مرّت الذكرى الخامسة لوفاة الموسيقار الجزائري، محمد بوليفة في صمت كبير، سواء في المحيط الفني والإبداعي، أو لدى أقرب مقربيه، بدليل أن القليل منهم اكتفى باسترجاع الذكرى بصورة أو كلمات مقتضبة، فيما استاء الكثير من محبيه وأصدقائه من التهميش الذي طال قامة فنية كبيرة قدمت الكثير للطرب الجزائري الأصيل. أكّدت صاحبة الصوت الإذاعي المعروف فاطمة ولد خصال ل"الشروق" أن ذكريات كثيرة جمعتها مع الموسيقار الراحل محمد بوليفة (من مواليد 1955 بوادي سوف وتوفي يوم 6 أكتوبر 2012)، وكان آخر لقاء بينهما في ملتقى الشعر النسوي بقسنطينة، وذلك قبل وفاته بسنة، حيث تقول محدثتنا في هذا الجانب "سألني محمد بوليفة عن حالتي الصحية وتحدثنا عن السرطان فقال لي: "يا فاطمة أنا راه واصلي للعظم ولكن واش ندير إذا لحقت الساعة أهلا بها"، وكنت أرى محمد لأول مرة يتحدث بهذه الطريقة وكأنه كان يعرف أن وضعه الصحي لا يبشر بالخير". وفي سياق حديثها، قالت فاطمة ولد خصال ل"الشروق" إن محمد بوليفة كان فنانا متكاملا، كان يكتب نصوصا غنائية جميلة جدا، واصفة إياه ب"الفنان المثقف جدا"، بدليل الشعور بالراحة وأنت تتحدث إليه يشعرك أنك مهم في نظره، وأضافت الإعلامية فاطمة ولد خصال بالقول "ألحانه مميزة.. أستطيع القول إن بوليفة كان متفردا في الذي قدمه إلى الأغنية الجزائرية.. اهتمامه بالتراث وتوظيفه في ألحانه يعتبر في نظري من أهم ما أنجزه محمد بوليفة"، وأكدت فاطمة ولد خصال أن الجانب العلمي ساعده على تفجير إبداعاته، من خلال دراسته في العراق وحصوله على شهادة من معهد الدراسات النغمية.
مبروكة بوساحة: بوليفة مدرسة وتمنيت أن يلحن بعض خربشاتي أوضحت المنشطة الإذاعية السابقة وصاحبة أول ديوان شعري نسوي منذ الاستقلال، مبروكة بوساحة ل"الشروق" أن المرحوم محمد بوليفة، يعد مدرسة بكل المقاييس، صوتا ولحنا وأداء واختيارا للكلمة الراقية التي تصل إلى المتلقي بكل سهولة، مضيفة أن الشق الآخر في الفنان المرحوم بوليفة يمكن استنباطه من خلال رقة الصوت وتفاعله مع الكلمة، ما يجعلك تحس بإنسانيته وعذوبة روحه، فالفن حسب محدثتنا أخلاق قبل كل شيء، والرجل .كان خلوقا مؤدبا راقيا، وقالت مبروكة بوساحة "كم تمنيت أن يلحن بعض خربشاتي.. لكن مع الأسف وافته المنية واختطفه القدر.. كنت أطرب وأستلطف أغانيه بالعامية أو الفصيحة خاصة عندما تعامل مع الأستاذ الشاعر سليمان چوادي.
جمال مسرحي: فصاحة بوليفة جعلته مطرب النخبة بامتياز وسرد الأستاذ الجامعي، جمال مسرحي، (قسم التاريخ بجامعة باتنة) جانبا من ذكرياته مع الفنان الموسيقار محمد بوليفة، حيث قال ل"الشروق" في هذا الجانب "تشرفت بالتعرف إليه قبل فترة قصيرة من وفاته، هو مطرب النخبة بامتياز، وقل نظيره في الساحة الفنية الوطنية والعربية، اكتسب هذه المكانة الرفيعة نظرا لتكوينه الثقافي العالي، وإتقانه للغة العربية جعله يتعامل بالشكل اللائق مع القصيدة الشعرية بالعربية الفصحى لحنا وأداء عكس الكثير من المطربين أو الملحنين الذين كثيرا ما يعتمدون على القصيدة العامية"، وأضاف الأستاذ جمال مسرحي بالقول "كانت روائعه من تأليف شعراء ومبدعين كبار أمثال رفيق دربه سليمان جوادي والدكتور عاشور فني وعز الدين ميهوبي وإدريس بوذيبة وغيرهم، كما أن حسه الفني وإتقانه العربية الفصحى جعله يلقى للقصيدة اللحن المناسب لها ويرضيها بالشكل المناسب"، مضيفا بن تخصصه في العزف على آلة العود سهل له المهمة خاصة أنها تعد حسب محدثنا مايسترو الآلات الموسيقية، ومكنه ذلك من الوصول إلى المزج بين الطابع الجزائري خاصة في شكله الصحراوي مع بعض المقامات الخليجية، ويتضح ذلك جليا حسب محدثنا في "ما قيمة الدنيا"، وأكد جمال مسرحي أن الراحل محمد بوليفة سيظل قامة فنية لن تزول بصماتها من الساحة الفنية الوطنية، فأعماله ستظل خالدة ونغماته ستظل مسموعة لدى متذوقي الفن الأصيل والكلمة الجميلة الراقية.