بعد عقود طويلة في خدمة الدين والوطن والمجتمع، قضّاها مكافحًا في زمن ثورة التحرير الوطني لأجل استرجاع السيادة الوطنية، ثم مناضلا وطنيّا بعد الاستقلال، وبالموازاة عاش مصلحًا في الأوساط الاجتماعية بولايتي البويرة والمدية وما جاورهما، فارق الحياة الثلاثاء، المجاهد الحاج مسعود فضيل، والد المدير العام لمجمّع "الشروق" الإعلامي، عن عمر ناهز 89 عامًا، بعد صبر وثبات في مواجهة مرض عضال ألمّ به قبل فترة. وقد ولد الحاجّ مسعود فضيل سنة 1929، ورغم ظروف الحرمان التي فرضها الاستعمار الفرنسي على الجزائريين لقطع الطريق أمامهم في طلب العلم وبقائهم في مربّع الجهل المُطبق، فإنّ العائلة حرصت على تعليم ابنها "مسعود"، وإنْ آثرت التحاقه بزاوية "الشيخ الحمامي" في مدينة الأخضرية بولاية البويرة، حتى تكون ملاذا آمنا له، وحصنًا منيعًا في وجه الطمس الثقافي والحضاري الذي مارسته فرنسا على أبناء جيله عبر الفرنسة والتغريب. وفي تلك المرحلة الأولى، تلقّن "الابن مسعود" قواعد اللغة العربية وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم، كما نهل مبادئ التعليم الشرعي والفقهي الذي كانت تتوفّر عليه الزوايا، حتّى صار من متعلّمي عصره، والذين كانوا قلّة قليلة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة في الكثير من القرى والمداشر وحتى المدن الصغيرة. وقد سمح له ذلك الرصيد التعليمي بالتعرّف على الحركة الوطنيّة وحمل الهمّ الوطني مع مطلع الخمسينات من القرن الفائت، لينخرط في ثورة التحرير المباركة مباشرة بعد اندلاعها في الفاتح نوفمبر من عام 1954، وتشرّف بالكفاح المسلّح في الولاية الرابعة إلى جانب القائد الكبير الشهيد "سي لخضر"، وتكفّل وقتها بمأمورية في غاية الأهمية، وهي تعليم المجاهدين الأميّين وتحفيظهم كتاب الله. بعد الاستقلال، واصل المجاهد مسعود فضيل النضال الوطني عبر المسؤولية الإدارية والحزبيّة، حيث وضع فيه رفاق الثورة ثقتهم الكاملة، ليكون مسؤولا مكلفًا بشؤون المجاهدين لدى قسمة جبهة التحرير الوطني في بئر غبالو بولاية البويرة. وبالموازاة مع ذلك، ظلّ الرجل مشاركا فعّالا في النشاط العام إلى أن تقاعد من الوظيفة الرسميّة، ليتفرغ بعدها وبصفة كليّة لجهود الإصلاح والفعل الخيري، فكان يسعى للصلح بين الناس وقضاء حاجاتهم والتخفيف من معاناتهم قدر المستطاع، وبتلك الصفات الحميدة التي جعلته ينكر ذاته ليعيش للآخرين، عرفه أبناء منطقته بالكرم والشهامة والإيثار وحبّ الخير للجميع، ولم يثنه المرض الذي نزل به قبل مدّة عن مواصله مسيرته التطوعيّة والإنسانية، فكان حريصًا دوما على توجيه ذريّته لاستكمال المشوار الذي بدأه قبلهم، وهو ما سعى الأبناء البررة إلى تجسيده في السرّ والعلن، عبر إطلاق المشاريع والبرامج الخيرية وتوظيف الإعلام الهادف في خدمة هذه الرسالة النبيلة. ولرفعة سمعته التي ذاع صيتها بين الناس في المنطقة، ومحاسن أخلاقه السامية، فقد تأثر هؤلاء كثيرا بخبر وفاته، لكن عزاءهم المؤنس هو أن "عمي مسعود" رحل بجسده فقط، غير أنّ فكره وآثاره ونسْله الطيّب سائر على ذات الدرب، يحفظ عهد الدين والوطن، ويبذل وُسعه في بثّ الخير والإحسان، فرحم الله الفقيد وأسكنه الفردوس الأعلى، وألهم ذويه وجميع معارفه جميل الصبر والسّلوان. وتُعلم "عائلة فضيل" أنّ جنازة والدهم المرحوم، ستشيّع اليوم الأربعاء عند منتصف النهار بمقبرة "سي أحمد" في بئر غبالو، سائلة العليّ القدير أن يتغمده بشآبيب لطفه، ويكتب خطوات المعزّين في صحائفهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.