خلّفت طبعة 2017 من المعرض الدولي للكتاب الكثير من الطرائف والخرجات التي جمعت بين المأساة والملهاة، ففي الوقت الذي أجمع الكثير بأن هذه التظاهرة مناسبة مهمة لتصالح الجزائريين مع الكتاب واللقاء بأهل الكتاب، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع أحداث بعضها للذكرى، وأخرى تتطلب وقفة. صنعت الكاتبة أحلام مستغانمي الجدل في "سيلا 2017"، وهي تسير في بهو قصر المعارض محاطة بالحرس، ما حال بينها وبين قرائها ومحبيها، وهو الأمر الذي خلف الكثير من التعاليق وردود الأفعال، من ذلك ما ذهب إليه الكاتب عبد العزيز بوباكير الذي كتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك: "حضرتُ عدّة معارض للكتاب في العالم: باريس، فرونكفورت، الدار البيضاء، القاهرة، تونس، الكويت، موسكو شارك فيها كتّاب عالميون كبار، ولم أر مشهدا كهذا.كاتبة خواطر اسمها أحلام مستغانمي محاطة بالحرس"، حدث ذلك رغم لقاء زوار المعرض بوزراء حاليين وسابقين يتجولون بصفة عادية بين أجنحة دور النشر، بحث عن كتبهم أو عن كتب الآخرين، على غرار وزير الثقافة عزالدين ميهوبي الذي التقط صورا للذكرى مع معجبيه، والكلام ينطبق على وزيرة التربية نورية بن غبريط وغيرها من الشخصيات السياسية والوزارية التي أكدت وفاءها لمعرض الكتاب.
الشيخ الصّديق الأكبر سنا والأكثر كتبا ولينة أصغر مؤلفة في المعرض عرف المعرض الدولي للكتاب عديد المفارقات التي لفتت الانتباه، من ذلك تداول صور للشيخ محمد الصالح الصديق (92 سنة) وهو جالس وحيدا مع كتبه في المكان المخصص له، في الوقت الذي خلفت أجنحة بعض الروائيين إقبالا غفيرا وبطابع استعراضي، ويعد الشيخ المجاهد محمد الصالح الصديق أكبر كاتب في "سيلا 2017" من حيث السن (92 سنة)، ومن حيث عدد الكتب (ألف أكثر من 130 كتابا وكتاب)، كما أنه من المقربين للشهيد عميروش خلال الثورة التحريرية، فيما عرفت إحدى الأجنحة احتفاء أصغر كاتبة في الجزائر بأول مولود إبداعي لها، ويتعلق الأمر بالطفلة لينة قرناش من مدينة نقاوس بباتنة، التي أطلت بقصة "لينة زهرة الياسمين"، وهي حفيدة الكاتب والإعلامي السابق ميلود سويهر، ما جعل الكثير يستغل فرصة الاحتفاء مع هذه الكاتبة المستقبلية، وفي مقدمة ذلك الأكاديمية والناقدة حكيمة صبايحي من جامعة بجاية. فيما حملت "سيلا 2017" ذكرى أليمة للكاتب والناقد سعيد بوطاجين الذي أرغم على المغادرة في منتصف التظاهرة، اثر المحنة التي ألمت بعائلته بعد وفاة شقيقه الوحيد في حادث مرور في طريق عنابة، وهذا بعد أسبوعين من زواجه.
مقتنيات ب 15 مليون وآخرون يصطادون الجمال بدل الكتاب أعدت العديد من العائلات الجزائرية العدة قبل زيارة المعرض الدولي للكتاب، من خلال تخصيص ميزانيات محترمة، مع الحجز مسبقا في الفنادق الواقعة في العاصمة، وبالمرة المكوث عدة أيام لأجل صيد عدة عصافير بحجر واحد، وبالمرة الجمع بين السياحة الساحلية والطبيعية والتاريخية والثقافية، حيث لم يخف البعض ممن تحدثنا إليهم أنهم قسموا المهام لإنجاح الرحلة، فيما صرف آخرون مبالغ مالية معتبرة لاقتناء الكتب، بعضها تعدى قيمة 15 مليون، من منطق قناعتهم بأن "الكتاب" كنز لا يفنى"، فيما فضلت شريحة أخرى أن تكون زيارتها مزيجا بين تفحص الكتاب واصطياد الجمال، بلقطات استعراضية بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الكتاب وأهل الكتاب. وتبقى أفضل خاتمة لنسخة هذا العام من المعرض الدولي للكتاب هو ما قاله الروائي المبدع سفيان مخناش على صفحته: "من كان يريد سيلا فإن سيلا قد انتهى، ومن يريد الكتاب فإن الكتاب باق".