي البحر من أجل عودتهما إليه، نحو جزيرة سردينيا الايطالية، في رحلة حرڤة ضمن القوافل الأولى التي انطلقت من عنابة، بحثا عن مستقبل أفضل وحياة جميلة ومنصب شغل ورزق وفير، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم، لم يسمع المرحوم عمي أحمد صوت ولديه، ومن ذلك التاريخ المشؤوم إلى اليوم، أي حوالي 3 سنوات وربع، مما يعني38 شهرا، ما يعادل 1165 يوم، تعادل 27960 ساعة، أي ما يعادل 1677600دقيقة، لم يتوقف عمي أحمد ولو للحظة واحدة عن البحث والتفتيش والتنقيب، عن ولديه، قرع أبواب القنصلية التونسية بعنابة، وسكن لشهور طويلة أمام السفارة والقنصلية الجزائريتين بتونس، ودقّ أبواب السفارة الايطالية والمالطية، وراسل لمئة مرة وزير الخارجية مراد مدلسي، ووزير التضامن جمال ولد عباس، والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم، ونواب البرلمان بغرفتيه العليا والسفلى، وقام بعدة رحلات "صفا ومروى" بين عنابة والعاصمة، وبين عنابة وتونس، وتوسّل البحر كل ليلة وكل صباح، وأسال حبرا كثيرا في الصحف الوطنية والمحلية، العربية والفرنسية، وأوصلت صرخته الشروق اليومي إلى السلطات كذا مرة ومرة، وبعد كل هذا، لم يجد عمي أحمد أمامه إلا البحر، الذي أخذ ولديه من دون رجعة، مطالبا إياه بإعادتهما له، إذ يقول كمال بلعابد، ممثل عائلات الحراڤة المفقودين بعنابة، بأن المرحوم أحمد، قضى كل أيامه الأخيرة ولياليه بشاطئ سيدي سالم، يبكي بحرقة وألم، يذرف دموعا حارة، ونقل عنه قوله، "خويا كمال حاب نشوف ولادي قبل ما نموت"، "خويا كمال نار الوحش في قلبي كلاتني لولادي"، "خويا كمال أم لولاد وخوتهم في الدار شفوني"، "خويا كمال تواحشت ولادي"، "خويا كمال عنبالي رانا كيف كيف"، علما أن كمال بلعابد لديه ولد مفقود منذ 7 أفريل 2007 "بصّح أنت عندك واحد وأنا زوج" يضيف المرحوم، كما يقول بلعابد، "خويا كمال أم لولاد ما رقدت من هذاك النهار" يقصد تاريخ 15 مارس 2007، إلا أن المرحوم عمي أحمد و-للأسف- لفظ أنفاسه الأخيرة دون أن يرى ولديه، دون أن يعرف إن كانوا أحياء أو أمواتا، قضى طيلة الشهور الماضية، يبحث عن بصيص أمل يوصله إلى ولديه، لا يعطي بالا، لتأهل منتخبنا الوطني لكأس العالم، ولا للتحضيرات الجارية، ولا للتشكيلة التي سيلعب بها سعدان، ولا إصابة حسان يبدة ومشاركته في المباراة الأولى من عدمها، ولا للإبعاد الحتمي لمراد مغني، ولا حتى للتغيير الحكومي، الذي أجراه الرئيس بوتفليقة مؤخرا، كل همه ولديه، اللذان مات من أجلهما، وأي موت هذا؟!.... موت على شاطئ البحر الذي أخذ ولداه منذ 1165 يوما، منذ 3 سنوات كاملة، لم يذق فيها المرحوم طعم الحياة ولم يحس بملذاتها إن كانت لها ملذة أصلا لدى عائلته منذ فقدان فاروق وسفيان . تجدر الإشارة، إلى أن سكان سيدي سالم، قد عاشوا أمس وأول أمس، أجواء حزينة للغاية، لفقدان بوشناق أحمد، الذي لاقى هذا المصير المأساوي بعد 38 شهرا كاملة من البحث المضني والبكاء اليومي والعزلة والابتعاد عن الناس والجراح والآلام والآهات.. التي لم تجد لها آذانا صاغية عند المسؤولين.. وعلى العكس من ذلك وجدت أبوابا موصدة وقلوبا متحجرة، ووو...؟؟رحمة الله عليك يا عمّي أحمد، وجميل الصبر والسلوان لعائلتك كبيرا وصغيرا..