63 سنة مرَّت على اندلاع الثورة التحريرية المباركة، تبدو وكأنها "غير البارح" (كان في عمري عشرين).. مع ذلك 63 سنة تمر على من صعدوا إلى الجبال وأعمارهم لا تتجاوز 20 إلى 25 سنة.. واليوم: رحل من رحل، وبقي من، وما بقي.. البعض منهم على "قيد الحياة" والآخرون على قيد التسجيل في قائمة المرشحين للوفاة. وفي كل هذا، أعمار من أخرجوا فرنسا بالسلاح، لا تقلُّ لدى أصغرهم عن 75 سنة، ومع ذلك، لا تزال الجزائر تتحدث بلغة واقفة حتى ولو بدت قاعدة! وجدتُ نفسي بعد نوفمبر 2017، أسأل سؤال ما بعد أكتوبر 88: ماذا أعطتنا الجزائر، ثم ماذا أعطينا نحن بدورنا للجزائر؟ (سؤال معكوس، لكن هذا هو واقع الأمر المرّ). أعطانا الله من فضله عن طريق خيرات بلدنا المستقلّ، ما لا يُقاس ولا يُحصى ولا يُعَدّ.. ماذا أعدنا لها في المقابل وماذا أعطينا للبقرة الحلوب حتى تحلب؟ لقد أنجزت الدول الوطنية الكثير جدا، لم يكن هذا ليحدث مع الاستعمار أبدا، لكن بالمقابل، ماذا ضيَّعنا؟ الأكيد أننا ضيَّعنا الكثير بفعل سوء التسيير والأحادية، والفساد، وإضاعة المال في سبيل شراء السلم الاجتماعي عن طرق "رش الناس" بمشاريع أونسيج أو "On sait jamais"، وفي كرة قدمٍ لم تقدِّم لنا شيئا، وفي النفقات على الغناء والفلكلور والاستهلاك... أما رفع الأجور، فلا يمكن حسابه على أنها نفقات، لأن ما زيد للعامل والموظف باليد اليمنى، أخِذ منه وأكثر باليد اليسرى، عن طريق رفع الأسعار. وجدتُ نفسي إزاء هذا الوضع أعيد حساباتي: مساحة الجزائر هي قرابة 2.4 مليون كلم مربع.. عدد السكان اليوم نحو 40 مليونا.. إذا قسَّمنا مساحة البلاد على كل المواطنين، فسأحصل على أكثر من 6 هكتارات! أي إن العائلة الواحدة المكوَّنة من 5 "أفراد وبقرات" مثل عائلتي، سيكون نصيبها من الجزائر على الأقل 30 هكتاراً.. هذا من حيث المساحة. الآن من حيث مدخول النفط الذي هو ملكٌ لكل الجزائريين، الجزائر كانت تجني على الأقل 4 ملايير دولار شهريا قبل الأزمة، المحصلة ستكون على الأقل 100 دولار لكل فرد شهريا؛ أي ما يعادل أكثر من مليون ونصف مليون لكل فرد. بما يعني أن عائلة مكوَّنة من 5 بغال وعتروس مثل عائلتي، سيكون نصيبُها نحو 10 ملايين سنتيم شهريا. لكن ما حدث هو أنه عوض أن نقسِّم على 40 مليون جزائري، قسَّمنا على 400 ألف فقط؛ 400 ألف ممن يعيشون على ظهر 40 مليوناً.. 400 ألف "عود" ممن يأكلون علف 40 مليون "مواطن". ودون إبهام، نفهم أن القسمة ضيزى، وأن سوء العدل كان أساس المُلك عندنا، فهو أساس كل الأمراض والأوبئة الاجتماعية والقلاقل والقيل والقال والقتل والموت والمعارضة والتزوير والحرب الأهلية، والإرهاب والإسلام السياسي والجريمة الاجتماعية والفساد وسوء الأخلاق، وقلة التربية وسوء التسيير وقلة الترشيد والبطالة والعنوسة والطلاق والزواج المتأخِّر والسكن وضعف التنمية وبَوار الفلاحة والسياحة.. ومخططات فرنسا والغرب على الحدود.. ومشكلة اليهود، والزنوج، والنزوح والهجرة والحرقة..! عندما أفقت من إغماءةٍ في مكتب البلدية احتجاجا على تكسير اسمي العائلي بعد تكسير واجهة الانتخابات من طرف شباب مخرِّبين، كنت أصرخ: أعطوني حقي.. 10 ملايين و30 هكتارا حق الثورة وسيارة وإلا نحرق لفرنسا أو نحرق القوائم الانتخابية (الناس لم يفهموا فيها... تْرنْنْ... ولا أنا!...).